مناهضة العنف ضد المرأة في البحرين
ضوء في نهاية النفق
الأرقام المتوفرة والمنشورة في الصحافة المحلية، تعطي مؤشراً
حول مدى تصاعد حالات العنف الذي تتعرض له المرأة في البحرين، ما
يدفع المرء الى التساؤل عن مدى انتشار الظاهرة، وكيفية التعاطي معها،
والحدّ منها تشريعياً وعدلياً وتطبيقياً، وما هي الإجراءات العملية
التي اتخذتها الحكومة لتحقيق العدالة الفعّالة لضحايا العنف والناجيات
منه.
فقد أوضحت مدير عام مركز بتلكو لرعاية ضحايا العنف الأسري، د. بنة
بوزبون بأن عدد الحالات المعنفة التي دخلت المركز منذ افتتاحه عام
2007 وحتى نهاية 2009 وتم علاجها هي 6061 حالة. وقالت بأن خدمة الخط
الساخن لعبت دوراً مهماً في الإبلاغ عن حالات العنف الأسري. ومن جهة
أخرى، كشفت المسؤولة في المجلس الأعلى للمرأة، بهيجة الديلمي، أن عدد
حالات الطلاق بسبب العنف أو سوء المعاملة، أو الخيانة الزوجية بين
2007 و2009 بلغ 427 حالة.
التساؤلات المثيرة للقلق، تلتقي مع نقاط ست أصدرتها مؤخراً منظمة
العفو الدولية ضمن وثيقة قائمة على المعايير والسياسات الدولية لحقوق
الإنسان، تهدف للتعرف على العقبات التي تعترض سبيل تحقيق العدالة للنساء
والفتيات من ضحايا العنف الجنسي وغيره. هذه النقاط الست تمثل مرجعاً
لمساعدة المدافعين عن حقوق المرأة في تحديد القوانين والسياسات والممارسات
التي تحتاج إلى الإصلاح؛ وكذلك تحديد العقبات التي تحول دون التطبيق
الناجح للقوانين.
حسب منظمة العفو الدولية، فإن من الأهمية بمكان، في كل سياق من
السياقات الوطنية، طرح الأسئلة الستة الرئيسية التالية:
1 - هل القوانين النافذة كافية؟
2 - هل التبليغ عن الجريمة الجنسية أو الجريمة القائمة على جنس
المرأة آمن بالنسبة للضحية؟
3 - هل يجري جمع الأدلة الشرعية، وتوفير الرعاية الطبية للضحايا
بصورة مناسبة؟
4 - هل هناك عقبات محدّدة تحول دون حصول الضحية على الخدمات المناسبة
في الوقت المناسب؟
5- هل تتسم التحقيقات في الجرائم بالكفاءة والدقة؟
6 - هل تتسم المحاكمات بالنزاهة والأهلية والكفاءة؟
من الوهلة الأولى يبدو أنَّ الأمر برمته يعتمد في المقام الأول
على وجود قوانين كافية ونافذة تستطيع تحقيق العدالة لضحايا العنف والناجيات
منه، فهذا هو حجر الزاوية. ومن خلال هذا السياق يمكن التطرق إلى بقية
الأسئلة الأخرى والتي ينبغي على البحرين الاهتداء بها عند التطبيق.
إن من الصعوبة بمكان مقاربة كل النقاط السابقة مع تجربة البحرين، بالنظر
الى نقص المعلومات المتوفرة، لذا سيكون التركيز على النقطة الأولى.
1 - هل القوانين النافذة كافية؟
في البدء يجب الإقرار بعدم وجود القوانين الكافية لتجريم ظاهرة
العنف ضد المرأة في البحرين. ولكن الجهود ما زالت مستمرة من أجل سن
تشريعات لتحقيق تلك الغاية. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى الجهود
التالية:
■ بدأت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس النواب بمناقشة
مشروع قانون حماية الأسرة البحرينية من العنف، وذلك في فبراير الماضي،
واجتمعت بوفود من الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية من مختلف الأطياف
النسائية للإطلاع على آرائها. من جهة أخرى، تقدّمت اللجنة الأهلية
لمناهضة العنف الأسري التابعة للاتحاد النسائي، في 10 فبراير 2010،
بمذكرة لمجلس النواب، أوضحت فيه مرئياتها حول مشروع القانون.
