العلاقة مع المجتمع الحقوقي الدولي بين القطيعة والتعاون
هناك جدلٌ في العديد من البلدان التي تشعر بانزعاج شديد من نشاط
منظمات حقوق الإنسان الدولية، حول ما إذا كان من المناسب تجاهل المجتمع
الحقوقي الدولي ومواقفه تجاه قضايا حقوق الإنسان في البلد المعني،
وتحمّل تبعات ذلك؛ أو أن من الأفضل تأسيس علاقة سليمة مع ذلك المجتمع،
والتعاون معه، ومن ثمّ الإستفادة منه.
هنا استعراض لوجهتي النظر بشأن الموقف.
على صعيد سمعة الدولة خارجياً، فإن كل الدول تبحث عن السمعة الحسنة،
وإن عدم التعاون مع المجتمع الحقوقي، ومواصلة ممارسة الانتهاكات، يؤدي
الى تشويه سمعة الدولة ومصداقيتها بأنها دولة تنتهك حقوق مواطنيها.
هذا التشوية لا يقف عند هذا الحدّ، بل قد يتصاعد الأمر الى معاقبتها
سياسيا واقتصاديا. ولا تقف ارتدادات سوء سمعة الدولة في الخارج وبين
الأمم، بل لها تأثير سلبي على مواطني الدولة انفسهم، الذين سيتأثرون
بما يقال وينقل عن بلدهم وقيادتهم. وبحسب ما هو دارج في السياسة التي
يسير عليها عالمنا، فقد يشجع ذلك على ضعف الولاء لبلدهم وقيادتهم،
بما يؤثر على شرعية نظام الحكم محلياً، وكذلك شرعيته بين الأمم الأخرى.
هنا تختلف قابلية الدول في تحمّل سوء السمعة وما يتبعها، من ازدراء
وتضييق عليها وعلى شعبها. وفي بعض الأحيان، وضمن الموازنة بين الارباح
والخسائر، قد تقرر دولة ما عدم التعاون مع المجتمع الحقوقي ولا تلتفت
اليه، بتقديرها انها قادرة على تحمل سوء السمعة والضغوط، ولكن في كثير
من الأحيان يصل الضغط الى حدّ غير قابل للتحمّل، فتتراجع في النهاية
(المكسيك نموذجاً).
أيضاً، هناك من يرى ان التعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي، لا يغيّر
إلا بشكل طفيف ايجاباً في موضوع تحسين سمعة الدولة، إذ أن المنظمات
الحقوقية ومع وجود تعاون، فإنها لا تكفّ عن النقد، وبالتالي ـ يعتقد
هؤلاء ـ بأن الجهد المبذول في التعاون والانفتاح، اكبر بكثير من النتائج
القليلة المكتسبة على صعيد تحسين السمعة.
وهنا نود التأكيد بأن اصلاح الوضع الحقوقي المحلي، هدف نبيلٌ وإنساني
وضروري بحدّ ذاته، لا يفترض أن تنتظر على تطويره أي دولة جزاءً او
شكوراً، ولا يجب ان تقيّم انجازها بمدى رضا المجتمع الدولي فحسب، بل
المهم النظر الى المجتمع المحلي، اي المواطنين ايضاً، فهم والنظام
السياسي المستفيد الأكبر.
وعموماً فإن تحسين سمعة الدولة حقوقياً، ينعكس على اوضاعها الاخرى
الداخلية: اقتصادياً واستثمارياً وعلمياً واعلامياً وغيرها.
ان التعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي هو لصالح الاستقرار الداخلي
لأي دولة، فهو من جهة يمنع، او يقلص، حجم التدخل الخارجي، سواء من
قبل دول صديقة أو معادية؛ كما أنه يمنع او يقلّص، مبررات التدخلات
الأكثر ضرراً على الدولة وأمنها، سواء عبر قرارات أممية، او غيره.
ونلفت النظر هنا الى حقيقة ان المنظمات الحقوقية الدولية، لديها من
الإمكانيات ما يجعلها قادرة على تحفيز نشطاء الداخل على العمل والنشاط،
وقد فعلوا ذلك في دول اوروبية وآسيوية عديدة، وما عهد الاتحاد السوفياتي،
وما يجري في إيران وسوريا عنا ببعيد.
ان التعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي، يطور أجهزة الدولة من خلال
الخبرات، ويعيد لها الثقة والإعتبار، فتصبح مؤسسات الدولة العامة اكثر
فاعلية ومهنية وذات مصداقية، في الطريق الى دولة القانون والمساواة
والعدل. كل هذا ينعكس ايجاباً على حياة المواطنين وعلاقتهم بالسيستم.
التعاون مع المجتمع الدولي الحقوقي، يقوّي المجتمع المدني المحلي،
ويمنع تسييسه، ويقطع الطريق على الاستثمار السياسي للإنتهاكات داخلياً
وخارجياً.
