هيومن رايتس ووتش: التعذيب مستمر

الرد الرسمي: نبني على النجاحات الحقوقية

إعتمدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن مزاعم التعذيب في البحرين على إتصالات هاتفية، وعبر الإسكايب، أجرتها مع أربعة عشر شخصا من المحتجزين لدى الشرطة، أو داخل السجون البحرينية، وكذلك مع عدد من المحامين البحرينيين.. وذلك بعد رفض السلطات البحرينية منح تأشيرات لفريق المنظمة، كما تقول هذه الأخيرة.

وقد إستعرض التقرير حصيلة نشاط كل من الأمانة العامة للتظلمات، ووحدة التحقيق الخاصة، ليخلص إلى فشلهما في تقديم ما يثبت فاعليتهما، لدرجة أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، كانت قد وجهت إنتقادات شديدة في تقريرها السنوي لعام 2013 لوحدة التحقيق الخاصة، ووصفتها بأنها لا ترقى لمستوى الإستقلالية والحياد.

وتضمنت ملاحق التقرير، إجابات وردود من الأمانة العامة للتظلمات، ووزارة الداخلية، كان آخرها في شهر نوفمبر 2015، على أسئلة وإستفسارات كانت المنظمة قد بعثت بها إليهما. وفيما يبدو أن تلك الردود لم تشف للمنظمة غليلا لعدم إشتمالها، في نظرها، على بيانات وافية، تدحض مزاعم المنظمة بعدم إستقلالية تلك المؤسسات.

محور تقرير التعذيب الذي أصدرته هيومن رايتس ووتش (نوفمبر 2015) يدور حول ما تسميه بفشل البحرين في الإلتزام بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة، فيما يتصل بمكافحة التعذيب، رغم إنشاء ثلاث هيئات لهذا الغرض، وهي: الأمانة العامة للتظلمات، ووحدة التحقيق الخاصة، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين. ويتخذ التقرير من شح المعلومات فيما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات، ومن عدم إنعقاد محاكمات خاصة بالتعذيب، مؤشراً ـ بنظرها ـ للفشل في معالجة ثقافة (الإفلات من العقاب).

خلاصة الأمر، وطبقا لهيومن رايتس ووتش، فإن البحرين لا زالت تشهد: إستمرار ممارسات التعذيب؛ واستمرار ثقافة الإفلات من المحاسبة.

من جهة أخرى، فقد اعتمد التقرير على إفادات عشرة من المحتجزين، ممن زعموا تعرضهم للإستجواب القسري، وأربعة من السجناء السابقين من نزلاء سجن جو، زعموا أيضاً تعرضهم للتعذيب.

وهنا يستعرض التقرير ما أسماه مظاهر فشل المؤسسات الحكومية التي أنشئت تجاوباً مع توصيات لجنة بسيوني فيما يتصل بمكافحة التعذيب، والتي كانت كالتالي:

الأمانة العامة للتظلمات: 1/ لا توجد تقارير شفافة حول نشاطها، أو معلومات حول الملفات التي أحالتها للتحقيق وعددها 83 حالة من أصل 361 شكوى. 2/ تبعية الأمانة لوزارة الداخلية أمر غير مناسب، من جهة تورط الأخيرة في الإنتهاكات، حسب التقرير.

وحدة التحقيق الخاصة: يقول التقرير أن الوحدة فشلت حتى الآن في محاسبة كبار مسئولي الأمن على الإنتهاكات بحق المحتجزين.

انتقادات للحكومة ومطالبة بخطوات عملية: من جهة اخرى، وحسب التقرير، لم تتح الحكومة البحرينية لجهات محايدة مراجعة أداء تلك المؤسسات للتأكد من فاعليتها، فهي قد ألغت زيارة المقرر الدولي الخاص بالتعذيب، بعد أن كانت قد اجلتها في عام 2013، كما انها لم تصادق على البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب، والذي ينص على إنشاء هيئة تفتيشية شفافة وكاملة الإستقلالية (الآليات الوقائية الوطنية)، فالمؤسسات المذكورة بسبب عدم إستقلاليتها ـ بنظر التقرير ـ لا تتوافق مع المعايير الأساسية التي ينص عليها البروتوكول الإختياري. كما أن الحكومة البحرينية، رفضت السماح لهيومن رايتس ووتش بزيارة البحرين.

توصيات التقرير

حدد تقرير هيومن رايتس ووتش خطوات عملية، داعياً الحكومة البحرينية والأجهزة الأخرى للقيام بها، وهي:

1 ـ توجيه دعوة فورية للمقرر الدولي الخاص بالتعذيب، والسماح له بأداء مهامه بحرية تامة.

2 ـ ضمان الإستقلال التام للمؤسسات الثلاث (الأمانة العامة للتظلمات، وحدة التحقيق الخاصة، مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين) من الإرتباط بأية سلطة تنفيذية كوزارة الداخلية.

