تحسّن في الأداء والتشريع:
البحرين في تقرير أمريكي حول الإتجار بالبشر
صدر يوم 14 يونيو تقرير وزارة الخارجية الأميركية بشأن الاتجار
بالبشر في العالم، والذي وضع البحرين ضمن الدول التي تحتل الفئة الثانية،
وهو تصنيف للدول التي تعمل حكوماتها على الالتزام بالمعايير الدولية
في هذا الشأن. وأشار التقرير إلى أنَّ البحرين لا تمتثل امتثالاً
تامـاً للمعايير الدنيا للقضاء على الإتجار بالبشر، إلاَّ أنها
تبذل جهوداً كبيرة للقيام بذلك. وأضاف التقرير بأنَّ الحكومة لم
تظهر دليلاً على تحقيق تقدّم في توفير خدمات الحماية للضحايا،
أو محاكمة المتورطين في قضايا الاتجار بالبشر. كما انتقد التقرير
عدم تقديم البحرين أياً من أرباب العمل للمحاكمة نتيجة إجبار العمالة
الأجنبية للقيام بأعمال السخرة، بما في ذلك العاملون في الخدمة
المنزلية.
ويُعد هذا التصنيف تطوراً في تعاطي البحرين مع قضية الاتجار بالبشر
مقارنة بالتقارير الصادرة في ذات الصدد خلال الأعوام الثلاثة السابقة،
حيث كانت البحرين في الفئة الثانية (تحت المراقبة) في تقرير الخارجية
الأميركية لعامي 2008 و2009 على التوالي، بينما كان تصنيفها في الفئة
الثالثة في عام 2007. ولكن في هذا العام حدث تطور، وتم وضع البحرين
ضمن الدول الملتزمة بتطبيق معايير مكافحة الإتجار بالبشر.
ولاقى التقرير ترحيباً حذراً من قبل الحكومة البحرينية التي رأت
فيه اعترافـاً من الخارجية الأمريكية بالجهود التي بُـذلت، والتطورات
التي حققتها البحرين على صعيد مكافحة الاتجار بالبشر، ولكنه ـ التقرير
ـ في ذات الوقت لم ينصف البحرين. وجاءت أولى ردود الأفعال من وكيل
وزارة الخارجية عبد الله عبد اللطيف في مؤتمر صحفي عقده يوم 14 يونيو
الماضي، حيث أفاد بالتالي: (نحن سعداء أن هناك اعترافات دولية متزايدة
بجهود مملكة البحرين في مكافحة هذه الظاهرة، ومن ذلك إشادة المفوضية
السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة الهجرة الدولية، وكذلك التقرير الأميركي
الذي يصدر بشأن جهود دول العالم في مكافحة الاتجار بالأشخاص). ولكن
وكيل الوزارة مضى منتقداً التقرير الأميركي كونه لم ينصف البحرين
التي أصدرت تقريراً أعدته اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص
في مارس 2010، تضمّن جهود الحكومة البحرينية التي تعتبر متقدمة،
حسب قوله.
وفي إطار تأكيد وفاء البحرين بالتزاماتها الوطنية والدولية، قال
عبد الله عبد اللطيف: (سوف تواصل البحرين بذل جهودها وصولا إلى التطبيق
الكامل لكل المعايير الدولية لمواجهة ظاهرة الإتجار بالأشخاص أينما
وجدت، كما ستواصل تعاونها المحلي والإقليمي والدولي مع الجهات المعنية
بهذا الشأن)؛ مشيراً إلى وجود خطط مستقبلية لمكافحة هذه الظاهرة من
بينها خطط إعلامية وتثقيفية تستهدف زيادة الوعي لدى المواطنين بظاهرة
الإتجار بالبشر.
التطورات التشريعية لمناهضة الاتجار بالبشر
ورغم انتقادات تقرير الخارجية الأمريكية للبحرين، هناك مؤشرات عديدة
تدعم التزام البحرين بالمعايير الدولية، منها افتتاح المنظمة الدولية
للهجرة مكتباً وفرعاً لها بالبحرين في يناير 8002, وشرعت المنظمة
في عملها بمشروع يهدف إلى بناء القدرات ونشر الوعي حول الاتجار بالبشر
هناك، كما يهدف المشروع إلى التعاون مع حكومة البحرين ومؤسسات المجتمع
المدني في دعم قدراتها فيما يتعلق بحماية العمالة، وجمع البيانات،
وتطبيق القانون.