ومن فوائد التعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي، أنه يؤدي الى تحسين
علاقات الدولة مع أصدقائها، ويرفع الحرج عنهم في الدفاع عن سجلها الحقوقي.
دور الجهات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان
أولاً ـ فهم الأسس التي يقوم عليها العمل
الحقوقي الدولي؛ وفهم آليات استخدام حقوق الانسان في العلاقات الدولية،
ومدى تأثيره عليها، وادراك مآلات التجاوز لحقوق الإنسان، وامكانية
ارتداداته عليها سلبياً.
ثانياً ـ إدراك حقيقة أن احترام حقوق
الانسان داخل اي بلد هو فائدة للبلد نفسه، فهو يطور وضع المواطنين،
ويصلح علاقتهم بحكومتهم، ويمنع التدخل الأجنبي، ويحفظ سمعة الدولة
ومصالحها. بهذا المعنى، فإن من الافضل ان لا تقوم انتهاكات في اي دولة
ابتداءً. لكن هذا غير قابل للتطبيق، اذ لا توجد دولة في العالم خالية
من الإنتهاكات، مع فارق ان يكون الانتهاك (خطأ او تقصيراً فرديا، او
تقصير مؤسسة، او نقصان تشريع) وبين ان يكون (منهجياً ورسمياً) تتبناه
الحكومة نفسها.
ثالثاً ـ ان تمتلك الجهات الرسمية اللياقة
والقدرة على القيام بالعمل المطلوب. فليست القصة ادراكها نظرياً فحسب،
وانما ايضاً يجب التعامل معها مهنياً. فليس من المهنية مثلاً، اعتماد
اسلوب نفي الوقائع! ولا من المهنية اعطاء الإعلام معلومات خاطئة بغرض
تشويه الآخر، وتبرير انتهاك حقوقه، او تبرئة الذات والقول بأنها تحترم
حقوق الانسان، فالكلام والوعود وحدها لا تكفي، وإنما تغيير الوضع حقيقة
على الأرض.
رابعاً ـ من الخطأ مصادمة المؤسسات الحقوقية
والأجهزة الاعلامية في أي بلد، كأن تُتهم بأنها عدوة للدولة أو تتآمر
عليها، أو انها عميلة لجهات معينة تدفع لها، او غير ذلك. يفترض القول
عكس ذلك، أي التأكيد على تقدير نشاطها ودورها وحرصها على اهتمامها
بحقوق الانسان، ومشاطرتها إهتمامها، ومساعدتها في توفير الحقائق والمعلومات،
وإسداء الرأي وغيرها.
الخلاصة
1/ إن العلاقة مع العالم الحقوقي الدولي تتلخص في أمرين: الأول؛
انها علاقة حتمية في العلاقات الدبلوماسية الدولية. والثاني، أنه لا
يمكن التنصل من آثار نشاط المجتمع الحقوقي الدولي على أي دولة كانت،
ولكن يمكن تعديل توجهات عمل هذا المجتمع بما يخدم البلد المعني. ولأن
للمجتمع الحقوقي الدولي تأثير على كل دولة، فمن الضروري ان تكون للبحرين
علاقة ما معه، تحدد هي اطارها ومعناها واتجاهاتها بما يخدم مصالحها.
يجب أن لا تكون هناك قطيعة تؤدي الى المزيد من الخسائر في مكانة الدولة
وسمعتها واستقرارها.
2/ يجب تحسين الوضع الحقوقي الداخلي في كل دولة، فكلما زادت الانتهاكات
او الأخطاء، كلّما كان لدى الطرف المقابل أدوات ووسائل وأدلة تلحق
بالدولة المعنية الضرر. ان تحسين الوضع الداخلي غاية نبيلة في حد ذاتها،
سواء طالب بها العالم الحقوقي ام لا. على الدولة ان تصلح ممارساتها
وتطور من تشريعاتها وأدائها.
3/ أن لا تتوقع الدولة او اجهزتها المعنية بحقوق الانسان، مديحاً،
كما لا يجب أن تجعل هذا المديح المعيار الأساس في التعاون مع المجتمع
الحقوقي الدولي، ولا أن تجعل أداءها الحقوقي موضع مساومة مع الخارج،
بل عليها ان تؤديه كواجب أية دولة تجاه مواطنيها، وتؤديه على اساس
قناعتها بحقوق مواطنيها، وأنه الصالح لرفاهيتهم واستقرار بلدهم، ولتوطيد
علاقتهم مع قيادتهم.
4/ أن تجيد الأجهزة المعنية في الدولة الأداء فيما يتعلق بموضوع
حقوق الانسان على المستوى الاعلامي والسياسي، وان تتفهم الأبعاد الانسانية
والأخلاقية والقانونية في نشاطها وممارساتها. بمعنى آخر، أن تكون الأجهزة
المعنية مسلّحة بالمعرفة والمهارة في كل ما يتصل بموضوع حقوق الانسان
على الصعيد الدولي.
|