البحرين: منارة الحريات الدينية وهدم المنشآت خطأ تم تداركه

البحرين بين دول الخليج، كانت والى أشهر مضت، المنارة الساطعة في مجال حرية التعبير الديني. لا يوجد بلد خليجي يتمتع فيه المواطنون والمقيمون على حد سواء بالحرية الدينية في الممارسة والتعبير مثلما هو موجود في البحرين. وإذا كان هناك اختلاف في الرأي والتقييم في القضايا السياسية، فإن أحداً لا يختلف على حقيقة تمتّع البحرين بهامش واسع جداً في حرية التعبير الديني للمسلمين وغير المسلمين. هذا هو تاريخ البحرين الحديث يكشف عن ذلك بصورة لافتة للنظر، كما يكشف حقيقة أن السلطات الرسمية تقدّم مساهمات مادية كبيرة لمختلف الفئات الدينية المسيحية واليهودية والشيعية والسنيّة والهندوسية والسيخية وغيرها. وقد ألمح تقرير بسيوني الى هذه الحقيقة، وقال بأن البحرين تعدّ نموذجاً للوئام العرقي والطائفي مقارنة بالمجتمعات المجاورة لها.

لكن هذا المنجز التاريخي، وبعيداً عن الخلاف المذهبي فيما يتعلق بالعقائد والمتبنيات الفكرية، كاد أن يتبدّد كليّة في لحظة عطب تاريخي، لتظهر البحرين وكأنها قاب قوسين من اقتتال طائفي، ومن أنها بلدٌ قامعٌ للحريات الدينية لشريحة معتبرة من السكان. فبين 1/3/2011، و11/5/2011، تعرضت بعض المساجد والحسينيات وغيرها من المنشآت الدينية الى الهدم والتدمير، وذلك في خضم الصراع السياسي/ الطائفي المحتدم، ما جعل المراقبين غير مصدّقين ما يحدث فعلاً.

بغض النظر عن عدد المنشآت الدينية، وحجم الضرر الذي تعرضت له، والتي قدرتها لجنة بسيوني بـ 30 منشأة، وبغض النظر أيضاً عن اتهام الحكومة لبعض المتظاهرين باستخدام بعضها كمراكز تجمع ضد الشرطة وتخزين قنابل المولوتوف، فإن قرار التعرّض لتلك المنشآت في ذلك الوضع العصيب كان خطأ سياسياً فادحاً، كونه لامس (العصب الطائفي للشيعة) وتعرّض للمقدّس بنظرهم، وبالتالي ساهم ذلك في تحويل القضية السياسية الى ما يشبه الصراع الطائفي. وها هنا تكمن الخطورة حقاً.

القضية ليست في أن الأماكن المزالة أو المهدمة مستوفية للشروط القانونية والإدارية المطلوبة؛ فحسب تقرير بسيوني (فقرة 1707) لم تستوفى تلك الشرائط سوى خمس منها فقط.. ولكن القضية تكمن في (توقيت الهدم) وفي (الأسلوب) من جهة عدم استيفاء الإجراءات القانونية من قبل الجهة الرسمية المعنية، وحسب تقرير بسيوني (فقرة 1330): (لم تتبع الحكومة الإشتراطات المنصوص عليها في القانون الوطني بشأن الإخطار وإصدار الأمر القضائي بالهدم. بل اعتمدت على قانون السلامة الوطنية). وهذا ما أشرنا اليه في المرصد البحريني (عدد يونيو/ يوليو الماضيين) وقلنا أنه تمّ التفريط بسمعة البحرين بلا فائدة. وبحق وكما قال تقرير بسيوني (الفقرة 1334): (يساور اللجنة شيء من القلق حول التوقيت الذي تمت فيه عمليات الهدم، أي خلال الفترة من 1/3 ـ 11/5/ 2011، حيث ترتبط تلك الفترة بأحداث فبراير ومارس. فمن المؤكد أن الحكومة كانت تعلم مسبقاً بمسألة بناء هذه المنشآت، وعدم حصولها على تراخيص قانونية سليمة، وعدم مطابقتها لقوانين البناء. ومع ذلك، لم تقم الحكومة باتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لوقف بناء هذه المنشآت طوال السنوات الماضية. ومن ثم، فلقد كان حريّاً بالحكومة أن تدرك أن تنفيذ عمليات الهدم في ظل هذه الظروف ـ سيما فيما يتعلق بتوقيت الهدم وطريقته، وأن معظم هذه المنشآت هي منشآت دينية شيعية ـ من الطبيعي أن يُنظر اليه باعتباره عقاباً جماعياً من شأنه أن يؤجج التوتر بين الحكومة والمواطنين الشيعة).

واضح ان حجّة الحكومة في بعض القضايا قوية من جهة التعدّي على أملاك عامّة (19 منشأة دينية)، وفي أخرى أقل من ذلك (6 منشآت أقيمت على أراض خاصة، ولكن البناء لم يرخص رسمياً)، ولم تفرق الأوامر الرسمية بين المنشآت المقامة على أملاك الدولة أو على أراض خاصة، وسارعت في هدمها دون منح فرصة للإستماع الى صوت معارضي الهدم أمام جهة الإدارة ثم أمام القضاء (فقرة 1332).

واضحٌ أن القرار اتخذ بدون تدبّر ومعرفة حساسية الموضوع. ولكن من حسن الحظ، أن الحكومة التفتت الى القضية، فأوقفت نشاطها، وأعلن الملك في 22 مايو 2011 بأنه سيتم بناء دور عبادة جديدة للشيعة، وأوصت لجنة بسيوني بـ (متابعة إعلان الملك بأن الحكومة ستقوم ببناء أماكن عبادة على نفقتها عوضاً عن الأماكن التي تعرضت للهدم بموجب قرارات ادارية)؛ وقد رحبت اللجنة بطريقة معالجة حكومة البحرين لهذه المسألة في أقرب وقت ممكن (فقرة 1336).

خلاصة:

1/ حرية الممارسة الدينية واحترام الأديان والمذاهب أمرٌ مشهود في البحرين، وإن ما حدث مؤخراً كان خطأ، وجاء في ظرف سياسي عصيب على الحكومة كما على المجتمع نفسه، والذي لازال يحاول تضميد جراحه السياسية والإجتماعية.

2/ لا توجد شواهد في سلوك الحكومة البحرينية تفيد بأنها تتقصّد بالإيذاء والعقاب المواطنين لمجرد ممارستهم لمعتقداتهم الدينية؛ كما لا توجد شواهد تفيد بتعمّد تدمير أماكن العبادة لأية فئة دينية أو مذهبية. ما يجعلنا وغيرنا يعتقد بأن قراراً خاطئاً قد اتخذ، وتمّ التراجع عنه حتى قبل تشكيل لجنة بسيوني.

3/ الحلول التي وضعتها الحكومة، وعلى لسان الملك، ليس فقط تحمل جانباً تعويضياً لسلوك طارئ غير منهجي، بل وتحمل صفة (تطييب الخاطر) كون التعويض أكبر بكثير مما تعرض للهدم، الأمر الذي من شأنه يعيد الوضع الى سابق عهده من تسامح واحتضان للتنوع الديني، ورعاية رسمية لأماكن العبادة التي اعتاد القائمون عليها استلام المساعدات والمعونات السنوية مباشرة من الحكومة، بناء على أوامر ملكيّة، كما يحصل في محرم من كل عام للشيعة.