البحرين في تقرير هيومان رايتس ووتش السنوي

أخطاء منهجية واستنتاجات خاطئة

أطلقت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرها لعام 2009 من مدينة دبي في يوم الأحد 24 يناير 2010، وعقد مؤتمر صحافي، تحدث فيه مسؤول في المنظمة عن أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة. وفيما يتعلّق بالبحرين، أشار التقرير إلى تراجع في وضعية حقوق الإنسان في عدد من المجالات منها: إخضاع حريات التعبير والتجمع وتكوين الجميعات للقيود التعسفية؛ استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على التمييز؛ تعريض نشطاء المعارضة المحتجزين للتعذيب والمعاملة السيئة؛ استخدام قانون الصحافة رقم 47 لسنة 2002 في تقييد تغطية القضايا المثيرة للجدل؛ حجب أكثر من 1000 موقع على الإنترنت لمنتديات سياسية ومدونات وصحف ومنظمات حقوقية مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان؛ مضايقة طالبة بجامعة البحرين نتيجة لتوزيعها منشوراً ينتقد سياسة الجامعة؛ تهديد وزارة الداخلية لناشطين ومعارضين لمشاركتهم في اجتماع بواشنطن في نوفمبر 2008 دون إخطار حسبما يقضي القانون؛ عدم إضفاء الصفة القانونية على مركز البحرين لحقوق الإنسان وجمعيات أخرى؛ انتهاك إجراءات التقاضي السليمة بنشر 11 اعترافاً متـلفـزاً يبدو أنها انتـزعت بالإكراه؛ تضمين قانون مكافحة الارهاب الذي صادقت عليه الحكومة عام 2006 لتعريفات فضفاضة، ومحاكمة معارضين بموجب هذا القانون في فبراير من العام الماضي، تم الإفراج عنهم بعفو ملكي لاحقاً.

هذه القضايا قد حدثت، وبعضها تمَّ معالجته، ولكن يهمنا هنا في تقييم التقرير أن نشير الى بعض الأخطاء المنهجيّة التي وقع التقرير فيها:

الأول ـ أن التقرير لم يوضع في إطار سياسي حقوقي اجتماعي عام، ولو بشكل مختصر، بحيث يعرف القارئ ما إذا كان التقييم العام للوضع الحقوقي في البحرين قد أصاب الحقيقة، الأمر الذي جعل السياق إمَّـا مفـقوداً أو غير مترابط في كثير من الحالات. فبدون ذلك التحليل يصبح التقرير وكأنه يقف على فراغ عريض ولا يرتكز على أسس قوية، عدا كونه يقدّم نتفاً من الوقائع بدون إطار جامع.

الثاني ـ اعتمد التقرير على عدد من الحالات الفردية التي لا تمثّل منهجاً، وفي أكثر الحالات لا علاقة للحكومة بها. مثلاً: مسألة اعتماد قانون جديد للصحافة ليس من مسؤولية الحكومة وحدها بقدر ما هو مسؤولية الجهة التشريعية؛ وكذلك ما حدث للطالبة التي كادت أن تفصل من الجامعة بسبب توزيعها منشوراً، خلاف أنظمة الجامعة، وبسبب الضغط الاعلامي المحلي والحقوقي تراجعت إدارة الجامعة. ومثال آخر، ما يتعلّق بمحاكمة الصحافيين، وهي حالات ثلاث أو أربع قام خلالها أفراد بتقديم دعاوى بصفتهم الشخصية ضد صحافيين وبتهمة القذف. ومع هذا، لم تصدر أيّة أحكام بالسجن. ويلاحظ هنا أن التقرير يكرّر حالات من أعوام سابقة، مثل موضوع المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب والذي تم عام 2006، وهو قانون صادق عليه البرلمان، وإن كان غير مرضٍ للناشطين الحقوقيين لتناقضه مع المعايير الدولية. ومثله موضوع عدم تسجيل مركز البحرين لحقوق الانسان كجهة حقوقية وهو الذي حلّ رسمياً عام 2004، وكذلك جمعية شباب البحرين، والتي هي وجهٌ آخر للمركز. فهذا الموضوع قديم أيضاً.