3 ـ على أمانة التظلمات تضمين تقاريرها بيان مفصل بطبيعة الشكاوى التي تتلقاها وردودها عليها، وأسباب رفضها لأي منها، والكشف عن العقوبات المفروضة على الجناة مقرونة بأسمائهم ورتبهم.

4 ـ يجب أن تتم عملية ترشيح وتعيين الأشخاص لكل من الأمانة العامة للتظلمات، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، من خلال لجنة تمثل شريحة واسعة من المجتمع البحريني.

5 ـ إنشاء لجنة رقابة مدنية مستقلة لمراجعة أعمال وحدة التحقيق الخاصة وضمان إستقلاليتها.

6 ـ تعديل قانون العقوبات بما ينصّ على ضرورة الحصول على فحص طبي من قبل طبيب

مستقل، إضافة إلى الفحص الذي يُجريه الطبيب التابع للنيابة العامة، لكل مُشتبه فيه يزعم التعرض إلى التعذيب أو سوء المعاملة، ويُطالب بفحص مستقل.

7 ـ السماح للمنظمات الحقوقية، بما فيها هيومن رايتس ووتش، بزيارة البلاد وأماكن الإحتجاز.

8 ـ دعوة الأمانة العامة للتظلمات، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، الى التحقيق في المزاعم المتعلقة باستخدام القوة المفرطة والتعذيب.

الرد الحكومي

حسناً فعلت، أن قدّمت الحكومة البحرينية وفي اليوم التالي لإطلاق تقرير هيومن رايتس ووتش بشأن التعذيب، 24 نوفمبر 2015، رداً أولياً، وقالت أنها بصدد (مراجعة محتواه وما ورد فيه من ادعاءات).

وقال الرد الصادر عن وزارة الخارجية البحرينية، أن التقرير تضمّن (عدداً من الإصلاحات التي نفذتها مملكة البحرين على مدى السنوات الماضية والتي شملت إنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والأمانة العامة للتظلمات، ووحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، وأقر التقرير أيضاً بمواءمة البحرين لتشريعاتها الوطنية الخاصة بسوء المعاملة مع المعايير الدولية، مشيراً إلى أنه في العديد من المناسبات اتخذت الأمانة العامة للتظلمات مبادرات لتفقد أماكن الاحتجاز، والتحقيق في مزاعم سوء المعاملة بما في ذلك سجن جو).

وأضاف البيان الرسمي أنه (نظراً إلى أن الحالات المذكورة في التقرير تندرج ضمن اختصاص الأمانة العامة للتظلمات، تود حكومة مملكة البحرين، حث منظمة هيومن رايتس ووتش مجدداً، على تقديم مثل هذه الشكاوى إلى هذه المؤسسات، وتزويدها بالمعلومات الكافية، لتمكينها من إجراء تحقيقات فعالة، لا سيما أن توجيه الانتقادات العلنية لهذه المؤسسات، دون أن تتاح لها فرصة الاطلاع على هذه المزاعم والتحقيق فيها، لا تخدم الجهود المبذولة من أجل حماية وتعزيز حقوق الإنسان).

وأشار البيان الى (أن الادعاءات ـ مجهولة المصدر ـ التي وردت في التقرير، استندت على عدد محدود جداً من المقابلات، منها مقابلات أجريت مع بعض النشطاء من ذوي الأجندات السياسية). مشدداً على أن (مملكة البحرين ماضية في تعزيز قدرات مؤسساتها الوطنية، لتمكينها من القيام بواجباتها على أكمل وجه، وما منح جائزة شايلوت التابعة للاتحاد الأوروبي إلى الأمانة العامة للتظلمات، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سنة 2014، وقبول عضوية الأمانة العامة للتظلمات بمعهد أمناء المظالم الدولية كعضو، له الحق الكامل في التصويت، ما هي إلا براهين ساطعة على نجاح هذه الجهود، ولا تزال المؤسسات الوطنية تبني على تلك النجاحات، وتلعب دوراً حيويا في حماية حقوق الإنسان في البحرين).

وأبدى البيان الرسمي (قلق حكومة البحرين البالغ، من أنه قد تم الرد في كثير من الحالات على مزاعم التعذيب الواردة عن أفراد معينين في التقرير في مناسبات سابقة، فعلى سبيل المثال، قامت وزارة الداخلية البحرينية بالرد علناً على حالة واحدة في مناسبتين، وذلك أثناء التحقيق في قضية صاحبها من قبل منظمة العفو الدولية، علماً بأنه من الممكن للمزاعم أن تتغير، ولكن يظل موقف الحكومة ثابتاً، بأنه لم يحدث سوء معاملة من قبيل تلك التي ورد ذكرها في التقرير، أثناء الاعتقال أو الاحتجاز).