وكانت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر قد أصدرت تقريرها
الأول، وتمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية. وتناول التقرير التطورات
التشريعية في مملكة البحرين منذ صدور قانون العقوبات البحريني في
عام 1976، حيث عالجت نصوصه منذ تلك الفترة صوراً من حالات الاتجار
بالبشر. وأشار التقرير البحريني الرسمي إلى 9 مواد تجرم الاتجار
بالبشر في صور متعددة. كما أشار إلى صدور مراسيم تعزيز مكافحة
الاتجار بالبشر، منها مرسوم رقم 16 لسنة 1998 بشأن نقل وزراعة
الأعضاء البشرية بوصفها صوراً من صور الإتجار في بعض حالتها؛ ومرسوم
رقم 23 لسنة 1976 بإصدار قانون العمل الذي ينظم تشغيل الأحداث
والنساء.
وهناك العديد من التطورات التشريعية الأخرى التي أشار إليها التقرير
مثل قانون النقابات العمالية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (33) لسنة
2002؛ والقانون رقم (19) لسنة 2006 المتعلق بتنظيم سوق العمل. وفي
أغسطس 2009 صدر قانون أُجاز للعامل الأجنبي الإنتقال الى عمل لدى جهة
أخرى دون الحاجة الى موافقة صاحب العمل، وألزم القانون هيئة سوق العمل
بإتخاذ الإجراءات التي تمكن العامل من الإنتقال؛ وعلاوة على ذلك: قرر
القانون عقوبات على مخالفة أحكامه التي ترمي الى مكافحة صور الإتجار
بالبشر، ومن أبرزها العمل القسري.
وفي تطور آخر، أحالت الحكومة إلى السلطة التشريعية مشروع قانون
عمل جديد حوى أحكاماً تنظم عمل خدم المنازل ومن في حكمهم. فعلى سبيل
المثال نظَّم مشروع القانون هذا شكل عقد العمل، وعدد ساعات وأيام العمل،
كما تضمن عقوبات على رب العمل فى حالة مخالفته أحكام عقد العمل.
التدابير العملية لمكافحة الاتجار بالبشر
استعرض تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التدابير والقرارات
المتخذة من قبل الأجهزة الحكومية ومنها إنشاء وحدة متخصصة لمكافحة
جرائم الاتجار بالبشر في وزارة الداخلية، حيث تم تشكيل هذه الشعبة
بتوصية من اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر. وتناول التقرير
بإيجاز الأنشطة الرئيسة لبناء القدرات، وزيادة الوعي بموضوع الاتجار
بالبشر، وتعاون البحرين مع المنظمات وأجهزة الأمم المتحدة في هذا
السياق.
من المؤشرات المهمة لمكافحة الاتجار بالبشر في البحرين ما يتعلق
بالجهود المبذولة في ملف العمالة الوافدة وخاصة العمالة غير النظامية
والتعامل معها بإنسانية ووفقاً للمعايير الدولية. فقد أصدر وزير
العمل قراراً بتشكيل لجنة وطنية عليا لمعالجة ظاهرة العمالة غير
النظامية، واستحدثت هيئة تنظيم سوق العمل نظاماً إلكترونياً لحماية
أجور العمال، بهدف ضمان حصول العمال على أجورهم بالكامل، وفي الوقت
المحدد، وتزويد الهيئة بقاعدة البيانات والمعلومات اللازمة عن عمليات
دفع أجور العاملين في القطاع الخاص، ومدى التزام المؤسسات بدفع الأجور
في الوقت وبالقدر المتفق عليهما.
ولاحظ مرصد البحرين لحقوق الإنسان العديد من التدابير العملية والقرارات
المتخذة من قبل الأجهزة الحكومية مثل إنشاء وزارة الداخلية وحدة متخصصة
لجرائم الإتجار بالأشخاص؛ وعدم تسفير الإدارة العامة للجنسية والجوازات
والإقامة لأي عامل أجنبي إلاَّ بناء على أحكام أو أوامر قضائية؛ وتلقي
الشكاوى من خلال الخط الساخن؛ وتقديم الدعم النفسى وتدبير أماكن الإيواء
اللازمة للضحايا؛ والتنسيق مع سفارات ومكاتب العمالة الأجنبية في شأن
الضحايا الأجانب لتذليل العقبات التي قد تصادفهم؛ والتوصل إلى ما يساعد
على توفيق أوضاعهم. كما أصدرت هيئة تنظيم سوق العمل لكتيبات إرشادية
تبين حقوق العمالة الوافدة بعدة لغات كالهندية والأوُردو والبنغالية
والإنجليزية. وأنشأت وزارة التنمية الإجتماعية داراً لإيواء ضحايا
الإتجار؛ كما أصدر النائب العام قراراً تمّ بموجبه حصر التحقيق فى
جرائم الإتجار بالأشخاص في نيابة العاصمة فقط، وذلك من أجل تركيز التعاون
بين رجال الضبط القضائي وأعضاء النيابة العامة، كما تم الفصل في العديد
من قضايا الاتجار بالأشخاص بواسطة المحاكم البحرينية التي أصدرت أحكاماً
بالسجن لمدد متفاوتة في حق بعض المتهمين.