الثالث ـ يعتبر تقرير هيومان رايتس ووتش غير محايد بشكل كبير هذه السنة؛ فهو لم يعترف بأية تطور ـ حسب تصريح نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط، جو ستورك في دبي يوم 9/1/2010، الذي يقول فيه: (أمضت القيادات البحرينية في الأعوام العشرة الأخيرة تأكيدها الالتزام بالإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، لكن باستثناء العمال الوافدين، فإن سجل حقوق الإنسان تدهور في العام 2009). إن التقرير لم يتقص أية موضوع بصورة كافية ليعطي هذا الحكم. لا في حقوق المرأة، ولا في حرية التعبير، ولا غيرها مثل تشكيل الجمعيات. فالسيد جو ستورك يطالب الحكومة بأن تسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم والانضمام الى المنظمات بحرية. والتقرير من جانبه يشير الى عدم اضفاء القانونية على نشاطات مركز البحرين وعدم تسجيل نسخته الأخرى جميعة شباب البحرين. لكن التقرير مثلاً لم يشر الى عدد الجمعيات التي سمح لها بالنشاط خلال العام الماضي وهي بالعشرات. ومساحة حرية التعبير مثلاً في الصحافة المحلية وحتى في الاعلام الرسمي لم يجر استقصاؤها من حيث سخونة القضايا المطروحة، والنقد الموجه للمسؤولين والوزراء والحكومة بشكل عام وبصورة مباشرة وصارخة أحياناً. التقرير أيضاً لم يشر الى المئات من التظاهرات والاعتصامات والمسيرات التي قامت في العام الماضي، ولا الى مئات الندوات وورش العمل، ولا الى عشرات الملتقيات والندوات التي تقيمها المنظمات الدولية في البحرين سنوياً. ومن جانب آخر لم يشر التقرير الى الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها البحرين، ولا الى قياس مدى تجاوب الحكومة مع التوصيات الدولية التي قبلتها في إطار المراجعة الشاملة، ولا الى علاقة الحكومة بمنظمات حقوق الانسان المحلية، ولا كشف التقرير عن أوضاع السجون ومدى تطورها والزيارات التي قامت بها الجمعية البحرينية لحقوق الانسان، كما لم يشر التقرير الى تلك التقارير الصادرة من تلك الجمعيات.

هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه في قضايا حقوق الإنسان، ولا يمكن الحكم عليها بمثل هذا التساهل الذي ظهر في التقرير، ولا يمكن أيضاً الإقتناع بالنتائج التي توصل اليها.

الرابع ـ من الواضح أن التقرير تنقصه المعلومات عن الوضع الحقوقي، سواء كانت المعلومات خاطئة أم صحيحة. فهو قليل المضمون، ويعتمد كما هو واضح على مصدر معلومات وحيد هو (مركز البحرين لحقوق الإنسان) الذي تكرر اسمه لثلاث مرات. في حين لم يرد ذكر إسم أية جمعيات حقوقية أخرى أو حتى عمالية أو نقابية أو نسائية أو صحافية أو غيرها. في أحسن الحالات تمت الإشارة إلى (جمعيات حقوقية) دون تسميتها. كما أضفت هيومان رايتس وصف (مستقل) على مركز البحرين في إشارة فهم منها أنها تعتقد بأنَّ بقية منظمات حقوق الإنسان في البحرين لا تتمتع بالاستقلالية المطلوبة.

الخامس ـ وفي حين أن التقرير أشار الى انتهاكات صحيحة في مجال حقوق الإنسان، تمت إدانتها محلياً ودولياً في حينه، مثل: بث اعترافات معتقلين قبل محاكمتهم على شاشات التلفزيون. ومثله حجب العديد من المواقع الإليكترونية. وفي الوقت الذي نعتقد فيه بعدم شفافية الحكومة فيما يتعلق بمزاعم التعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين، وقد طالبنا بتشكيل لجان مستقلة تحقق في الأمر.. فإن هذا كلّه لا يرسم صورة سوداوية كتلك التي رسمها تقرير هيومان رايتس ووتش. وحتى بعض هذه المعلومات قابلة للجدل، فمثلاً يقول التقرير أن هناك 1000 موقع اليكتروني أغلق، وربما يكون العدد أكبر أو أقل. لكن المهم هو أيّ من هذه المواقع له علاقة بحرية التعبير. إن معظم المواقع كانت إباحية، والبعض الآخر يتجاوز الحدود في مسائل تحريضية على الطائفية والعنف، كما تقول الحكومة. هذا الإغلاق قد لا تكون مبرراته كافية، فالصحافة الإليكترونية والمنتديات يفترض منحها مساحة أوسع من الحرية، ولا يجب أن يكون الإغلاق بقرار إداري وإنما بحكم قضائي. أيضاً يجب وضع الأمور في حجمها الطبيعي، فيما يتعلق باعتراض وزير الداخلية عام 2008 على مشاركة نشطاء سياسيين في اجتماعات في واشنطن دون إخطار مسبق، كما يقضي القانون، وتحذيره بأنه قد تجري محاكمتهم. ورغم أن الموضوع قديم، إلا أنه من الناحية العملية، وعلى أرض الواقع، فإن السياسيين والحقوقيين والمعارضين يتجاوزون القانون ولا يلتفتون إليه. ما يعني أن هذا القانون قد تجاوزه الزمن، وأنه يحتاج الى إعادة نظر، خاصة وأنه يتعارض مع المعايير الحقوقية.

