البحرين في تقرير مركز القاهرة:

عدم الدقّة في المصادر، وخطأ في النتائج

أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان تقريره السنوي الثاني حول حقوق الانسان في العالم العربي، وكان عنوانه: (واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب). وقد كان تحليل المركز ومعلوماته تتجه الى الرأي القائل بأن المنطقة العربية تشهد المزيد من التدهور في حقوق الانسان بالقياس مع عام 2008.. وهذا الإنطباع يبدو شاملاً لدى معظم المنظمات الحقوقية الدولية، التي رأت خلال السنوات الأخيرة الماضية تدهوراً ملحوظاً في حقوق الإنسان على مستوى العالم كلّه.

والأسباب في مجملها تعود الى تنكّب الدول الغربية ـ خاصة الولايات المتحدة ـ عن المبادئ الحقوقية والديمقراطية في بلدان العالم الثالث. ولمّا كانت الدول الغربية قد تخلّت ـ بقدر ملحوظ ـ عن التزامها بمعايير حقوق الإنسان الدولية، خاصة فيما يتعلق بالحروب والأسرى ومكافحة الإرهاب، ودعم الأنظمة الديكتاتورية، صارت الأنظمة هذه تشعر وكأنها طليقة اليد في ممارسة انتهاكاتها.

تقرير مركز القاهرة حول البحرين لعام 2009 كان سلبيّاً في معظمه، وجانب الحقيقة في كثير من المواقع، وكان صارخاً في المفردات التي استخدمت وفي العنوان: (البحرين: تمييز منهجي ضد الشيعة لتكريس حكم الأقليّة السنيّة). لقد اعتمد التقرير المتعلق بالبحرين على رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، في المراجعة والتدقيق والتنقيح وإضافة المعلومة، كما يقول التقرير (ص 6). وتكاد تكون المعلومات الأساسية وخلفياتها وتحليلاتها ذات مصدر واحد، وهو مركز البحرين لحقوق الإنسان. فمن بين 40 مرجعاً للتقرير، هناك 29 منها يعود للمركز، وإثنين لجمعية شباب البحرين لحقوق الانسان، وهي وجه آخر للمركز، وهناك تسعة مصادر أخرى، اما اعتمدت في موضوعات كان المركز ممول المعلومة فيها، أو انها مصادر محايدة. لم تظهر سوى إشارتين أو ثلاث للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وجاءت في إطار بيانات مشتركة.

لا غرو إذن أن يكون التقرير حاداً، ومنحازاً لوجهة نظر واحدة. في العنوان هناك إشكالية أساس: فهو يتحدث عن تمييز (منهجي) ضد الشيعة. وفي الوقت الذي لا يسع فيه المرء نفي وجود تمييز من الأساس، إلا أن القول بأنه (منهجي) مخالف للحقيقة والواقع، وفيه انزلاق نحو لغة طائفية، زادتها سوءً المعلومات غير الدقيقة، كالقول بأن نسبة الموظفين الشيعة صفراً في وزارات الدفاع والداخلية والديوان الملكي. ومثل القول بأن هناك حرمان من الجنسية لشيعة (ولدوا لأب وأم بحرينيين). الصحيح أن هناك مئات العوائل ممن يمكن تسميتهم بفئة البدون، وقد حصل هؤلاء جميعاً على الجنسية البحرينية في بداية عهد الاصلاحات، ولربما بقيت حالات فردية معدودة.

ومن الأخطاء الفاضحة في التقرير الزعم بأن (حرية ممارسة الشيعة لشعائرهم الدينية مكبّلة بأغلال القرارات الحكومية المقيدة لحرية العقيدة) فهذا قول ينافي حقيقة أن حرية التعبير الديني واسعة جداً للشيعة ولغيرهم، ولعل المراقبين اطلعوا على مستوى الحرية الدينية في عاشوراء هذا العام والذي تصادف في 26/12/2009، وقد نقل التلفزيون الحكومي وعلى مدار أيام عديدة برامج تتعلق بإحياء مراسم عاشوراء. أما الدليل الذي أوصل الى النتيجة أعلاه في التقرير فهو ما يتعلق بقضية مسجد الصادق والتي لها بعد سياسي وقصة مختلفة لا علاقة لها بحرية التعبير، بل بالتشجيع على العنف خطابة، وقد استمرت القضية بضعة ايام فقط.

