(حقوق الإنسان) والعلاقات الخليجية ـ الأوروبيّة

صحيح أن العلاقات الدولية تحكمها المصالح؛ وصحيح أيضاً أن كثيراً من الدول في العالم تميل الى التضحية بحقوق الإنسان في البلدان الأخرى وتتجاهل الإنتهاكات التي تقع، إذا كان ذلك يتعارض مع مصالحها. لكن المصالح الإقتصادية هذه الأيام لم تعد حاكماً مطلقاً ومحدداً وحيداً للعلاقات بين الدول. فموضوع حقوق الإنسان، وبسبب نشاط المنظمات الحقوقية الدولية، وتصاعد الوعي بمفاهيم حقوق الإنسان على مستوى العالم، أصبح هو الآخر محدداً للعلاقات بين الدول، وقد بدأ يأخذ مكانته شيئاً فشيئاً الى جانب المصالح الإقتصادية؛ وقد يتقدّم عليها في بعض الأحيان، اعتماداً على مستوى الضغط الذي تتعرض له دولة بعينها، أو مجموعة دول، من المجتمع المدني المحلي لديها أو من قبل المجتمع الحقوقي على مستوى العالم.

لا بدّ أن دول العالم كافة، ودول الخليج بشكل خاص، قد لاحظت أن موضوع حقوق الإنسان أخذ بالتحول من الهامش الى المركز في العلاقات بين الدول؛ لكن البعض يصرّ ويقاوم تحول حقوق الإنسان كمحور في العلاقات الدولية. هذه المقاومة، لا تبديها الدول المستبدة فحسب، بل أن عدداً من الدول الغربية أيضاً تبدو في كثير من الأحيان غير راغبة في إعطاء حقوق الإنسان أهمية قد تتقدّم على المصالح الإقتصادية نفسها، وبالتالي تجبرها المعايير الحقوقية الدولية على إعادة هيكلة علاقاتها مع دول تعتبر في كثير من الأحيان صديقة وحليفة.

موضوع حقوق الإنسان دخل القوانين التي تنظم العلاقات بين الدول، كما في بعض الدول الغربية. ومن هنا لاحظنا مثلاً، أن أمريكا وقعت اتفاقية التجارة الحرّة مع البحرين فقط دون باقي دول الخليج حتى الآن. والسبب رفض بعض تلك الدول ربط الموضوع الإقتصادي بالحقوقي، وأيضاً بسبب انعدام الارضية الحقوقية المناسبة في بعض تلك الدول.. لهذا تمت الموافقة على إبرام اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين بعد دراسة من قبل الكونغرس ولجانه استمرت ما يقرب من ستة أشهر، تم خلالها التأكد من أمور كثيرة، من بينها: وجود نقابات عمّالية؛ سلطة تشريعية منتخبة؛ توفّر قدر من الشفافية وحرية التعبير والصحافة؛ احترام حقوق الإنسان بشكل عام؛ وجود منظومة قوانين وتشريعات متطورة؛ وغير ذلك.

الإتحاد الأوروبي يريد أيضاً أن يوقع اتفاقية التجارة الحرّة Free Trade Agreement مع دول الخليج مجتمعة، ولكن الإجتماعات التي جرت في السنوات الأخيرة لم تثمر عن شيء. والسبب رفض بعض دول الخليج مسألة أن تكون معايير حقوق الإنسان جزءً أساسياً في الإتفاقية؛ في حين تصر دول الإتحاد على أن قوانينها لا تسمح لها بتطوير علاقات التجارة الحرة إلا بتوافر الأرضية الحقوقية المناسبة؛ فضلاً عن أن المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تمارس عليها ضغوطاً شديدة لتضمّن مبادئ حقوق الإنسان كجزء ناظم لعلاقاتها التجارية والإقتصادية وحتى السياسية والأمنية.

آخر الإجتماعات الوزارية بين الإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون تمّت في يونيو الماضي. وقد ضمّن الاتحاد الأوروبي موضوع احترام حقوق الإنسان كجزء من الإتفاقية، ما أدى الى ترحيب الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH بذلك في بيان أصدرته في بروكسيل 11/6/2010. وقد أشارت الفيدرالية الى قرار البرلمان الأوروبي في أبريل 2008 والذي شدد على تضمين بنود حقوق الإنسان في أية اتفاقيات تجارة حرة توقع بين الإتحاد الأوروبي وأية دولة أخرى.

ومع أن دول الخليج تنازلت قليلاً في أبريل 2009 حين أكدت قبولها واحترامها لحقوق الإنسان كمبادئ عالمية مشتركة، وكذلك قبولها بالمبادئ الديمقراطية كعنصر أساس في علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي.. وكذلك قبولها مواصلة التزامها باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.. فإن هذا التنازل لم يكن كافياً، إن كان مجرد ألفاظ وحبر على ورق. لهذا عبرت FIDH عن قلقها بأن النمط السائد في دول الخليج هو انتهاك حقوق الإنسان، وأن تلك الدول لم تتخذ سوى خطوات قليلة لتحسين وضع حقوق الإنسان على أراضيها.

وحثت FIDH الطرفين الخليجي والأوروبي على جعل هذه الموضوعات من أولوياتها، وهي: اتخاذ خطوات حقيقية لحماية حقوق العمال الأجانب؛ وكذلك حماية حقوق المرأة؛ واتخاذ اجراءات تحسّن من حرية التجمع وتشكيل الجمعيات؛ وكذلك تطوير أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان؛ وضمان حرية التعبير والرأي؛ واتخاذ إجراءات لضمان عدم التمييز على أسس دينية وطائفية وغيرها.

ملخص القول: إن من الصعب على دول الخليج، كما غيرها، أن تتهرّب من التزاماتها بحقوق الإنسان، وخيرٌ لها أن تصلح نفسها بدل أن يفرض عليها ذلك، أو تضع نفسها في دائرة الإحراج، وربما استخدم موضوع حقوق الإنسان كحجة للتدخل في شؤونها الداخلية.