وفعلاً، فقد أقرّ مجلس النواب المنتخب في جلسة استثنائية مشروع
قانون حماية الأسرة من العنف في 22/4/2010، وأحيل الى مجلس الشورى
لقراءته وإقراره بصورة مستعجلة.
ويأمل مرصد البحرين لحقوق الإنسان أن يأتي التشريع متماشياً مع
توجيه منظمة العفو الدولية بتعريف الإغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي
على أنه سلوك جنسي أكرهت الضحية عليه، بالعنف أو بوسائل غير عنيفة.
وينبغي عدم الافتراض في القانون أو في الممارسة أن قبول الضحية قد
تم، فقط لأنها لم تبد مقاومة جسدية. وأكثر من ذلك ينبغي أن يعرِّف
القانون الجنائي الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي على أنه جريمة
ضد السلامة البدنية والعقلية للضحية، وليس كجريمة ضد الفضيلة والشرف،
فحسب.
وحسب منظمة العفو الدولية، ينبغي أن لا يتضمن القانون استثناءات
لجناة بعينهم. كما يجب أن لا تتعرض الضحية التي تبلغ عن عنف جنسي أو
عنف على أساس جنسها لخطر توجيه الاتهام إليها بتهم من قبيل الزنا أو
خرق قوانين الهجرة أو ما شابه ذلك. كما ينبغي أن لا تتعرض لخطر فقدان
حق الوصاية على الأطفال.
■ عملت البحرين على تقنين الأحوال الشخصية، وأقرّ مجلس النواب البحريني
في 14/5/2009 القسم السنّي من قانون (الأحوال الشخصية) في حين رفض
علماء الشيعة قبول الشقّ الآخر المتعلق بهم، ليس على خلفية الإعتراض
على نصوصه، أو على أهمية التقنين، وإنما على الضمانات الدستورية التي
يطلبونها. ولازال النقاش مستمراً لإقناع العلماء الشيعة والنواب في
البرلمان به لإقراره.
وينظر العديد من المراقبين والناشطين الى القانون بأنه يمثل تطوراً
تشريعياً بالغ الأهمية في صيانة حقوق المرأة، والتصدّي لحالات العنف
وإجحاف الحقوق التي تتعرض لها.
في ذات سياق الجهود التشريعية، عرضت عضوة مجلس الشورى د. فوزية
الصالح (مارس 2010) ورقة بعنوان: (دور المؤسسة التشريعية في مكافحة
العنف الأسري)، بينت فيها دور المجلس في ذلك، وما قام به عبر مراجعة
القوانين النافذة حول التمييز والعنف، وتقديم المقترحات القانونية.
وأوصت د. الصالح بدراسة مشكلة العنف الأسري بشكل معمق وجذري، والاسترشاد
بالقوانين والمواثيق الدولية، إضافةً إلى ضرورة إيجاد الشراكة الحقيقية
بين الجهات المختصة للحد منه.
يخلص من هذا كلّه، أن الثغرات القانونية التي يمكن منها النفاذ
والتعدّي على حقوق المرأة أو ممارسة العنف ضدّها، لا تزال موجودة.
فالقوانين والتشريعات التي صدرت ليست كافية، وهناك بطء في إصدارها
، بالرغم من إن التطور ملحوظ ومستمر في هذا الصعيد.
2 ـ التبليغ بصورة آمنة وفي الوقت المناسب عن الجريمة الجنسية
أو الجريمة القائمة على جنس المرأة
هناك جملة من المحددات والإرشادات التي وضعتها منظمة العفو الدولية
في هذا الموضوع بينها:
■ يتعين على الدول ضمان أن لا تقوم الشرطة وغيرها من الموظفين المكلفين
بتنفيذ القانون، بأية طريقة من الطرق، بتخويف ضحايا العنف الجنسي،
أو تهديدهن أو إذلالهن، سواء عندما يتقدمن بشكاواهن أو أثناء التحقيق.
