سبت: جمعية الصحافيين ليست شرطياً!

هل هي معركة من أجل (حرية الصحافة)؟

شهد الشهر الماضي قضيتين مثيرتين للجدل تتعلقان بالصحافة، تداخلت فيهما أطراف قضائية وحكومية وصحافية، وهي أطراف تختزن المشكلة نفسها.

لا يبدو أن المشكلة في البحرين ـ كما يشهد الواقع ـ تعود الى نقص أو تقلّص في هامش حرية الصحافة، ولا الى وجود نيّة مبيّتة من قبل الحكومة للتضيق على الصحافيين. لكن هذا لا يخفي حقيقة القلق وسط الجسم الصحافي البحريني من احتمالية تآكل هوامش الحرية، وتزايد الضغوط على الصحافيين، في ظل غياب قانون ينظّم عمل الصحافة لازال عالقاً في مجلس النواب ينتظر دوره للنقاش والتعديل ومن ثم الإقرار.

ولو أردنا تحديد المشكلة فإن ثلاثة عوامل خلقتها:

الأول، غياب القانون الناظم لعمل الصحافة والإعلام الأهلي بشكل عام، سواء كان اليكترونياً أو مطبوعاً أو مذاعاً عبر الأثير. ويتحمل مسؤولية التأخير طرفان: الحكومة التي تأخرت في إرسال مشروع القانون الى مجلس النواب، والأخير الذي لم يضع مناقشة مشروع القانون الجديد ضمن أولوياته.

الثاني، ويتعلق بعلاقة الحكومة بالجسد الإعلامي والصحافي. ويتحمّل المسؤولية في ذلك أيضاً الطرفان. فهناك (أقليّة) حكومية لا تستسيغ وقد لا تتحمل حجم النقد الصحافي الموجه لوزارات ومؤسسات وأشخاص يعملون في الشأن العام. ويوجد في الطرف الحكومي ثلاثة أطراف واضحة المعالم، وإن لم يستبان حجمها: طرف يميل الى (تقليص) حرية الصحافة، نستطيع الزعم بأنه يمثل أقليّة، ولا يحتمل في المدى المنظور نجاحه وتأثيره على مشروع القانون الجديد المتوقع صدوره. وطرف ثان، يميل الى (تجميد) مستوى الحريات الصحافية عند وضعها الحالي، وهو طرف براغماتي، قد يمنح الصحافيين هامشاً في جانب، ليحقق ضبطاً في جانب آخر. وهناك طرف ثالث نظنّ انه يمثّل أقليّة أيضاً، وهو مع (توسيع) هامش حرية الصحافة أكثر مما هو متاح حالياً. لكن إرادة الحكومة ستقابلها إرادة من قبل مجلس النواب الذي يميل حسب التصريحات المنشورة لبعض أعضائه الى توسيع فضاء الحرية الصحافية والإعلامية.

ومن جانب الصحافيين والإعلاميين عامّة، فإن هناك نزعة قويّة ـ خاصة مع تأخّر صدور القانون الجديد ـ باتجاه تجاوز القانون القائم الذي يجري على أساسه ضبط العمل الصحافي والإعلامي، والذي يحتوي قدراً لا بأس من مقيّدات ومعوّقات. وكأن هؤلاء الصحافيين قد ضاقوا ذرعاً، ويريدون دفع ما يعتقد انها خطوط حمراء الى الوراء، ليتوسع هامش الحرية على أرض الواقع قبل أن يصبح قانوناً مصدقاً عليه وملزماً. يقابلهم في هذا، مسؤولون يريدون تفعيل القانون القائم نفسه، لدفع الصحافيين الى الوراء، أو لوقف ما يعتقدون أنه هجوماً بحاجة الى (كبح). وقد تمثل الكبح في قيام بعض المسؤولين برفع دعاوى قضائية (مشروعة من وجهة نظرهم) على صحافيين تزايد عددها في الآونة الأخيرة.

الثالث: ويتعلق بالإجراءات القانونية والقضائية الموكل اليها البت في قضايا المخالفات الصحافية. فحتى الآن هناك اعتراض واسع وشامل من قبل الجسم الصحافي ضد محاكمة الصحافيين وفق القانون الجنائي. وأيضاً هناك غموض في طبيعة الإجراءات القانونية إزاء المخالفات، ما سبّب مشكلة واضحة في قضية الصحافي حسين سبت. ويفترض أن يحلّ القانون الجديد للصحافة هذه المشكلة عبر تحديده للآليات، أو/و عبر ضوابط ميثاق الشرف الإعلامي الذي يجري مناقشة بنوده من قبل جمعية الصحافيين.

