البحرين ومكافحة الإتجار بالبشر

صدر مؤخراً تقرير الخارجية الأميركية حول الإتجار بالبشر في بلدان العالم المختلفة؛ وقد حظيت البحرين ودول خليجية أخرى باهتمام التقرير، كونها بلدناً مستوردة للعمالة، ما يجعل مسألة الاتجار بالبشر مشوبة بالضبابية وعدم الدقّة ويكون الوقوع في التصنيف الدولي السلبي أمراً وارداً.

بواعث القلق

التقرير الأمريكي يرى أن حكومة البحرين لم تلتزم بشكل كامل بالحدّ الأدنى من معايير مكافحة الإتجار بالبشر رغم أنها تبذل جهوداً كبيرة في هذا الإتجاه. وأشار الى حقيقة أن البحرين استمرت في جهودها ولكن دونما بذل جهود اضافية، ما جعلها في تصنيف الدول ضمن قائمة (الفئة الثانية ـ تحت المراقبة) للعام الثاني على التوالي.

ويعرض التقرير الأميركي جهود الحكومة على صعيد مقاضاة ومعاقبة مرتكبي جرائم الإستخدام القسري و الإتجار بالبشر بغرض الجنس خلال الفترة التى يشملها التقرير، ويرى أنها كانت محدودة. كما يعرض التقرير لمشكلة عدم وجود تعريف رسمي واضح لضحايا ممارسة الاتجار بالبشر، وأن الحكومة لم تبذل ما فيه الكفاية لتوفير البدائل القانونية التي تحول دون إبعاد الضحايا الأجانب الى بلاد قد يتعرضون فيها لأوضاع صعبة أو أعمال إنتقامية.

واشار التقرير الأميركي الى أن البحرين ومنذ عام 2012 قد وفرت من خلال الدعم الحكومي المأوى لضحايا الاتجار بالبشر من الإناث، وانها عالجت بعض القضايا في هذا الجانب، لكن التقرير يرى أن الضحايا لازالوا عرضة للإعتقال والإحتجاز والإبعاد بسبب ارتكابهم جنح وجرائم ذات صلة مباشرة بعملية تعرضهم للإتجار وكونهم ضحايا في الأساس.

وتطرق تقرير الاتجار بالبشر الى أن نظام الكفيل لازال يسبب الكثير من المشاكل، كونه يعطي أرباب العمل سلطة مفرطة، ويسهم في وجود ممارسات السخرة والإرتهان.

التوصيات

أوصى التقرير بتفعيل قانون مكافحة الإتجار بالبشر البحريني لعام 2008 وجعله موضع التنفيذ، ومضاعفة جهود التحرّي والمقاضاة، وبصفة خاصة تلك المتعلقة بالإستخدام القسري، بما في ذلك إدانة ومعاقبة مرتكبي الجرائم.

كما اوصى التقرير حكومة البحرين بفرض قانون عمل يوفر الحماية لعاملات المنازل (الخادمات)؛ وكذلك إصلاح نظام الكفيل بما يخدم هدف إزالة العوائق أمام العمال الأجانب، والإحتكام للقضاء في حالات الإستخدام القسري، وضمان عدم تعرض ضحايا ممارسات الإتجار بالبشر الذين يتم تحديدهم والتعرف عليهم للعقاب بسبب أعمال غير مشروعة تم إرتكابها كنتيجة مباشرة لتعرضهم لممارسة الإتجار بهم، كالهجرة غير المشروعة أو البغاء.

ومن التوصيات: توسيع إطار المأوى المدار حكوميا ليشمل حماية كل ضحايا ممارسات الإتجار بالبشر، بمن فيهم ضحايا الإستخدام القسري، والذكور. وفي جوانب أخرى أوصى التقرير بتأسيس وتطبيق معايير رسمية لتحديد من هم ضحايا ممارسة الإتجار بالبشر وسط المجموعات الضعيفة، كخدم المنازل الهاربين بسبب سوء المعاملة، والنساء اللاتي يرغمن على البغاء. وكذلك تأسيس آلية رسمية تتيح للسلطات المختصة والمسئولين الرسميين إحالة من يتم تصنيفهم كضحايا إلى حيث تتاح لهم خدمات الحماية؛ فضلاً عن تدريب المسئولين على آليات الإحالة تلك بشكل جيد؛ وضمان توفير التدريب الكافي في مجال مكافحة الإتجار بالبشر للعاملين في المأوى، والتأكد من أنهم يتحدثون اللغات التي يتحدث بها العمال الأجانب.