■ ينبغي وجود قواعد سلوك نافذة تكفل أداء رجال الشرطة عملهم بصورة
حرفية مع ضحايا العنف الجنسي أو غيره من أشكال العنف على أساس النوع
(الجندر).
■ ينبغي السماح للضحايا باصطحاب مستشار قانوني في أية اجتماعات
مع الشرطة أو غيرهم من المحققين.
■ ينبغي تدريب رجال الشرطة على أفضل الأساليب في مقابلة الضحايا
اللاتي تعرضن للعنف الجنسي ودعمهن. وبالنسبة للبحرين، فقد عُـقدت في
2 فبراير 2010 برامج تدريبية لأفراد شرطة خدمة المجتمع، بالتعاون
مع مركز بتلكو لرعاية حالات العنف الأسري. وتضمنت البرامج عدداً
من الدورات في مجال الاستماع والإرشاد لضحايا العنف الأسري، وكذلك
الزيارات المنزلية، والمشكلات الأسرية، ومشكلات المراهقة وطرق التعامل
معها، وكذا دورات حول العنف ضد الأطفال، وبرنامج تعديل السلوك.
■ ينبغي مقابلة الضحايا في بيئة آمنة تكفل الخصوصية. ولا يجوز،
بأي حال من الأحوال، وضع المشتكية رهن (الاحتجاز الوقائي).
■ يجب أن تتاح للضحايا المحتجزات بأي شكل من الأشكال لدى الدولة،
أو داخل أي أطر مؤسسية أخرى، وسيلة آمنة للتقدم بالشكاوى إلى الهيئة
المناسبة خارج هذه المؤسسة.
■ لا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن تتولى التحقيق في الشكوى جهة
داخلية. بل يتولى مثل هذا القضايا هيئة شرطية متخصصة في التحقيق في
العنف الجنسي وفي أشكال العنف الأخرى القائمة على النوع الاجتماعي.
3 ـ جمع الأدلة الشرعية وتوفير الرعاية الطبية بصورة مناسبة
وهنا ينبغي تدريب المهنيين الطبيين وفق بروتوكول منظمة الصحة العالمية
للتعامل مع جمع الأدلة الشرعية في قضايا العنف الجنسي وغيره. وينبغي
أن يتعلم هؤلاء كيفية تدوين الملاحظات وجمع العينات على نحو يضمن صلاحية
الأدلة للاستخدام في المحاكمات الجنائية.
4 ـ يجب أن تتاح للضحية الحصول على الخدمات الصحية المناسبة في
الوقت المناسب
حسب المعايير الحقوقية الدولية فإنه:
■ ينبغي أن تكون الخدمات الصحية متاحة وميسرة لجميع ضحايا العنف
الجنسي وغيره.
■ ينبغي أن يكون بإمكان الضحايا اللاتي يلتمسن الحصول على الخدمات
الصحية إثر التعرض للعنف الجنسي رؤية طبيب ممارس من اختيارهن (رجلاً
أو امرأة).
■ ينبغي أن تقدم هيئات الخدمات الصحية للمرأة أو الفتاة التي تعرضت
للاغتصاب الرعاية الطبية المناسبة، والدعم النفسي الأولي اللازم.
■ ينبغي تدريب المهنيين الطبيين الذين يتعاملون مع الناجيات فور
تعرضهن للعنف الجنسي، أو لغيره من أشكال العنف القائمة على جنسهن،
على كيفية التعامل مع احتياجات الناجيات بصورة مهنية ومساندة، وعلى
معالجتهن في إطار من الخصوصية اللازمة وبلا تمييز.
5 ـ أن تتسم التحقيقات في الجرائم بالكفاءة والدقة
وفي هذا الإطار هناك بعض الملاحظات الهامّة:
■ ينبغي على سلطات التحقيق أن تحمي هوية الناجية وتبقيها سراً إذا
أرادت الناجية ذلك.
