الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية

البحرين والحق في السكن

رغم صدور العهدين الدولين المتعلقين بالحقوق السياسية والمدنية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في وقت واحد (1966)، ظلت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أقل الحقوق اهتماماً في منظومة حقوق الإنسان، ويُـعزى ذلك لعدة أسباب منها:

■ غلبة الحقوق السياسية والمدنية على الاقتصادية. حيث ما زالت قضايا وانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، كما القتل خارج نطاق القضاء، والاعتقال والاحتجاز التعسفي، وكذلك المحاكمات غير العادلة ..إلخ، هي الطاغية في عالم ما زال يتلمس خطاه في البحث عن النظام السياسي المناسب ليحكمه. كما أنَّ دول الغرب في صراعها المحموم مع المعسكر الإشتراكي إبان الحرب الباردة سلطت الأضواء على الحقوق السياسية والمدنية دون غيرها.

■ ظلت الدول النامية تقدم الأعـذار تلو الأعذار حول صعوبة تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجهة التكلفة الباهـظة التي يتطلبها الإيفاء بمثل هذه الحقوق، بينما تتمسك كثير من دول العالم الأول بعدم تقديم دعم فني ومادي للدول النامية بدون تحقيق تقدم في المسار السياسي ودمقرطة المجتمع.

■ الفساد في كثير من الدول أدَّى إلى عدم الإيفاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

■ ضعف الثقافة بحقوق الإنسان عموماً، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على وجه التحديد.

■ ضعف كادر المنظمات الدولية المؤهل في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الحق في السكن الملائم هو واحد من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنظر إلى الزيادة السريعة في النمو السكاني في جميع أنحاء العالم. هذا الحق منصوص عليه في المادة 25 (1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كل الصكوك المشار إليها تشير إلى هذا الحق في إطار (الحق في حصول الشخص على مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته).

وكانت البحرين قد انضمت للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 2008، الامر الذي جعلها تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية وسياسية تفرض عليها الوفاء بما احتواه من أحكام، ولا سيما الحق في السكن لمواطنيها. ويؤثر هذا الحق على عدد من القضايا الهامة ذات الصلة به بما في ذلك التمتع بالحماية ضد عمليات الإخلاء القسري، وحماية المستأجر، وعدم التمييز في توزيع المساكن التي توفرها الحكومة، أو الحصول على الخدمات الأساسية ذات الصلة بالسكن. وتلعب المحاكم الوطنية دوراً عندما تتدخل للبت في القضايا المتصلة بهذه المسائل من أجل ضمان التمتع بهذا الحق.

تماشياً مع هذا الالتزام الدولي، ينص ميثاق العمل الوطني في البحرين على الضمان الاجتماعي للبحرينيين بموجب الفصل 1، الفقرة (6):

(تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي في مثل هذه الحالات).

وتكررت المادة 5 (ج) من دستور مملكة البحرين النص أعلاه الوارد في ميثاق العمل الوطني على النحو التالي:

(تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة والمرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتسعى جاهدة لوقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة).

علاوةً على ذلك، تنص المادة 9 (و) من الدستور صراحة على التزام الدولة بـتوفير السكن، خاصة (لذوي الدخل المحدود): (تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين).

لترجمة جميع هذه المواد إلى عمل، بذلت البحرين جهوداً لتوفير مساكن مناسبة، أو لتقديم بدل سكن لتغطية قيمة الايجار للعدد المتزايد من السكان. على سبيل المثال، بين عامي 2005 و 2009 خصصت البحرين 17500 وحدة سكنية للبحرينيين وتقديم بدل سكن لـ 24000 أسرة، وفقاً لوزير الاسكان الشيخ ابراهيم بن خليفة آل خليفة. وقال الوزير إنَّ وزارة الاسكان ماضية قدماً في تنفيذ خططها الاستراتيجية لتوفير السكن الملائم للمواطنين وتعزيز التنمية المستدامة في البحرين (الأيام ، 14/10/2009). وتأتي هذه الخطط، التي وافق عليها مجلس التنمية الاقتصادية، واعتمدها مجلس الوزراء، في إطار الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين ‮لعام 0302. ‬ على ضوء هذه الخلفية تـتسارع جهود البحرين لبناء أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية في مختلف أنحاء البلاد بحلول عام 2011 (البلاد، 19/10/2009).

رغم كل هذه الجهود، فإن المشكلة تبدو بعيدة عن الحل حيث لا يزال أكثر من 35000 من طلبات الإسكان قيد النظر ويتعين النظر فيها. وهناك أيضاً مشكلة قوائم الانتظار الطويلة. وفي 13 سبتمبر 2009، أقرّ مجلس الوزراء الخطة الإسكانية المستقبلية للأعوام 2009 - 2014، والتي تهدف إلى تقليص فترات الانتظار والنظر في جميع الطلبات بحلول عام 2011، وتلبية كافة طلبات الإسكان التي على قوائم الانتظار منذ عام 2002. وبوجهٍ عام، فإنَّ الوزارة تتطلع أيضاً الى تقليص فترة الانتظار لطلبات السكن إلى 5 سنوات فقط.

من ناحية أخرى، ينبغي تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين للتعامل مع هذه المشكلة المزمنة. في هذا السياق يمكن للحكومة أن تزيد مخصصاتها لوزارة الإسكان، وأن يرفع سقف القروض الاسكانية التي توفرها الحكومة وهو ما يسعى البرلمان لتشريعه. فضلاً عن ذلك، يجب أنْ تعاد الأراضي التي خصصت مؤخراً للاستثمارات التجارية، والتي كانت مخصصة أساساً للإسكان. كذلك هناك حاجة إلى الاستجابة الفورية للاحتياجات العاجلة والطارئة للسكن من خلال توفير مساكن مؤقتة. وفوق ذلك من الأهمية بمكان إعادة النظر في السن اللازمة لقبول الطلبات والسماح للمواطنين الذين تجاوزوا سن الخمسين بتقديم طلبات للحصول على السكن، لأنَّ استبعاد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 50 عاماً هـو تمييز واضح ضد المسنين.

وأخيراً، فإن أزمة الإسكان في البحرين لاتزال تلقي بخلفياتها السلبية على الموقف من أداء الحكومة، وقد تسبب في توترات سياسية، وطائفية، كما حدث في بعض الحالات مؤخراً، والتي زُعم خلالها أن الحكومة لم تتقيّد بالقانون في توزيع المساكن الجاهزة على مستحقيها، وفق مبدأ الأقدمية.