مثلاً تمت محاكمة إمرأة أسيوية فى شهر ديسمبر 2008 عن تهمة اتجار
بالأشخاص لاستغلالها شابات أسيويات فى الدعارة وإحتجاز جوازات سفرهن،
والتكسب من ما تجنيه المجنى عليهن من العمل فى الدعارة، وصدر حكم قضائي
ضد المرأة بالسجن ثلاث سنوات ونصف وغرامة 5000 دينار بحريني، وتمّ
إيواء الضحايا في دار الأمان. كما تم القبض على شخصين (بحريني واَسيوي)
في شهر يناير 2010 بتهمة الإتجار بالأشخاص، ويتم حالياً التحقيق معهم
تمهيداً لعرضهم على المحكمة لمحاكمتهم تحت قانون مكافحة الإتجار بالأشخاص،
وأيضاً تم إيواء الضحية دار الأمان. وفي شهر فبراير 2010 تم إلقاء
القبض على شخص (بحريني) بتهمة الإتجار بالأشخاص، ويتم حالياً التحقيق
معه، بعد أن تم إيواء الضحايا في دار الأمان.
التوصيات
جاءت توصيات تقرير الخارجية الأمريكية موضوعية وعملية حيث شملت:
ـ ضرورة الاستمرار في تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2008
لأنَّ ذلك سيزيد فعالية التحقيق والملاحقة القضائية لجرائم الاتجار،
ولا سيما الضحايا الذين أجبروا على العمل، ومعاقبة المخالفين.
ـ التحقيق بفعالية فى جميع جرائم الاتجار المتسمة بالمصداقية والمتحصل
عليها من خلال الخط الساخن.
ـ الإستفادة من وزارة الداخلية في تحديد هوية الضحايا كقاعدة لإرساء
وتطبيق الإجراءات الرسمية للتعرف على ضحايا الاتجار بالبشر من بين
الفئات الضعيفة، مثل النساء الممتهنات للبغاء، وخدم المنازل الذين
فروا من أصحاب العمل المسيئين.
ـ إحالة الضحايا إلى خدمات الحماية، وتوسيع الملاجئ التي تديرها
الحكومة، وضمان عدم تقييد حركة الضحايا مع ضمان أنَّ الموظفين العاملين
بالملاجئ مؤهلين ويتكلمون لغات العمال الأجانب.
ـ ضمان عدم معاقبة ضحايا الاتجار بالبشر عن الأفعال غير القانونية
التي ترتكب كنتيجة مباشرة للاتجار بهم، مثل الهجرة غير الشرعية أو
الدعارة.
ـ ضرورة ضم ممثل عن وزارة العمل إلى اللجنة الوزارية المشتركة لمكافحة
الاتجار بالبشر.
ـ النظر في تعيين مقرّر وطني، أو منسق ذي سلطة حقيقية لمكافحة الاتجار
بالأشخاص.
ـ ضمان تمتع العاملين في المنازل ـ وعلى نحو كافٍ ـ بنفس الحماية
التى يتمتع بها العمال الأجانب بموجب القانون.
ـ تقديم الدعم الضروري من أجل صدور اتفاقية منظمة العمل الدولية
الملزمة لحماية حقوق عاملات المنازل.
الخطوات المستقبلية
من حسن الحظ أنَّ تقرير الخارجية الأمريكية جاء في وقتٍ تتمتع فيه
البحرين بمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان والتي يتوقع منها لعب دور مؤثر
وحيوي يُـضاف للجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر. ولا يمكن أنْ
يتم ذلك إلاَّ من خلال خطة واقعية وعملية تتواءم مع المعايير الدولية.
وهذا ما أشار إليه رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سلمان كمال
الدين بأنَّ مملكة البحرين جادة في مسعاها بخصوص مكافحة الاتجار
بالبشر، إذ أنها تحاول أنْ تطلق أحكام القوانين ولديها خطة للمكافحة،
إلا أنها ـ حتى الآن ـ لا ترتقي إلى المعايير الدولية.
إذا استمرت الجهود الرامية لمكافحة هذه الظاهرة السيئة، متزامنة
مع نهج التطبيق الصارم للقوانين التي تجرم الاتجار بالبشر، فإننا سنشهد
تقدم البحرين في تقرير الخارجية الأمريكية إلى الفئة الأولى خلال العام
القادم. وهذا يضع عبئاً على الجميع خاصة المؤسسات الحكومية ذات الصلة،
واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والمؤسسة الوطنية لحقوق
الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني.
|