■ يتعين على الشرطة أن لا تصدر حكماً مسبقاً على الأدلة بتكذيب
رواية المشتكية أو بتشجيعها بصورة غير رسمية على إسقاط الشكوى بزعم
أن ذلك في مصلحتها.
■ ينبغي اعتماد معايير واضحة لتحديد الوقت الذي تحيل فيه الشرطة
القضية إلى المدعي العام.
■ لا يجوز أن تتوسط الشرطة لعقد اتفاقات بين الجناة والضحايا، ولا
ينبغي أن تيسِّر دفع تعويضات غير رسمية أو تشجِّع على تسويات من خلال
نظام قانوني مواز كنظام المحاكم القبلية.
■ ينبغي جمع معلومات إحصائية بشأن الجريمة فور الانتهاء من التحقيق
ونشرها على الملأ.
■ يتعين على المدعين العامين مباشرة الإجراءات ضد المشتبه فيهم
حيثما توافرت أسباب لذلك.
■ إذا ما قرر الادعاء العام عدم مواصلة القضية، فينبغي تدوين أسباب
هذا القرار وإبلاغ المشتكية على وجه السرعة. ولا يجوز اللجوء إلى التستر
من جانب الإدّعاء لفضّ القضايا التي تتوافر لديه أدلة كافية للمضي
قدماً فيها، إذا ما ظلت المشتكية على رأيها في مواصلتها.
■ ينبغي تدريب المحامين والمحققين العاملين في مكتب الادعاء العام
على طرق التعامل مع ضحايا العنف الجنسي أو غيره من أشكال العنف على
أساس النوع. وفيما يتعلق بالبحرين، وفي هذا الموضوع بالذات، أوضحت
رئيسة مركز بتلكو للعناية بحالات العنف الأسري د. بنه بوزبون أنَّ
المركز قدم تدريباً من هذا النوع لمنتسبي شرطة المجتمع اختصت بفنون
التعامل مع المتعرضات للعنف الأسري. والمركز بصدد القيام بست دورات
تتعلق بفن التعامل مع ضحايا العنف لكل من المراهقين والأطفال؛ كما
سيقدم دورات متخصصة لشرطة المجتمع حول مبادئ التعامل مع حالات العنف
الأسري بكافة أنوعها. وسبق للمركز أن قدم دورات لوكلاء النيابة والضباط
والقضاة في طريقة التعامل مع حالات العنف الأسري بقصد زيادة الوعي
لهذه الفئة التي تتعامل بشكل كبير مع قضايا تتعلق بالعنف الأسري.
■ ينبغي أن يضمن المدعون العامون تأمين الحماية المناسبة للشهود
من التعرض لمزيد من العنف عبر تدابير لحماية الشهود، ولا يجوز تحت
أي ظرف من الظروف أن تتخذ الحماية شكل الاحتجاز الحمائي.
■ ينبغي أن يحافظ المدعون العامون على كرامة الضحايا والشهود في
قاعة المحكمة بضمان استجواب الشهود من جانب محامي الدفاع بصورة مهنية،
ودون اللجوء إلى تكتيكات لتقويض مصداقية الشهود.
6 ـ أن تتسم المحاكمات بالنزاهة والأهليّة والكفاءة
■ يجب أن تكون المحاكمات نزيهة وخالية من التمييز، كما يجب حماية
حقوق الضحية والمتهم.
■ القضاة مسؤولون عن الحفاظ على سرية هوية الضحية إذا ما اختارت
الضحية ذلك.
■ ينبغي تدريب القضاة والمحامين على فهم طبيعة جرائم العنف الجنسي
وغيرها من أشكال الجرائم على أساس النوع.
■ ينبغي أن تكون الأحكام المفروضة على الجناة ممن يتبين ذنبهم بجرم
الاغتصاب والعنف الجنسي متناسباً مع جريمتهم.
|