البحرين في تقرير الخارجية الأميركية

صدر في فبراير الماضي التقرير السنوي للخارجية الأميركية والمتعلق بحقوق الإنسان والذي يشمل جميع دول العالم. فيما يخص البحرين، فإن التقرير كان مطولاً ومتوازناً في عرضه للقضايا والتحولات، والإنجازات والإخفاقات.

عن موضوع احترام كرامة الإنسان، قال التقرير بأنه ليس هناك ما يفيد قيام الأجهزة الرسمية بالقتل بدوافع سياسية، وأشار الى وفاة جاسم علي في 2007م، وقال بأن التقرير الطبي المستقل أثبت أن سبب وفاته لا علاقة له بالأجهزة الحكومية. وتابع التقرير بأن الحكومة اصدرت في يناير 2008 قانوناً شاملاً يجرم الإتجار بالبشر يتضمن عقوبات بالسجن والغرامة لمن يرتكب الجريمة. وفي 23 ديسمبر، أصدر القضاء أول حكم في قضية تتعلق بالإتجار بالبشر.

وفيما يتعلق بالتعذيب، أشار التقرير ا لى مزاعم تعذيب لم يؤكدها، مشيراً الى الفريق الطبي المشكل للتحقيق في تلك المزاعم، والذي لم يثبت وقوعها أو عدمه. بالنسبة لأوضاع السجون، ذكر التقرير أنها استوفت متطلبات المعايير الدولية بصورة عامة، وأشار الى أن الحكومة لم تسمح بالتفتيش من أطراف مستقلة. ايضاً تحدث التقرير عن ما أسماه مزاعم أو أقوال من السجناء بأنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي من قبل حراس السجون، وهو ما نفته الحكومة. وأشار الى زيارة قام بها المجلس الأعلى للمرأة للسجون النسائية، ولكن المجلس لم يصدر تقريراً علنياً عن نتائج زيارته. التقرير أشار الى عدة زيارات قام بها الصليب الأحمر الدولي للبحرين، ولكنه لم يطلب زيارة السجون منذ عام 2000م، حينما أطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

أشار التقرير أيضاً الى أن غياب الشفافية في جهاز الشرطة والأمن صعّب تقديم تقييم عن مخالفاته، لكنه أوضح بأن وزير الداخلية اعلن في 22/11/2008 عن تأديب شمل الغرامة والسجن بحق 23 شرطياً بسبب انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. من جهته اصدر الملك عفواً في يوليو 2008 عن 225 سجيناً بينهم عدد من المحكومين بممارسة أعمال شغب، وقد طلب منهم التوقيع على تعهد بعدم تكرار ذلك، لكن 70 منهم رفضوا التوقيع ومع ذلك أُطلق سراحهم في 2/8/2008.

فيما يتعلق بالمحاكمات، فإنه قد حكم على عدد من المتهمين بالإرهاب بالسجن، غير أن الحكومة استأنفت الحكم مطالبة بتشديد العقوبة، ولكنها في أكثر من مرة خسرت الإستئناف. وبالرغم من وجود مزاعم تتعلق بفساد في الجهاز القضائي، إلا أن التقرير أشار الى أنه لا توجد أدلّة تدعم تلك المزاعم.

وفيما يتعلق بالسجناء السياسيين، فإن التقرير أكد على أن لا وجود لسجناء أو موقوفين سياسيين.

عن حرية التعبير، قال التقرير بأن هناك مساحة واسعة للتعبير عبر الإنترنت، وفي الصحافة وأيضاً في التلفزيون الرسمي، وأضاف بأن الحكومة تمارس الرقابة والحجب بحق بعض المواد المنشورة خاصة تلك التي تتعلق بالمسائل الطائفية، او التي تمس الأمن الوطني أو التي تمس العائلة المالكة في البحرين والسعودية. وتابع التقرير بأن الصحافيين يمارسون على أنفسهم رقابة ذاتية، وأفاد بوجود تقارير عن اتصالات لمسؤولين بصحافيين تطلب منهم عدم الحديث عن مواضيع معيّنة.

تطرق التقرير الأميركي الى مسألة حرية التجمع والتظاهر، فأشار الى توافرها وأن التظاهرات في القرى تقوم بشكل مستمر وأسبوعي طيلة السنة الماضية، وقال بأن مجموعات من الشباب يقومون برشق رجال الأمن بقنابل المولوتوف والحجارة وأنهم يشعلون النيران في صناديق القمامة وإطارات السيارات في نهاية التظاهرات المرخصة وغير المرخصة. وبين التقرير ان عدداً من الجمعيات السياسية تتهم الحكومة باستخدام الغاز المسيل للدموع والقوة المفرطة ضد المتظاهرين، في حين ان الحكومة تقول بأنها لا تتدخل إلا لكبح جماح الشغب.

في موضوع التمييز الحكومي والمجتمعي، قال التقرير أنه لازال يمثل مشكلة، مع إشارة الى سعي الحكومة المتزايد في توظيف الشيعة في مواقع مختلفة من وزارة الداخلية، في حين أن مؤسسات القطاع الخاص لاتزال توظف الشيعة بأجور متدنيّة.

بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان، أشار التقرير الى ميولها السياسية، وأوضح أن الحكومة سمحت للمنظمات البحرينية بأن تتفاعل مع نظيراتها الدولية، وأنه خلال العام الماضي سمحت الحكومة لأعضاء العفو الدولية بممارسة أنشطتهم من دون تدخل رغم عدم تسجيل نشاطهم رسمياً.

*  *  *

واضح أن التقرير السنوي الأميركي هذا حوى العديد من الإشارات الإيجابية والسلبية، وهو يوجّه رسالة الى المعنيين بموضوع حقوق الإنسان في البحرين بنحو خاص، تستدعي تقييمه بموضوعية وشفافية، كيما تتم الإستفادة الحقيقية من استعراضه الشامل لكل ما جرى في العام الماضي، ولكي يتم البناء على ما أُنجز، ومعالجة القصور والنواقص سواء في الأداء الحكومي أو لدى المنظمات الحقوقية.

ليس من الصحيح استخدام فقرات من التقرير بصورة انتقائية للإستفادة منها سياسياً، بحيث يحمل كل طرف في جعبته قدراً من الأدوات التي يدافع بها عن نفسه او يستثمرها خدمة لأجندته التي قد تكون بعيدة عن الإهتمام بالموضوع الأساس وهو خدمة وتطوير أوضاع حقوق الإنسان في البحرين.