العلاقة مع المنظمات الدولية:

من التجاهل الى التفاعل

لماذا نحرص في (مرصد البحرين لحقوق الإنسان) على أن تكون لدى حكومة البحرين علاقة جيدة مع منظمات حقوق الإنسان الدولية. وهو أمرٌ طالما أشرنا اليه، ولاحظه كثير من قراء (المرصد البحريني)؟

لا يعود السبب الى رغبة منّا في تحسين صورة البحرين في الخارج بشكل لا يعكس حقيقة الواقع الداخلي بما يحويه من سلبيّات وإيجابيات. بل الهدف الأساس هو أننا نجد في العلاقة مع تلك المنظمات بوابة أساسية لتطوير الوضع الحقوقي البحريني، لما تمتلكه من إمكانات (خبرات وتجارب) يمكن استثمارها بما يؤدي الى محاصرة الأخطاء والإنتهاكات، والبناء على الإيجابيات.

لا يعني هذا أننا لا يهمنا سمعة البحرين كدولة، فكل مواطن يتمنّى أن تكون لبلاده السمعة الحسنة، سواء في الميدان الحقوقي، أو السياسي، أو الإقتصادي والإجتماعي؛ وأن تكون رايتها مرفوعة بين الأمم. ولكن يهمّنا بدرجة أساس، شعور المواطن بالعزّة والكرامة والحرية، المتأتّية من نيله حقوقه. فهناك علاقة بين واقع المواطن السياسي والإقتصادي والحقوقي ـ في أي بلد كان ـ وبين مكانة بلده، وشعوره بالفخر والإنتماء والإعتزاز.

بيد أن هناك وجهة نظر سلبيّة لدى البعض تجاه عمل تلك المنظمات الحقوقية الدولية، لا تميل الى التفاعل معها، ولا الإستفادة منها، بل تراها خطراً، وفي التعاطي معها فتح بوابة شر على البحرين وسيادتها.

الفكرة العامة عند هذا البعض تقول بأن ما تنشره تلك المنظمات من بيانات وتقارير يضعها ضمن تصنيف: (الأعداء) لأن مسؤوليها غير محايدين ولا يقدرون الجهود الرسمية المبذولة، وبالتالي لا يجب الرد عليهم، ولا التعاطي معهم، بل ان الرد قد يعطيهم مكانة لا يستحقونها. وهذا الرأي ليس فقط غير صحيح في التقييم العام، بل هو أيضاً لا يفيد البحرين في حاضرها ومستقبلها، اذا استمرّت سياسة التجاهل والإستهانة بمكانة وقوة تأثير تلك المنظمات على الساحة الدولية.

من الضروري التحوّل من سياسة التجاهل الى سياسة التفاعل والتأثير المتبادل. ذلك إن اغماض العين عما يجري ويطرح من قبل المنظمات الحقوقية لا يغير من حقيقة وقوع التأثير. التجاهل يعكس عجزاً في المواجهة والمنطق، وضعفاً في الدفاع عن القضية. والتجاهل يزيد من حدّة النقد على المستوى الدولي، ويحرض تلك المنظمات على المزيد من الضغوط.

وقد يعني عدم الرد أو عدم التفاعل زيادة المصداقية فيما تصدره وتنشره المنظمات الحقوقية.. فحتى لو كان بعض ما ينشر غير دقيق ومبالغ فيه، فإن الحلّ ليس بالتجاهل وعدم الرد والتوضيح والإلفات لمواطن الخلل، وإبراز الحقائق والرؤى. ولا نشك في أن المنظمات الدولية ستأخذ بعين الإعتبار الردود الرسمية، وتشير اليها في بياناتها.

لكن قد تكون هناك أسباباً أخرى تدفع ببعض المعنيين بالملف الحقوقي على المستوى الرسمي لاعتماد سياسة التجاهل وعدم الرد والتفاعل والإهتمام بمواقف وإصدارات المنظمات الحقوقية الدولية، ومن بينها:

أولاً ـ الشعور بعدم فائدة العمل والتفاعل مع المنظمات الحقوقية، لأنه لا يمكن ـ من وجهة نظرهم ـ التأثير عليها، وتغيير مواقفها، بل قد تكون هناك صعوبات في بناء علاقات التواصل معها. وربما اعتقد البعض بأن جلسة واحدة، أو رد رسالة، سيغير من موقف الآخر بصورة كبيرة. هذا لا يحدث. العمل هنا تراكمي، والتأثير يتم بالتواصل المستمر. وحتى لو لم ينجز التغيير الملموس، فلربما كانت العلاقة في حد ذاتها قد خففت من التصعيد والمزيد من التشدد الذي ينعكس سلباً على أوضاع حقوق الإنسان.

ثانياً ـ الشعور بصعوبة الدفاع عن قضايا محددة تمثل انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، وبالتالي يلوذ البعض بالصمت وعدم الرد. هذا فهم خاطئ لأهداف العلاقة مع المنظمات الحقوقية. هدف العلاقة يجب أن يتغيّر من (تبرير الأخطاء) الى (فهم أسباب وقوعها وكيفية علاجها وسبل المساعدة في ذلك)؛ كما ويجب التحول من التركيز على القضايا الجزئية، الى البحث والحوار في البنية التحتية الحقوقية بما تشمله من تشريعات وآليات ومؤسسات متعلقة بحقوق الإنسان والتي لها أبلغ الأثر في مستقبل أوضاع حقوق الإنسان. وأيضاً يجب التحوّل من سياسة نفي المعلومات والوقائع، الى سياسة تصحيح المعلومات وإثبات الحقائق.

ثالثاً ـ قلّة المعلومات التي هي أساسية في الإجابة على استفسارات المنظمات الحقوقية. ولهذا يتأخر الردّ أحياناً، أو لايردّ بتاتاً، ليس بسبب عدم الرغبة بقدر ما هو إشكال في الآلية البيروقراطية الرسمية التي تعقد من عملية التواصل والرد. وفي بعض الأحيان، قد تكون المعلومات متوفرة، ولكن كيفية تقديمها ووضعها في الإطار الصحيح وباللغة الحقوقية المقبولة يمثل إشكالية أخرى تعود الى عدم وجود الكوادر المؤهلة القادرة على القيام بذلك.

رابعاً ـ عدم معرفة منهجية عمل المنظمات الحقوقية الدولية، وطرق ووسائل العمل الناجح، فمعرفة ذلك من شأنه تسهيل العلاقة، وفهم الآخر.