الحقوق الإقتصادية والإجتماعية
البحرين و (الحق في العمل)
رغم صدور العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق السياسية والمدنية،
وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في وقت واحد (1966)، ظلت
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أقل الحقوق اهتماماً في منظومة
حقوق الإنسان، ويُـعزى ذلك لعدة أسباب منها:
- غلبة الحقوق السياسية والمدنية على الاقتصادية. حيث
ما زالت قضايا وانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالتعذيب والمعاملة
القاسية واللاإنسانية، كما القتل خارج نطاق القضاء، والاعتقال
والاحتجاز التعسفي، وكذلك المحاكمات غير العادلة ..إلخ، هي الطاغية
في عالم ما زال يتلمس خطاه في البحث عن النظام السياسي المناسب
ليحكمه. كما أنَّ دول الغرب في صراعها المحموم مع المعسكر الإشتراكي
إبان الحرب الباردة سلطت الأضواء على الحقوق السياسية والمدنية
دون غيرها.
- ظلت الدول النامية تقدم الأعـذار تلو الأعذار حول صعوبة
تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجهة التكلفة الباهـظة
التي يتطلبها الإيفاء بمثل هذه الحقوق، بينما تتمسك كثير من دول
العالم الأول بعدم تقديم دعم فني ومادي للدول النامية بدون تحقيق
تقدم في المسار السياسي ودمقرطة المجتمع.
- الفساد في كثير من الدول أدَّى إلى عدم الإيفاء بالحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- ضعف الثقافة بحقوق الإنسان عموماً، وبالحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية على وجه التحديد.
- ضعف كادر المنظمات الدولية المؤهل في مجال الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية.
ويأتي الحق في العمل في مقدمة الحقوق التي يفترض الإهتمام بها وتسليط
الضوء عليها، فهو حق أصيل نصت عليه المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان، والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية. وكانت البحرين قد انضمت للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية في عام 2008، الامر الذي جعلها تتحمل مسؤولية
قانونية وأخلاقية وسياسية يفرض عليها الوفاء بما احتوته من مواد، وفي
مقدمها الحق في العمل لمواطنيها.
وتمشياً مع هذا الالتزام الدولي، تحدث (ميثاق العمل الوطني) في
البحرين عن العمالة والتدريب:
(تأخذ دولة البحرين في اعتبارها أن أعظم الثروات التي تملكها هي
المواطن البحريني ذاته، الذي أثبت قدرة متميزة في مجال التحصيل العلمي
والثقافي. ولذا فإن دعم المواطن بالتدريب المستمر والتدريب التحويلي
من شأنه أن يدفع بخبرات ودماء متجددة في سوق العمل، مما يسمح بتوفير
مجال أرحب من فرص العمل لهذا المواطن).
وجاءت المادة 13 من دستور مملكة البحرين كترجمة طبيعية لميثاق العمل
الوطني حيث نصت على:
أ) العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام،
ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه، وفقا للنظام العام والآداب.
ب) تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه.
ج) لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال التي يعينها
القانون لضرورة قومية وبمقابل عادل، أو تنفيذا لحكم قضائي.
د) ينظم القانون، على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية،
العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال.
وقد قطعت البحرين شوطـاً كبيراً في مسألة توفير فرص عمل مناسبة
للإيفاء بحق المواطن في العمل، حيث انخفضت نسبة البطالة، ولكن لاتزال
هناك مشاكل أخرى تتعلق بسوق العمل. وفي هذا الصدد أشارت التقارير إلى
تـمكن (وزارة العمل من توظيف ما يقارب الـ (5) آلاف امرأة منذ تدشين
مشروع التأمين ضد التعطل في ديسمبر من العام 2007)(الوقت، 22/09/2009).
ويـبدو أن ملف الخريجين والخريجات الجامعيين هـو التحدي الماثل
حالياً فيما يتعلق بالحق في العمل. وآخر اجتهادات الدولة في الوفاء
بهذا الالتزام ما أكّد عليه وزير العمل د. مجيد العلوي بشأن (مشروع
توظيف 4500 جامعي يستهدف شواغر القطاع الخاص وإعادة تدريب وتأهيل العاطلين
الجامعيين بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل)(الوقت، 13/11/2009). وكان
وزير الدولة للشؤون الخارجية د. نزار البحارنة قد أعلن في أكتوبر 2009
عن استكمال توظيف 1377 جامعيـاً من أصل 1912. ويترأس البحارنة مجلس
إدارة صندوق العمل (تمكين) والذي يـعمل من خلال شراكة مع وزارة العمل
من أجـل الحد من البطالة.
