البحرين: نحو علاقة وثيقة بمفوضية حقوق الإنسان
تمر علاقة البحرين بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان بفترة صعبة،
بعد التحسّن الملموس الذى كان قد طرأ عليها منذ الربع الأخير من العام
الماضى 2012 عبر جهود شخصية قام بها وزير الخارجية عند ترؤسه لوفد
البحرين إلى دورة مجلس حقوق الإنسان رقم 21 في سبتمبر من ذلك العام.
يومها ظهرت بوادر تحسّن تمثّلت في التالي:
● تأكيد البحرين على جديتها في إكمال تنفيذ كل من توصيات بسيوني،
وآلية المراجعة الدورية الشاملة.
● تجديد الدعوة للمقرر الدولي الخاص بالتعذيب لزيارة البحرين.
● إعلان البحرين بأنها ستدرس بجدية أمر الإنضمام للبروتوكول الإختياري
الملحق بإتفاقية مناهضة التعذيب.
● قيام وفد فني من مكتب المفوضية بزيارة ناجحة للبحرين في ديسمبر
من نفس العام بهدف التأسيس لبرنامج تعاون بينهما.
● توجيه الدعوة للمفوضة السامية لزيارة البحرين وترحيبها المبدئي
بها.
بعد فترة وجيزة من ذلك التحسّن، شهد عام 2013 في مجمله بروداً في
العلاقات تضمّن نقداً صريحاً لسجل البحرين في مجلس حقوق الإنسان. لقد
حدثت يومها مستجدات كانت السبب وراء ذلك البرود وعلى رأسها:
■ تجميد البحرين زيارة مقرر التعذيب.
■ عدم حدوث أي تقدم فيما يتصل بمسألة الإنضمام للبروتوكول الإختياري
الملحق بإتفاقية مناهضة التعذيب.
■ تعثر مسار التعاون بين البحرين ومكتب المفوضية بسبب التلكؤ في
إكمال دراسة المقترحات حول مرجعية ذلك التعاون ومن ثم التصديق النهائي
عليها.
|
وزير الخارجية مع المفوضة السامية
نافي بيلاي |
■ حدوث المزيد من التدهور في بعض جوانب حقوق الإنسان في البحرين
من وجهة نظر المفوضية والعديد من الجهات الحقوقية الدولية، خاصة فيما
يتصل بقضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، وتزايد وتيرة الإعتقالات
وتوجيه الإتهامات في صفوف من ترى المفوضية أنهم معارضين سياسيين سلميين
وناشطين حقوقيين، بالإضافة إلى وجود إحساس طاغ، إن لم يكن إقتناع دولي،
بأن ثقافة الإفلات من العقاب لا تزال سائدة في البحرين في ضوء عدم
حدوث تقدم ملموس في مسألة محاسبة مرتكبي الإنتهاكات والتي كانت واحدة
من توصيات تقرير بسيوني تؤكد عليها.
لذلك تمر علاقة البحرين بالمفوضية السامية الآن بمنعرج حرج من شأنه
أن يؤدى إلى نتائج سلبية، خاصة في ظل وجود إتجاه قوي داخل أروقة المفوضية
والجهات الدولية المؤثرة، يميل الى تصعيد الضغط على الحكومة البحرينية.
ويتغذّى هذا الإتجاه على قناعة سائدة عند تلك الجهات من أن البحرين
غير جادة في الوفاء بإلتزاماتها وتعهداتها، ولذا هناك ميل الى الدعوة
لعقد جلسة خاصة بالمسألة البحرينية خلال إنعقاد مجلس حقوق الإنسان
في دورته المقبلة رقم 25 المقرر لها في مارس القادم، وذلك بغرض النظر
في أمر إتخاذ إجراءات محددة بحق البحرين، قد يكون من بينها تعيين مقرر
دولي لحقوق الإنسان خاص بها، بكل ما يترتب على ذلك من إنعكاسات في
غاية السلبية، باعتبار ذلك بمثابة رقابة دولية تشمل زيارات للمقرر
الدولي، ورفع تقارير دورية من قبله الى الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان،
ومن ثم تزداد رقعة الضغوطات الدولية لتشمل معظم دول العالم، ومؤسسات
الأمم المتحدة.
ولتلافي الوصول الى هذا الوضع الخطير، فإن على البحرين أن تسعى
وبشكل عاجل لإتخاذ خطوات جادة تعالج كل جوانب ملفها الحقوقي، والتي
تمثّل بواعث قلق بالنسبة للمفوضية وسائر أطراف المجتمع الحقوقي الدولي
بالصورة التي يمكن أن تسهم في تهدئة المخاوف وإستعادة الثقة بالجدية
التي توليها البحرين لإلتزاماتها وتعهداتها.
تحوّل إيجابي
بيد أن تحوّلا إيجابياً حدث خلال شهر يناير 2014، في مسارين مترابطين:
الأول، سياسي، ويتعلق بصدور أمر ملكي بتكليف ولي العهد لإعادة الحيوية
للحوار السياسي مع المعارضة للوصول الى نتائج.