وفي معظم الحالات فإن المعلومات التي استند اليها التقرير تحوي معطيات خاطئة، واستنتاجات تعميمية غير صحيحة، وغالباً ما توضع في سياقات مختلفة عن موضوعها ومثال ذلك ما حدث في عاشوراء العام الماضي من مواجهة بين رجال الأمن وبعض الشباب، وكان سببها خطاب تحريضي على العنف والمواجهات كان يلقيه حسن مشيمع رئيس حركة حق غير المسجلة.

في موضوع حرية التعبير، تطرق التقرير الى موقف وزارة الاعلام من المواقع الالكترونية، وحجب بعضها، وهو أمرٌ انتقدته وسائل اعلامية ومؤسسات حقوقية في حينه. على أن بعض المواقع كانت تحريضية على العنف وليس لها علاقة بالتعبير السياسي السلمي كما هو الحال في موقع (الصرح الوطني). كذلك تطرق التقرير الى التحقيق مع عدد من الصحافيين والذي تناولته الصحافة المحلية باستفاضة في حينه، وانتقدت ممارسات وزارة الاعلام، لانها اعتمدت على قانون صحافة لا يلقى التأييد من قبل المنظمات الحقوقية كجمعية الصحافيين البحرينية ومن البرلمان نفسه والذي يدرس مشروع قانون جديد تأخر في إصداره، يفترض ان يستجيب لمطالب الكتاب والصحافيين ويوسع هامش الحرية.

أيضاً وقع التقرير في مصيدة الخطأ الفاحش حين أطلق أوصافاً على عدد غير قليل من المعتقلين تفيد بأنهم (مدافعون عن حقوق الإنسان). وهو الوصف الذي اعتاد مركز البحرين لحقوق الانسان على إطلاقة على كل معتقل على خلفية اشعال الحرائق واتلاف الممتلكات العامة والقاء القنابل الحارقة (المولوتوف) على رجال الأمن.

وتتكرر المشكلة مرة أخرى فيما يتعلق بقمع التجمعات السلمية، فالمعلوم أن مئات المظاهرات والاعتصامات تقوم كل عام في البحرين وهي في معظمها مجازة من السلطات. ولكن الجهات المتشددة ترفض أن تطلب إجازة للقيام بالأنشطة، كما أنها ترفض أيضاً عدم إثارة الشغب وعدم القيام بأعمال حرائق وعنف واتلاف الممتلكات العامة. ولهذا تحدث الاشتباكات ويجري تفريق التظاهرات. في غير هذه الحالة يستطيع المرء ان يأتي بعشرات الأمثلة المضادة التي تفيد بوجود مساحة واسعة من حرية التعبير السلمي بما فيه التجمعات والاعتصامات والتظاهرات. وقد حاولت جهات سياسية عديدة بمن فيها جمعية الوفاق ورئيسها إقناع المتشددين بأن يأخذوا إجازة، وأن يلتزموا بسلميتها، ووعدهم بأنهم إن فعلوا ذلك ولم يعطوا الإجازة فإنه سيصطف معهم. ولكن هناك رأي لمركز البحرين وجمعيات متشددة اخرى يقول بأنه يحق للمواطن ان يتظاهر أنّى ومتى شاء، ولا يحتاج الى إجازة، وفي هذا رفض واضح للقانون المنظم للتجمعات.

عموماً، فإن التقرير وإن رصد العديد من الإنتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين، فهي تقع ولا يمكن تبريرها بأيّ حال، لكن يؤخذ على التقرير عدم تدقيقه في المعلومات وفي تحليلها وعدم وضعها ضمن سياقها الحقيقي، وبالتالي فالنتائج التي وصل اليها بالغة السلبية، خاصة وان التقرير لم يعط تقييماً للجوانب التي تقدمت فيها البحرين أو التي تأخرت فيها.