وأخيراً قال البيان أنه (مما يبعث على القلق أيضاً، هو ما قدمته منظمة هيومن رايتس ووتش من توصيات حول الدعوة إلى وقف برامج التعاون مع المملكة المتحدة، وكذلك التعاون التقني مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في حين كان من الأجدر بها أن تشيد وتدعم التعاون والمساعدة التقنية التي توفرها الجهات الأخرى التي تساعد على تنفيذ برامج الإصلاح في البحرين. وتدعو المنظمة إلى الاطلاع على تقرير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان من أجل شمولية أكثر في معالجة تطورات حقوق الإنسان).

كيف يكون الردّ على التقرير؟

أما وقد وعدت الحكومة البحرينية بردٍّ شامل على تقرير هيومن رايتس ووتش والتحقيق بشأن مزاعم التعذيب، فإننا نقترح التالي:

  • أن تقدم البحرين بيانات وافية حول الحالات التي عرضها التقرير، وما تمّ بشأنها إن ثبتت صحتها. أو أن يعلن عن الشروع في التحرّي بشأنها، إن لم يكن ذلك قد تم بالفعل. وكذلك أن يوفر من البينات والأدلة ما يمكن أن يدحض القول بعدم إستقلالية المؤسسات المعنية الثلاث (لجنة التحقيق الخاصة؛ الأمانة العامة للتظلمات؛ ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين) سواء من ناحية تكوينها أو ممارستها لمهامها.

إن أكثر ما يثير الشبهة في جدية هذه المؤسسات ومصداقيتها، هو ما تسميه الدوائر الحقوقية الدولية بثقافة الإفلات من العقاب، وما لم تثبت هذه المؤسسات عكس ذلك، وتؤكد بالأدلة القطعية أن كل إتهامات التعذيب قد تم التحري بشأنها، بالشفافية المطلوبة، وتقديم المتهمين بإرتكابها للعدالة.. فإن هذه الشبهة ستظل قائمة.

  • أن تقدم البحرين إجابات واضحة فيما يتصل بمسألتي الدعوة المعلقة لزيارة المقرر الدولي الخاص بالتعذيب الى البحرين، وإنضمام البحرين للبروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب، وأن توضح ايضاً المبررات التي تحول دون إتمام المسألتين في أقرب وقت ممكن.

إن مسألة زيارة المقرر الدولي الخاص بالتعذيب للبحرين، ستبقى مطلباً مستمراً من قبل المجتمع الحقوقي الدولي.

  • توضيح أسباب رفض البحرين منح تأشيرات لهيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية الساعية للتحري حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين. إن فرض مثل هذه القيود هو الذي يقود إلى إتهام البحرين بعدم التعاون مع المجتمع الدولي وبإنعدام الشفافية، ويثير الشكوك بأن لديها قضايا لا تريد الآخرين الإطلاع عليها.
  • إن سعي البحرين لطلب العون الفني من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومن المجتمع الدولي عامة، يفترض ان يوضح أن ذلك إنما يعكس رغبة حقيقية من البحرين في معالجة النواقص، وتطوير الأداء في المجال الحقوقي، وهو الأمر الذي ينبغي أن يجد التأييد والتشجيع، لا التأليب والدعوة الى القطيعة، كما طالبت هيومن رايتس ووتش. ونعتقد في مرصد البحرين لحقوق الإنسان، بأن هذه الدعوة لم تكن موفّقة وخارج سياق الإصلاح الحقوقي في البحرين. إذ أن هكذا دعوة تطرح تساؤلاً يقول: لماذا يُطلب من البحرين ان تتعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي، في حين أن منظمة حقوقية دولية كهيومن رايتس ووتش، تدعو في تقاريرها ذلك المجتمع الدولي بأن لا يتعاون مع البحرين، وأنه لا فائدة من ذلك التعاون؟
  • أن تشرح البحرين في ردها على هيومن رايتس ووتش، تعقيدات تضاريس الوضع الداخلي في البحرين، مع جنوح البعض لتبني أساليب العنف والتخريب والشحن الطائفي. فالمنظمات الحقوقية الدولية، يهمّها في نهاية الأمر رؤية نتائج على الأرض، ولكنها لا تهتم ـ للأسف ـ كثيراً لقراءة الصعوبات والتحديات التي تجعل من بروز النتائج وتحققها متأخراً أو ناقصاً. إن اطلاع هذه المنظمات على الوضع بتعقيداته، يساعد على فهم الصورة الكاملة للوضع الحقوقي وتداخلاته مع الوضع السياسي والإجتماعي، ومن ثمّ يكون هناك تقدير اكثر دقة للأوضاع وما ينجم عنها، كما سيكون لديها القدرة على تقييم أداء اللاعبين الحقوقيين، ومدى انسجام أدواتهم مع الأهداف الحقوقية الكبرى المتوخاة.