لا يمكن محاربة البطالة دون توفير المناخ المناسب للعمل بدءاً بالتأهيل
الأكاديمي والتدريب المناسب. ولأنَّ العمل صار مرتبطـاً بالتعليم،
صار لزاماً على الدولة توفير التعليم حتى مرحلة الأساس مجاناً. وسوف
نعالج مسألة الحق في التعليم في عدد قادم. وفي إطار محاربة البطالة
أشار وكيل وزارة العمل جميل حميدان إلى قيام وزارة العمل بتشكيل (قاعدة
معلومات ممتازة عن سوق العمل وتخصصات العاطلين ومشاكلهم وميولهم ومستوياتهم).
كما أشار إلى تنظيم دورة تدريبية لمدة 6 اشهر لإكساب العاطلين عن العمل
مهارات أساسية في اللغة الإنجليزية والحاسوب تمكنهم من المنافسة في
سوق العمل (الوقت، 13/11/2009).
ويمتد إلتزام الدولة إلى أكثر من توفير فرص العمل، إذ يقع عليها
عبء الحماية ضد التعطل بسبب فقدان الوظيفة. ويشكل قانون التأمين ضد
التعطل إحدى الوسائل التي تحمي بها البحرين العاملين والعاملات. وكانت
وزارة العمل قد تدخلت في نهاية سبتمبر 2009 في أزمة العاملات في رياض
الأطفال التي انفجرت عقب قرار تأجيل افتتاح رياض الأطفال (الخاصة)
بسبب انفلونزا الخنازير. وصدر قرار من وزارة العمل باعتبار العاملات
مسرحات من العمل ويحق لهن الاستفادة من مزايا قانون التأمين ضد التعطل
وصرف تعويضات وإعانات التعطل التي تحميهن من تداعيات انقطاع الدخل
خلال فترة التعطل (أخبار الخليج، 24/09/2009).
إنّ الانضمام للاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية تساعد
في حماية حقوق العمال خاصة النساء.
مثلاً هناك الاتفاقيات التي تنص على إجازة الأمومة والحضانة للأم
التي تضع مولوداً أثـناء فترة عملها. وليس بالضرورة أنْ تنضم البحرين
لهذه الاتفاقية إذا عملت بروحها. وسوف تساعد مثل هذه التشريعات في
تمكين المرأة وحمايتها من التمييز عندما يرفض أصحاب العمل الخاص استخدامها.
وكانت البحرين قد صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة
بتنظيم حقوق العمل والتنظيم النقابي بشكل عام، أو الأحكام المتعلقة
بتنظيم عمل النساء بشكل خاص، التي تمثل الإطار القانوني لحماية المرأة
العاملة، وتوفير الضمانات القانونية لكي تتمكن من التوفيق بين مسؤولياتها
الأسرية، ووظيفتها المهنية والنقابية، وأهم الاتفاقيات التي صدقت عليها
البحرين هي:
الاتفاقية المتعلقة بالعمل الجبري أو الإلزامي، 1930 (رقم 29).
الاتفاقية المتعلقة بتفتيش العمل، 1947 (رقم 81)؛ الاتفاقية المتعلقة
بالتمييز (في الاستخدام والمهنة)، 1958 (رقم 111)؛ الاتفاقية المتعلقة
بالراحة الأسبوعية (في المنشآت الصناعية)، 1921 (رقم 14)؛ اتفاقية
العمل ليلاً (للنساء) (مراجعة)، 1948 (رقم 89)؛ الاتفاقية المتعلقة
بالتأهيل المهني والعمالة (المعوقون)، 1983 (رقم 159)؛ اتفاقية إلغاء
العمل الجبري، 1957 (رقم 105)؛ الاتفاقية المتعلقة بأسوأ أشكال عمل
الأطفال، والتدابير الفورية للقضاء عليها، 1999 (رقم 182).
سوف نتناول في كل عدد أحــد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية بهدف التعريف بهذه الحقوق وتعزيزها وحمايتها.
|