قلق ونقد لأوضاع حقوق الإنسان

كيف تطمئن البحرين المؤسسات الحقوقية الدولية؟

خلال الأزمة التي مرّت بها البحرين، تزايدت الإنتقادات لسجلّها الحقوقي، وحاولت الحكومة طمأنة الجهات الدولية الحقوقية، ومؤسسات الأمم المتحدة، حول أوضاع حقوق الإنسان لديها، وبذلت جهداً في هذا السبيل. ويأتي في إطار تلك التطمينات الرسائل الرسمية، والوفود البرلمانية، وكذلك الوفود الرسمية التي تشارك في الفعاليات والإجتماعات الدولية، واللقاءات مع ممثلين للمنظمات الحقوقية الدولية داخل البحرين نفسها. لكن تلك التطمينات لم تمنع الجهات الحقوقية من إبداء قلقها ونقدها لتلك الأوضاع.

واحد من أسباب ذلك، هي أن الجهات المسؤولة، لم تُحسن التعاطي مع بواعث القلق تلك، وأخذت تتحدث عن موضوعات إمّا ليست ذات صلة بتلك البواعث، أو لا تلامس جوهر القضايا المثارة في بيانات وتقارير تلك المنظمات والمؤسسات.

تحوي البيانات والتقارير الحقوقية الدولية مسائل محددة، ويفترض أن تتم الإجابة عليها وتوضيح الموقف الرسمي منها. ولا يهم تلك المنظمات الوضع السياسي أو الأمني، إلا بشكل محدود، يمثل إطاراً للفهم؛ أما التركيز عليه، وجعله القضية الأساس، بحيث تصبح قضايا النقد الدولية المطروحة ملحقة بالقضية الأمنية أو السياسية، فهذا أمرٌ لا يساعد على جلب الطمأنينة وتهدئة بواعث القلق.

فالقول مثلاً، بأن هناك مشروعاً إصلاحياً، أمرٌ مهم، ولكنه يوضع في إطاره العام، فهذا لا يمثل الأصل بالنسبة للمنظمات، بل المهم لديها مدى احترام حقوق الإنسان في إطار المشروع الإصلاحي السياسي.

ومثل ذلك، القول بأن الوضع الأمني كان سيئاً، وأن هناك انفلاتاً وتجاوزات وخروقات تمت من قبل المعارضة وحشود متظاهريها. مثل هذا الأمر، يكون مقبولاً بحدود أيضاً، ولكن لا يغني عن العودة مجدداً الى الموضوع الأساس الذي تحويه البيانات والتقارير، وهي قضايا الخروقات المحددة.

لا ينبغي الإستغراق في شرح تفاصيل الوضع الأمني والسياسي؛ لأن المطلوب هو (تفاصيل الوضع الحقوقي) بالذات. وهنا مربط الفرس، وما ينبغي الإجابة عليه. لأنه بغير هذه الصورة، يصبح الرد على تلك المنظمات، أو محاولة تطمينها قليل الفائدة، مهما بذل من جهد، ومهما تعددت الوفود التي تشرح الموقف الرسمي. بل أن بعض المنظمات قد ترى أن هذه المقاربة الحكومية محاولة تبرير، حين لا يتم التعرّض للموضع الرئيسي.

في بعض الأحيان تكون الإجابات الرسمية على أسئلة أخرى: فحين تسأل منظمة حقوقية عن أن شخصاً ما لم يسمح له بتوكيل محام مثلاً؛ فإن الإجابة المفترضة تكون بوثيقة تبيّن أن المتهم تمتّع بحقّه في تعيين محام دفاع منذ اليوم الأول لاحتجازه، وأن التحقيقات تمت بحضور المحامي. ولكن الذي يحدث مثلاً، أن السلطات المعنيّة تقدّم وثائق الإتهامات، التي تكون قد حصلت عليها تلك المنظمة الحقوقية، وهي لذلك مهتمة فقط بموضوع المحامي والتحقيق، وليس بموضوع الإتهام الذي صار لديها علم به. قد يكون الإتهام الموجّه للمحتجز خطيراً وواقعياً، ولكن الذي يهم المنظمات الحقوقية هو مدى الإلتزام الرسمي بالإجراءات وفق معايير حقوقية صحيحة، وأيضاً أن تكون الإجراءات المتعلقة بالمحاكمات قد تمّت وفق معايير المحاكمة العادلة، منذ الإحتجاز حتى صدور الحكم.

ويحدث أحياناً، أن تقدّم إجابات عامّة، فأمام أسئلة محددة تجاه محتجز أو محتجزين، يأتي الجواب بأنه تمّ التعاطي معهم وفق القانون. هذا جواب عام وغير كاف. فالسؤال المحدد يستدعي جواباً محدداً وموثقاً. ومع هذا، فإن المنظمات الحقوقية يهمّها أن يكون القانون المحلّي متطابقاً مع معايير ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، والتي تعتبر البحرين طرفاً فيها.

في أحيان أخرى، تسأل المنظمات الحقوقية عن إجراءات تمّ اتخاذها من قبل الحكومة، فتقدم لها إجابة غير كاملة؛ وأقرب الأمثلة الى ذلك، موضوع فصل العمّال. فالحكومة توضّح أن العمال ارتكبوا خطأ حين غابوا عن ميدان العمل بدون مبرر قانوني، وتسبّبوا بأضرار مادية في القطاعين العام والخاص. ولكن نفس القانون الذي تمّ بموجبه فصل العمال، يحوي ضمانات قانونية تمنع الفصل التعسّفي، ويوفر حقّ التقاضي، والمراجعة من جهة مستقلّة للتأكّد بأن الفصل لم يتم تعسّفاً. وحتى بعد أن يتمّ الفصل: ما هي الحقوق التي للعامل وفق القانون نفسه؟ وهل تمّ تطبيقها؟ حين يكون الفصل لبضعة أفراد، لا يثير شبهة أو مشكلة كبيرة؛ ولكن حين ترى المنظمات الحقوقية الدولية المئات من الموظفين والعمال قد تمّ طردهم، فإن أوّل ما يتبادر الى ذهن تلك المنظمات بأن هناك سياسة منهجية للحكومة في هذا الأمر.