وعموماً، هناك مسائل عديدة تؤخذ على التقرير، من بينها أنه لم يتعرض للعقبات التي تواجهها المسيرة الاصلاحية واصلاح المؤسسات ومن ثـمَّ التقدم بتوصيات لمساعدة البحرين في المضي في النهج الاصلاحي. ويتضح هذا في مسألة العمالة الوافدة وعدم إلمام معدّي التقرير بالتطورات القانونية التي حدثت، والعقبات على أرض الواقع التي تواجه تنفيذ السياسات الجديدة خاصة المتعلقة بمسألة الكفيل. كما يعيب التقرير عدم تطرقه للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لأنَّ البحرين بالتحديد سجلت حضوراً وتطوراً كبيراً في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بتوفير العمل للخريجين، وتوفير سكن مناسب للأسر أو تقديم بدل سكن، وتطوير مناهج التعليم، إضافة إلى مجالات أخرى تتعلق بتخفيف أعباء المعيشة على المواطن.

من ناحية أخرى، لم يلتـزم تقرير هيومان رايتس بالموضوعية والأمانة المهنية عندما يكون الفاعل أو المنتهك لحقوق الإنسان جهة غير حكومية. مثلاً ذكر التقرير “وفي مارس وأبريل أسفرت المصادمات عن مقتل عامل باكستاني (أصابت سيارته زجاجة مولوتوف) وعضو باكستاني من قوات الأمن”. ولكن التقرير لم يذكر تلك الجهة التي تسببت في مقتلهما، ولا الى علاقة بعض الاعتقالات بمقتلهما وبالعنف الذي يتم التحريض عليه من قبل أشخاص يزعمون أنهم ناشطون حقوقيون.

شيء آخر تعاملت معه الهيومان رايتس بطريقة غير صحيحة حين أشارت إلى مقترح من وزير العمل (بمراجعة نظام الكفيل البحريني). وفي الحقيقة فإنَّ نظام الكفالة قد تـمَّ إلغاؤه. وفي ذات الإتجاه أشار التقرير إلى “وفاة عاملات منازل” في عام 2009 دون تحديد العدد والتاريخ وكيفية تعامل السلطات مع المسألة. وفيما يبدو أنه غياب تام للمعلومات ما ذكرته المنظمة في التقرير بخصوص إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث قللت من أهميتها وهي بعد لمّا تعمل، فقالت: “أنشأت [البحرين] هيئة وطنية لحقوق الإنسان، وهي جهة حكومية مُـكلفة بمراجعة وتطوير التشريعات بحيث تصبح متفقة مع المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان”. وفي الحقيقة، فإنَّ صلاحيات المؤسسة الوطنية لا تنحصر فيما ذكره التقرير، بل تشمل وضع استراتيجية متكاملة لتعزيز وحماية حقوق الانسان، وتم تحميلها مسئولية التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، ووضع السياسات للقضايا الحقوقية، والتعامل مع المنظمات الإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية، وإعداد التقارير، وتقديم توصيات إلى الحكومة بشأن مسائل وقضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك اعتماد أو تعديل التشريعات الوطنية والإبلاغ عن حالات انتهاك حقوق الإنسان، والتعاون مع الشركاء داخل الوطن وكذلك الشركاء الإقليميين والدوليين وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، من خلال المساهمات في كتابة التقارير الوطنية المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان واللجان المعنية.

إن مرصد البحرين لحقوق الإنسان يرحب بالتقارير التي تصدر عن البحرين وترصد الإنتهاكات فيها، ويتمنى أن يكون هناك تعاوناً بين المنظمات الدولية والمنظمات المحلية كما مع الحكومة البحرينية ومساعدتها في تطوير الوضع الحقوقي لديها. ان مثل هذه الجهود جديرة بالتقدير. وكما أن هنالك إيجابيات في التقارير يمكن البناء عليها، فإنها تحوي في كثير من الأحيان، قدراً من الأخطاء والسلبيات التي ينبغي على هيومان رايتس ووتش وغيرها الإلتفات إليها ومحاولة معالجتها في المستقبل.