وأخيراً يوصي التقرير بالإستمرار في رفع درجة الوعي لدى المهاجرين الأجانب، وبصفة خاصة خدم المنازل، بقضايا الإتجار بالبشر، من خلال أجهزة الإعلام، و باللغات التي يتحدثون بها.

الجهود الرسمية

وكيل وزارة الخارجية السيد عبدالله عبداللطيف - رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالاشخاص

تبدو الحكومة البحرينية مهتمة بموضوع مكافحة الإتجار بالبشر، وقد شكلت لجنة وطنية من أجل ذلك الغرض، تتكون من دوائر رسمية عديدة، ومن ممثلين من جمعيات غير حكومية، ويرأس اللجنة وكيل وزارة الخارجية السيد عبدالله عبداللطيف. ومع ان التقرير الأميركي يأخذ على حكومة البحرين عدم التطبيق الفعّال لمكافحة الاتجار بالبشر، ويقيس ذلك بقلّة الحالات او القضايا التي أحيلت الى المحاكم وصدر بشانها أحكام قضائية، فإن السلطات الرسمية تفيد بحالات عديدة، لكن المشكلة ـ حسب رأيها ـ تعود الى الضحايا انفسهم الذين يغيّرون من أقوالهم حين يواجهون القضاء، وذلك خشية أن يخسروا أعمالهم، أو خشية تهديدات بالترحيل وغير ذلك، مما لا تستطيع الحكومة الإطلاع عليه ومتابعته بسبب غياب الأدلّة.

اما من جهة عدد القضايا فإن السلطات البحرينية تشير الى أن الاحصاءات الحكومية رصدت عدداً من القضايا التي أحيلت الى القضاء عام 2012 والتي كانت اربعاً، وفي عام 2013 كانت هناك قضيتان حتى الآن. وفي مارس الماضي حوكم 4 متهمون من بينهم شرطي بتهمة الاتجار بالبشر لراقصتين وسرقتهما بالإكراه، وحجز حريتهما، وحكم عليهم بالسجن بين ثلاث وخمس سنوات، حيث حكم على الشرطي بالسجن خمس سنوات وتغريمه 5 آلاف دينار، واعادة الراقصتين الى بلادهما، كما أدين متهمان اجنبيان وحوكما بالسجن والطرد من البلاد بعد تنفيذهما العقوبة.

وفي يونيو الماضي، قضت المحكمة على أسيوية بالسجن عشر سنوات وتغريمها خمسة آلاف دينار وإبعادها عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة، وذلك لاحتجازها امرأة آسيوية واجبارها على البغاء، ما اضطرها الى الهرب الى سفارة بلادها والاستغاثة بها ومن ثم تبليغ الجهات الأمنية بالواقعة.

رئيس النيابة الكلية وائل بوعلاي، رأى أن قضايا الاتجار بالبشر لا تمثل ظاهرة في البحرين، وشدد على ضرورة ايجاد قانون ينظم عمل خدم المنازل، ولا بد أن يعرف اولئك الخدم وكذلك الكفيل حقوقهم. وفي ورشة (بناء القدرات الوطنية في ضبط جرائم الاتجار بالأشخاص والتحقيق الجنائي) التي اعدتها وزارة الخارجية البحرينية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية، قال وكيل وزارة الخارجية السيد عبدالله عبداللطيف، بأن البحرين حريصة على تطبيق التزاماتها الوطنية والدولية في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص والمحافظة على الأفراد وحمايتهم، من خلال بناء القدرات الوطنية ونشر الوعي ووضع نظام انتقال العمالة الوافدة. واضاف بأن اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص وضعت برامج عديدة للقيام بمهامها وتحسين أدائها، من بينها تدشين خدمة الخط الساخن، وخدمة الدعم النفسي، وتوفير مراكز الإيواء للضحايا، وقيام هيئة سوق العمل بحملة توعوية على موقعها الالكتروني تبين حقوق العمالة الوافدة بعدة لغات، وبث وسائل الاعلام الرسمية برامج واخبار حول الموضوع بلغات عدة، وزيادة عدد المفتشين وغير ذلك.

وأشادت ممثلة منظمة الهجرة الدولية سارة كارلز بدور البحرين المتميز على مستوى منطقة الخليج فيما يتعلق بمسائل حقوق العمال وتنظيم سوق العمل ومكافحة الاتجار بالبشر. وقال البروفيسور محمد مطر خبير الأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمشروع الحماية ضد الاتجار بالبشر بجامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة، بأن الورشة ناقشت وضع عناصر خطة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر تقوم على الملاحقة القضائية، وحماية الضحايا، والتدابير الاحترازية، والمشاركة الاجتماعية، وتحديد ادوار واضحة لعناصر المجتمع المدني لتحقيق الغاية المرجوة.