مؤتمر الدوحة..

المفوضية السامية وتعزيز حقوق الإنسان في المنطقة العربية

عقد في الدوحة، العاصمة القطرية، مؤتمر يبحث “دور المفوضية السامية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان بالمنطقة العربية”، شارك فيه ما يقرب من 250 منظمة عربية ودولية معنية بحقوق الإنسان، وأكثر من 43 شخصية مسؤولة عن ملفات حقوق الإنسان على مستوى العالم، كما شارك فيه 17 وفداً يمثلون وزارت خارجية دول عربية، ولجان حقوق الإنسان أو اللجان القانونية في البرلمانات ومجالس الشورى بالمنطقة العربية، إضافة الى مشاركة مجموعة من المقررين الخاصين وهيئات المعاهدات الدولية.

الإجتماع الحقوقي كبير للغاية، وربما كان غير مسبوق في المنطقة الخليجية. وقد ألقى المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد كلمة، أقرّ في بدايتها بأن (المنطقة العربية لم تشهد في تاريخها القديم والمعاصر هذا المستوى من العنف والقتل والتشريد للأبرياء مثلما تشهده هذه الأيام). وهذه قراءة للأسف صحيحة. فالعنف في حدّته غير مسبوق، كما أن انتشاره على خارطة واسعة من الأرض أمرٌ غير مسبوق أيضاً، وقد تجاوز البلاد العربية الى الإسلامية الى اوروبا وامريكا وغيرها.

أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، كما يراها المفوض السامي، سيئة للغاية، ولهذا نبّه الى ثلاثة أمور في كلمته رأى أنها ضرورية:

أولها، يتعلق بتوفير الأمن للمواطنين في مواجهة الإرهاب، وهو واجب كل دولة، لكن لا يجب استخدام حجة الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب، للتعدي على حقوق الإنسان، وتكميم الأفواه، وخنق الحريات. ويقول: إن المعالجات والحلول الأمنية التي لا تراعي حقوق الإنسان ومبادئ العدالة والإنصاف، لن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى المزيد من التطرف، وتنامي مشاعر الاحباط والعداء تجاه الحكومات، فتكون النتيجة في النهاية: إعادة توليد العنف والعنف المضاد.

المعنى الذي نخلص اليه، هو أن الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب لا يستدعي ـ ولا يجوز أن يستدعي ـ التعدّي على حقوق المواطنين، وتوسعة الإتهامات للناشطين بحيث تشملهم مظلّة الإتهام بممارسة الإرهاب. فمحاربة الإرهاب القاعدي والداعشي ممكن، مع سيادة القانون واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين. إذ بدون الإلتزام بالمعايير الحقوقية في مواجهة الإرهاب، ستوجد مبررات لنمو الإرهاب بدلاً من إخماده.

وفي سياق ذي صلة، دعا المفوض السامي الى مكافحة جذور الإرهاب، وقال بأن التصدي له ـ على المدى البعيد ـ لن يؤدي الى نتيجة، ما لم يتم التطرق لأسبابه الكامنة من تهميش و فقر، وحرمان من المساواة بين الأفراد، ووجود مناهج تعليمية تحض على الكراهية، والتمييز ضد الآخر. وأضاف بأن أي رفاه اقتصادي، وتحقيق لمعدلات نمو جيدة دون أن يكون محورها الأساسي الإنسان، والارتقاء بحقوقه، وتعزيز دوره في عملية اتخاذ القرار السياسي، قد تؤخر فقط من الحراك الشعبي المعارض، ولكنها لا تنهيه، لافتا إلى أن الإنسان يحيا بالطعام والشراب، وأن نفسه تحيا بالتكريم والحماية من الذل والقهر.

ثانيها، يتعلق بتفريغ الحكومات العربية للإتفاقات الدولية الحقوقية، التي وقعت عليها، من قيمتها، من خلال عدم تطبيقها. حيث قال الأمير زيد بن رعد بأن الدول العربية قطعت شوطاً مهماً في التصديق على الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، إلا أنه ومن حيث التطبيق على أرض الواقع، لا يلمس المواطن العربي بشكل عام أثراً كبيرا لهذه الالتزامات القانونية في حياته اليومية، إذ إن القبول بالالتزامات القانونية الدولية، يتطلب السعي لتعديل وتطوير التشريعات الوطنية، بما يمكن الأفراد من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

بمعنى آخر، فإن مصادقة الحكومات العربية على المعاهدات بعد لأيٍ شديد، غير كاف. وقد عمدت بعض الدول، في سبيل التخلّص من الضغوط الدولية، الى الإنضمام والمصادقة عليها، دون ان يكون لديها نيّة في الإلتزام بها أساساً، لا تطبيقاً على الأرض، ولا تحويلها الى جزء من القانون الوطني. في حين أن فكرة الزام الحكومات بالتوقيع عليها، قائمة على أساس تقييدها أكثر، وإلزامها شيئاً فشيئاً بتطبيقها. لكن يبدو، أن الحكومات العربية نجحت حتى الآن، في إثبات أن رؤية الطرف الآخر، الذي يعتقد ان مجرد توقيع الحكومات على معاهدات، كافٍ لإلزامها والأخذ بيدها في مسار تطوير حقوق الإنسان.

ثالثها، يتعلق بالزعم القائل أن للمنطقة العربية أو دولاً بعينها خصوصية ثقافية ما، تجعلها في منأى عن الإلتزام بالقانون والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، واستثنائها من ذلك، على اعتبار ان خصوصيتها الثقافية/ الدينية بالذات، تمنعها من ذلك الإلتزام الدولي. يقول المفوض السامي الأمير زيد بن رعد أن هذه الخصوصية المزعومة (طالما تم التطرق إليها عند الحديث عن مبادئ حقوق الإنسان). وأضاف بأن هؤلاء يغفلون عن حقيقة أن العقيدة الإسلامية تقوم على مبدأ وحدة الجنس البشري، وأن الاختلاف بين البشر بالعرق، أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، أو اللغة، إنما يهدف إلى إعمار الكون في إطار من التعايش. وتابع، بأن الإسلام تطرق لغالبية الحقوق السياسية، والمدنية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمفهوم المعاصر للقانون الدولي لحقوق الانسان، وأن مبادئ القانون الدولي الإنساني حول حماية المدنيين، والأطفال، والنساء، وكبار السن، وأماكن العبادة، والمستشفيات.. قد تضمنتها التعاليم الاسلامية.

وأضاف الأمير زيد، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد هاجر إلى المدينة المنورة بحثا عن فضاء أوسع لنشر عقيدته، وأن أوائل الصحابة لجأوا الى الحبشة بحثا عن الأمان “فكيف لا نفتح الأبواب للاجئين ونحميهم؟ وننتظر من الآخرين القيام بهذا الواجب”، في إشارة الى اللاجئين السوريين وغيرهم. وشدد المفوض السامي على ضرورة البناء على هذه القواسم والقيم الإنسانية المشتركة، والإسراع في الانضمام لباقي المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان، والالتزام بها وتنفيذها بالممارسة والسلوك.