والثاني، حقوقي، حيث تكفّل بإعادة الزخم اليه وزير الخارجية الشيخ
خالد بن أحمد آل خليفة.
ويعكس الترابط والتداخل بين الملفين السياسي والحقوقي، أهمية معالجتهما
معاً، حيث يرقب العالم التطور في أحدهما وكأنه عاملٌ مساعد لحلحلة
الآخر، دون أن يكون بديلاً عنه.
وفي هذا السياق، قام وزير الخارجية بمحاولة ترطيب الأجواء مع المفوضية
السامية، فالتقى بالمفوضة السامية نافي بيلاي، وحاول حلحلة النقاط
العالقة في الملف الحقوقي، بحيث تمّ حسم موضوع التعاون الفني بين المفوضية
السامية وحكومة البحرين، وقد بدأ الفريق الفني زيارته للبحرين في 19/2/2014.
ومن جهة أخرى، جدد الوزير دعوته للمفوضة لزيارة البحرين، والتي أشادت
بالحوار الوطني الذي تصدّى له ولي العهد. كما وعد وزير الخارجية بمقاربة
جديدة لموضوع حقوق الإنسان في البحرين، وتحسين علاقة التعاون مع المنظمات
الحقوقية الدولية، التي اجتمع مع عدد منها، بحيث تكون مرتكزة على الشفافية
والجدية، وقدم لها دعوة لزيارة البحرين، للإستفادة من خبراتها.
بواعث القلق
يمكن تحديد عناصر بواعث القلق الدولي في ملف البحرين الحقوقي ـ
كما وردت في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ـ في التالي:
1 - اعتقال ومضايقة من يعتبرون في عرف المجتمع الدولي سجناء رأي،
أو ناشطين حقوقيين، وتوالي المزاعم بإستمرار ممارسات التعذيب ضد المحتجزين.
2 ـ عدم التعاون مع آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان،
ومنها إلغاء زيارة المقرر الدولي الخاص بالتعذيب، وكذلك ضعف التعاون
مع المنظمات الحقوقية الدولية، ووضع القيود أمام زيارتها للبحرين لتقييم
الوضع الحقوقي فيها.
3 - إستمرار التضييق على حرية التجمع السلمي، وحق التعبير عن الرأي.
4 - منع الجمعيات السياسية من الإتصال بالدبلوماسيين الأجانب.
5 - عدم وضع حد لثقافة الإفلات من المحاسبة والعقاب، والتي تقول
الجمعيات الحقوقية الدولية أنه ينجح بسببها مرتكبو إنتهاكات حقوق الإنسان،
في الكثير من الأحيان، في تفادي مواجهة العدالة وتحمل مسئولية اعمالهم.
6 - عدم تكافؤ الفرص وغياب مبدأ المساواة والعدالة الإقتصادية والإجتماعية
بين فئات المجتمع البحريني.
7 - البطء في تنفيذ توصيات تقرير بسيوني، وكذلك توصيات المراجعة
الدورية الشاملة.
التعاون مع المفوضية بداية الحل
إن سبيل البحرين للخروج من مأزقها الحقوقي لا يتم بمناطحة المجتمع
الحقوقي الدولي أو الإستخفاف بإنتقاداته، وإنما في السعي الجاد لإستعادة
ثقته من خلال التعاون معه، والإفادة من آلياته وإمكانياته. ولعلّ فتح
باب التعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان يمثّل المدخل الأساس
لحل إشكالات العلاقة بين البحرين والعالم الخارجي.
فمن شأن فتح الباب أمام تعاون بحريني وثيق مع مكتب المفوضية السامية
لحقوق الإنسان أن يساعد في بناء القدرات البحرينية وفق مرجعية يتفق
عليها الجانبان، وفي إطار برنامج متكامل يتم إعداده بالتوافق مع كافة
الجهات الحقوقية المعنية في البحرين، والتي هي بحاجة ماسّة الى هذا
الأمر، حيث أن الإنتهاكات التي تُرتكب في كثير منها يعود الى ضعف مستوى
الأفراد والجهات المخوّلة بحفظ القانون وحماية حقوق الإنسان.
يمكن للبحرين ـ مثلاً ـ الإستفادة من برنامج الأمم المتحدة للخدمات
الإستشارية في مجال حقوق الإنسان، والذي استهدف من تأسيسه تلبية إحتياجات
الدول في مجال بناء ودعم المؤسسات والبنية التحتية لحقوق الإنسان في
الدولة المعنية، بهدف الإرتقاء بها إلى درجة تتسق والمعايير الدولية.
ويشمل العون التدريب ورفع القدرات داخل كافة الوزارات والهيئات المعنية
بحقوق الإنسان.
وغني عن القول، فإن من شأن سعي البحرين لإستقطاب الدعم الدولي المطلوب
للدفع بعملية الإصلاح الحقوقي بالبلاد، وإشراكها للأطراف الدولية ذات
الصلة في هذا الجهد، ان يبعث برسالة تطمينية واضحة للمجتمع الدولي؛
فحواها أن البحرين جادة في معالجة أزمتها الحقوقية، واجتراح حلول دائمة
لبواعث القلق الدولية.
|