البحرين في التقرير الاستراتيجي (2009)
أصدر مركز البحرين للدراسات والبحوث تقريره الاستراتيجي الثاني
(2009)، حوى قدراً كبيراً من الصراحة في نقاش المعضلات الداخلية التي
تواجهها البحرين في المستويات المحلية والخارجية. وقد قدم المركز في
تقريره ملاحظاته على الوضع العام فكانت على النحو التالي:
■ حول العمالة الأجنبية وإلغاء قانون الكفيل، قال التقرير أن القانون
يمثل امتهاناً لحقوق الانسان، وان الغاءه يعد عملاً تقدمياً وانسانياً
يتجاوب مع مقتضيات حقوق الإنسان، ولكن الإلغاء ولّد مشاكل مثل زيادة
العمالة السائبة، ما يحتمل معه زيادة معدل الجريمة، كما أن الإلغاء
فاقم مشكلة البطالة بين البحرينيين.
■ حرية الصحافة استعرضها التقرير وحدد محاورها المهمة، وفي مقدمتها
الدعوة لإصدار قانون جديد يتيح حريات أكبر ويمنع حبس الصحافيين، ورأى
ان إصدار القانون سيحل الجزء الأكبر من المشكلة.
■ في القضية الحقوقية أشار التقرير الى ما أثير في العامين الماضيين
من قضايا تتعلق بالمرأة والطفل والاتجار بالبشر والتعذيب وغيرها، وأوضح
أن هناك تقارير تفيد بتراجع الوضع الحقوقي. وتعرض التقرير الى مسألة
وفاء البحرين بالتزاماتها أمام مجلس حقوق الإنسان. وفي موضوع التعذيب،
استعرض خلفية أوضاع ما قبل عهد الإصلاح وما جرى فيها من مصادمات وانتهاكات
لحقوق الإنسان، وقال أن الجمعيات السياسية هي التي تدعو الى معاقبة
من قام بالتعذيب في تلك الفترة. واستعرض التقرير حقيقة بروز مؤسسات
حقوقية قام بعضها بزيارات للسجون، وطالب بعضها الآخر بتطبيق نظام العدالة
الانتقالية. وأشار الى الاعتقالات بسبب المصادمات أثناء المظاهرات.
وخلص الى أن هناك خلطاً بين القضايا الحقوقية والقضايا السياسية، ورأى
أنها تمثل ظاهرة عامة لدى الكثير من المنظمات الحقوقية في الدول النامية
لظروف النشأة وحداثة الممارسة، بل وحداثة نشأة الدولة ذاتها.
■ ولاحظ التقرير أن البحرين تعيش حالة من الديناميكية والحراك الإيجابي،
وأشار الى المساحة الواسعة لحرية التجمع والاعتصام والتظاهر حتى صارت
سمة من سمات الحياة السياسية في المجتمع. ومن خلال قراءة الفعاليات
الثقافية والسياسية والاقتصادية من ندوات ومحاضرات واعتصامات ومظاهرات
واضرابات وندوات وورش عمل وتدريب وغيرها، رأى التقرير انها تعبر عن
وجود حالة دينامية نشطة، رغم ما يشوبها من سلبيات.
■ ويشير التقرير الى أن الجمعيات السياسية رغم وقوعها أحياناً في
السلوك الطائفي، إلا أن أنشطتها خلال العامين الماضيين أظهرت تحسناً
ونضجاً. ولاحظ التقرير حالة من الاصطفاف الطائفي بين الجمعيات السياسية
في مجلس النواب مع أو ضد الوزراء ممن ينتمون الى الطائفة الأخرى.
■ وغطّت مشكلة الطائفية مساحة من التقرير، شملت أبواباً غير مشمولة،
مثل دور مجلس النواب. التقرير يقول بأن الطائفية في البحرين في حالة
تصاعد، وأن لها جذوراً خارجية، وأن حالة الفرز اتسعت بين المكونين
الإجتماعيين الأساسيين: الشيعي والسني. ولاحظ التقرير ان عدداً غير
قليل من القضايا يجري تسييسها وتقديم تحليلات طائفية بشأنها: مثل موضوعات
الإسكان والتجنيس والتوظيف وغيرها.
■ أيضاً، لاحظ التقرير أن الإعتصامات المتعددة التي استهدفت تحقيق
بعض المطالب الحياتية اتسمت بالفرز الطائفي، وأن المجالس الخاصة شملها
الفرز، بين مجالس شيعية وسنيّة، كما أشار الى نزاع طائفي محدود حدث
في المحرّق بسبب مناسبة دينية شيعية. وقال التقرير بان البعد الطائفي
طال عملية التوظيف في بعض الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية وحتى الخاصة،
وإن كان الأمر يجري بصورة غير رسمية وغير منهجية، وما جرى كان ضمن
اجتهادات شخصية. وأكد التقرير بأن هذا الفرز غير الرسمي المسيطر على
الوضع الاجتماعي والسياسي أدى الى اضعاف حركة المجتمع ومنها الحراك
السياسي نفسه.
■ كذلك لاحظ التقرير أن بعض مؤسسات المجتمع المدني طالها الفرز
الطائفي، وقد أدى ذلك الى خسارة الكثير من الإمكانات التي يتمتع بها
بعض القادرين على العمل والعطاء، بسبب سيطرة الفكر الطائفي على العمل
الاجتماعي والسياسي. ووصل الأمر إلى تصنيف الجمعيات السياسية ومؤسسات
المجتمع المدني وفق الانتماء الطائفي، وهو ما قد يؤدي الى أن تخدم
تلك المؤسسات طائفة بعينها، كما حدث فعلاً مع بعض الصناديق الخيرية.
■ أما النشاط البرلماني فلم ينجز ما كان مؤملاً منه، بسبب الشدّ
والجذب بين النواب السنّة والشيعة، وهم في أكثرهم ينتمون الى جمعيات
سياسية دينية، كما يقول التقرير. لم يتقدّم البرلمان كثيراً في التشريعات
المقترحة، ولم يمارس دوره الرقابي كما يفترض به. ولاحظ التقرير أن
طلبات الاستجواب لبعض الوزراء في مجلس النواب وما دار حولها من مناقشات
وما انتهت إليه من نتائج سادتها روح الطائفية وتبادل الاتهامات بين
النواب بأن لهذا النائب أو ذاك مواقف طائفية. وقال ان استمرار هذا
التجاذب، سيؤدي حتماً الى نوع من الإعاقة للعملية التنموية، وسيكون
له تأثير سلبي على المشروع الإصلاحي، وكذلك إبطاء رفع مستوى المعيشة
للجمهور.
بيد أن التقرير رأى خلال العامين الماضيين بعض الإيجابيات: فقد
أصبح المجلس النيابي أكثر واقعية في ممارسة دوره التشريعي، وأصبح النواب
أكثر معرفة بطبيعة العمل البرلماني، وان استجوابات الوزراء قد خفت
حدتها بالقياس الى المرحلة النيابية الأولى التي سعى خلالها بعض النواب
لإثبات دورهم واستقلالهم ومقدرتهم على تحدّي السلطة التنفيذية.
|