غنيّ عن القول، بأن أيّة دولة لا تتمتّع بالثقة الكاملة لدى المنظمات الدولية، تُطالب من قبل الأخيرة ـ وبشكل مكرر الى حدّ الإزعاج ـ بتقديم الأدلّة والإثباتات على أن ممارساتها قد تمّت وفق معايير حقوق الإنسان، ولا تقبل منها الإجابات العامّة، أو الإعتماد على النصوص القانونية المحلية المجرّدة، أو أنصاف الإجابات، أو حلحلة جزئية لبعض القضايا المثيرة.

لمثل هذه الأسباب، استمرت بواعث القلق لدى المنظمات الحقوقية الدولية، والتي ما فتئت تتكرر على شكل تقارير متعددة، من بينها ما صدر عن مجموعة الأزمات الدولية، وبيت الحرية (فريدوم هاوس)، ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، ومنظمة حقوق الإنسان أولاً، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراسلون بلا حدود، إضافة الى المفوضة السامية لحقوق الإنسان.

الجهات المسؤولة في الحكومة ـ إذا ما أرادت طمأنة الرأي العام الحقوقي ـ فعليها أن تنظر بعين متفحّصة لبواعث القلق أولاً، والى التوصيات التي تلحق بالتقارير ثانياً. فهنا يتبين السبب وعلاجه. أما التعهدات والتطمينات الشفوية فهي غير كافية، وقد رأتها الجهات الحقوقية غير متطابقة مع ما يتخذ من قرارات وما ينفذ من إجراءات. مع ملاحظة أن بعض التوصيات قد لا تكون دقيقة، أو ذات صلة مباشرة بالموضوع الحقوقي، أو تحوي تفصيلاً في جوانب إجرائية.

بواعث القلق

تضمنت بيانات وتقارير المنظمات الدولية والإقليمية وهيئات الأمم المتحدة إشارات واضحة لتجاوزات متعددة لحقوق الإنسان في البحرين، ورصدت العديد منها، كما يلي:

  • عدم اتخاذ إجراءات فاعلة لمنع تصاعد خطاب الكراهية والطائفية في وسائل الإعلام وغيرها.
  • التضييق على التجمّعات السلمية.
  • التضييق على الناشطين الحقوقيين واعتقالهم.
  • الإخلال بمعايير المحاكمة العادلة، والإستمرار في محكمة السلامة الوطنية.
  • وفاة عدد من المحتجزين في مقرات الإحتجاز.
  • التضييق على حرية التعبير، واحتجاز عدد من الصحفيين وفصل آخرين.
  • موت عدد من المتظاهرين برصاص رجال الأمن.
  • استمرار احتجاز عدد من قادة المعارضة وكوادرها.
  • احتجاز المتظاهرين، ووجود مزاعم بممارسة التعذيب بحقهم.
  • احتجاز عدد من العاملين في المجال الطبّي.

توصيات المنظمات

من خلال رصدها لانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين خلال أبريل ومايو ويونيو، تقدمت المنظمات الدولية والإقليمية بعددٍ من التوصيات، منها ما يلي:

  • إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في البحرين، ومساءلة جميع المسؤولين عن إصدار الأوامر أو ارتكاب انتهاكات.
  • معالجة التمييز.
  • وضع حدّ للمضايقات التي يتعرّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، واطلاق سراحهم.
  • الإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية ممارستهم لحقهم في التعبير السلمي والتجمع؛
  • وضع حد للاعتقالات التعسفية.
  • التحقيق في مزاعم التعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين، وتنفيذ الضمانات لمنع التعذيب، مثل وضع حد للاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي؛ وضمان حق المحتجزين في الزيارات وتعيين محامين للدفاع عنهم.
  • حماية أماكن العبادة، واحترام الحرية الدينية لجميع البحرينيين.
  • إيقاف التسريح التعسّفي للعمّال، واتخاذ اجراءات تعيدهم الى وظائفهم في أسرع وقت.
  • توفير المحاكمات العادلة للمتهمين في قضايا جنائية أمام محاكم مدنيّة تتوفر فيها كافة شروط المحاكمة العادلة، وإيقاف العمل بمحكمة السلامة الوطنية.

هذه مختصرة بعض بواعث القلق وبعض توصيات المنظمات الحقوقية الدولية. ولكي يتمّ التخفيف من القلق، فإن بإمكان المسؤولين في البحرين اعتماد مقاربة أخرى في التعاطي مع محتويات هذه التقارير، بتصحيحها، إن تضمّنت أخطاءً، مع توفير المعلومات والوثائق، وبإمكانها أيضاً معالجة القضايا الصحيحة التي وردت في التقارير، وإبلاغ تلك المنظمات بأن الحكومة قد قامت بتصحيح ما وقع من تجاوزات، حتى تنمّي الثقة والإطمئنان لديها، بأنها جادّة في احترام حقوق الإنسان، وأنها لا تقبل بوقوع أية تجاوزات، وأن هناك فرص للتظلّم والإعتراض أمام الأفراد.