مع احترام القانون..

ولكن مع حرية التعبير أولاً!

مضت أشهر عديدة، وبالتحديد منذ سبتمبر الماضي، ولاتزال نشرات بعض الجمعيات السياسية متوقفة بقرار من هيئة شؤون الإعلام، التي تصرّ على أنها تؤدي دورها وفق القانون تماماً؛ بحيث أن كل الإجراءات التي اتخذتها إنما جاءت مستندة على قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر الصادر في عام 2002.

ما يدعو المراقب للدهشة والتساؤل هو: لماذا الإصرار على تنفيذ قانون هو باتفاق الجميع غير صالح لهذه المرحلة، وبانتظار تعديله؟

والمدهش أكثر أن السلطات الرسمية اعتادت غضّ النظر عن تجاوزات القانون طوال السنوات الماضية، فلماذا ـ وفجأة ـ جاءت هذه الحماسة لتطبيقه؟ وأية خدمة يقدمها تطبيق مواد لا يشكل تجاوزها ضرراً على النظام والرأي العام والمصلحة العامة؟

والمدهش ثالثاً، هو أن مساحة الحرية في الصحافة المحلية، وممارستها عملياً، أدّت الى نشر مواد وموضوعات أكثر قوة ونقداً وأكثر وسعة من حيث الإنتشار مما يمكن أن ينشر في تلك النشرات الحزبية المتواضعة، ومحدودة الإنتشار والتأثير، بالقياس الى ما يُنشر في الصحافة اليومية.

والمدهش رابعاً، أن الجمعيات السياسية التي أوقفت نشراتها لم تتضرر كثيراً، ولم يحد ذلك من التواصل مع جمهورها أو التعبير عن مواقفها. فهذه الصحافة اليومية تنشر كل بيانات الجمعيات، وتغطي كل نشاطاتها، بأعظم وأكثر مساحة مما تفعل نشراتها الخاصة. الضرر الحقيقي، يقع على الحكومة نفسها التي اتخذت هذا القرار. فأينما اتجهت تواجه بقضية إغلاق نشرات الجمعيات السياسية المرخصة قانوناً، وأن الحكومة بفعلها ذاك قد قيّدت حريّة التعبير، وأن ما قامت به سوف يظهر في سجلها وفي تقارير المنظمات الدولية.

مالذي أفاد سمعة البحرين؟ ومالذي أضرّ بالجمعيات السياسية؟ وبالتالي ما فائدة التخلّي عن سياسة (غضّ النظر) التي كان المسؤولون يلتزمون بها سابقاً؟

سوف يبقى موضوع النشرات وحتى مواقع الإنترنت مثيراً للجدل، والنقد اللاذع للحكومة وقراراتها، وكيف أنها لم تتحمل نشرات حزبية محدودة الصفحات والإنتشار. مع أن من المثير أن هذه الحكومة نفسها تتحمل نقداً أوسع وأعمق وبشكل مستمر ومن نفس الجمعيات السياسية، ولكن على صفحات الجرائد اليومية!

كان المؤمل تعديل قانون الصحافة والنشر بشكل سريع، ولكننا لازلنا نراوح أماكننا. ولا نعلم متى سيناقش البرلمان الجديد مشروع القانون البديل، فيحل المشكلة من جذورها. ولكن الى أن يتم ذلك، هل من الضروري أن تبقى نشرات الجمعيات السياسية محجوبة أو ممنوعة وكذلك بعض المواقع الإلكترونية لمجرد أنها استخدمت تطبيقات فنيّة لم توجد في القانون؟!

إن هذا لأمر غريب. لو كانت الحكومة ديكتاتورية، لكان إغلاق النشرات أمراً متفهماً ضمن السياق العام. أما وأن هناك متسع هائل من الحرية في الصحافة المحلية، فكيف بالمسؤولين يضيقون ذرعاً ببضع نشرات، يقال أنها خالفت القانون؟

معلوم أن النشرات كانت تصدر بشكل شهري ودوري منذ 2002 وحتى سبتمبر 2010، وكل الجمعيات السياسية ينص قانونها الأساسي على إصدار نشرة دورية تعبر عن مواقفها وتروج لنشاطاتها وأفكارها. ولهذا اتجهت تلك الجمعيات الى رفع دعاوى في المحكمة الكبرى الإدارية ضد قرار هيئة شؤون الإعلام بوقف نشراتها.

ملخص ما نريد التأكيد عليه هو: إن الإصرار على تطبيق قانون 2002 وانهاء سياسة غض النظر عن المخالفات، لا يؤدي بالضرورة الى تأكيد احترام القانون ومرجعيته، ولا يحقق الغاية منه، بل يضرّ بسمعة الحكومة على المستوى المحلي والدولي، كما لا يحقق فائدة تذكر لأيّ من الأطراف، اللهم إلا الى من يريد استخدام الحظر والمنع كأدلّة إثبات على تضعضع أو تراجع حرية التعبير التي كفلها الدستور وميثاق العمل الوطني.

نحن مع احترام القانون وتطبيقه، ولكن ما يجري في الشارع البحريني من ممارسات لحرية التعبير هي أكبر بكثير من القانون الموضوع نفسه، وبالتالي لا حلّ بفرض القانون، بل بتعديله. وإن تجاوز القانون أو اعتماد سياسة غض النظر لا تعني بالضرورة عدم احترام القانون، وإنما هي تعبير عن حقيقة أن هذا القانون قد فقد الصلاحية.