حسين سبت

بين النيابة العامة وصحيفة الوقت

فجرت صحيفة الوقت معركة مع النيابة العامة على خلفية استدعاء أحد صحفييها (حسين سبت) للتحقيق معه بشأن خبر تم نشره، ومن ثم إحالة الدعوى الى المحكمة. (الوقت) تحدثت في 28/6/2009م، عن وضع العصا في دولاب حرية الصحافة تقوم به النيابة العامة، ووصفت تصرفاتها بأنها مفاجئة، وأنها عمدت الى (ادعاءات غريبة عن الأعراف والسلوك القانوني الذي يفترض من النيابة العامة ومنتسبيها الإلتزام به أكثر من غيرها) ووصفت طريقة أدائها بأنها (غير مهنية).

وشرحت (الوقت) قصة الخبر ـ سبب المشكلة ـ وتداعياته بتفصيل كبير، حيث نشر حسين سبت خبراً في 11/3/2009م، تحدث فيه عن فساد في هيئة تنظيم سوق العمل، وقال بأن نائب رئيسها للعمليات (قدم استقالته منذ اسابيع على خلفية اكتشاف تلاعب في نسب البحرنة لصالح متنفذين) وأن (استقالته جرت بهدوء). الصحيفة نشرت في 13/3/2009م، وحسب قانون الصحافة، رداً من الهيئة يصحح بعض المعلومات وينفي الخبر جملة وتفصيلاً ويطالبها بالإعتذار. لكن نشر النفي والتصحيح لم يرضيا الشخص المعني بها، فاتصل بالصحيفة طالباً نشر اعتذار، وبادر الى تقديم شكوى ضد الصحافي.

وبناء على تكليف النيابة تقدمت الصحيفة والصحافي حسين سبت للإدلاء بالإفادة لدى مركز الشرطة. في 10 يونيو قيل بأن هناك رسالة من النيابة الى الصحافي أو الى الصحيفة، لكن لم تصل نسخة منها الى المعنيين، وفي 21 يونيو افيدت الصحيفة بأن هناك جلسة للنيابة العامة في اليوم التالي، ولكن لم تصل لأحد رسالة من النيابة بالأمر. وفي 26/6/2009م، فوجئت الصحيفة والصحافي ببيان صادر عن النيابة العامة يفيد بإحالة القضية الى المحكمة الجنائية، وبنص يقول: (علماً بأنه بتخلف الصحافي عن الحضور للنيابة للإستماع الى أقواله يكون قد فوّت فرصة الدفاع عن نفسه وتفنيد أدلة الدعوى).

(الوقت) رأت بأن عدم وجود إخطار مكتوب (ينبيء بأن توجهاً واضحاً لدى النيابة العامة باتخاذ اجراءات مقررة سلفاً ضد الزميل المعني والصحيفة).. ولكن النيابة العامة ـ وعلى لسان رئيسها أحمد بوجيري ـ أكدت في 29/6/2009م حقيقة انها لم ترسل اخطاراً مباشراً للصحافي المتهم، وحسب النص: (قامت النيابة بتاريخ 10 يونيو 2009 باخطار وزيرة الاعلام بطلب الصحفي المعني، كما أخطرت جمعية الصحفيين في ذات التاريخ بطلبه وبالجلسة المحددة للتحقيق معه).

الصحافي حسين سبت، أكد في مقابلة له (البلاد، 29/6/2009) على أن التجاوب مع النيابة العامة أمرٌ مفروغ منه (رغم أن اتصال مركز الشرطة بصحافي للحضور بشأن شكوى تخصّ خبراً صحافياً هو إجراء غير معهود في التعامل مع الصحافيين). وأضاف: (بعد ذهابي لمركز الشرطة لم أتلقَ أي إخطار شفوي أو كتابي بالحضور، وأما التذرّع بإخطار جمعية الصحفيين فقط، فمع كامل احترامي لهذا الإجراء، إلاّ أنه إجراء غير معهود، وقد بينت جمعية الصحفيين رأيها بأنها ليست شرطياً يقوم بإخطار الصحفيين، الأصح أن يتم إخطار الصحيفة التي يعمل بها الصحافي). مؤكداً على الحاجة إلى (تحديد آلية واضحة في التعامل مع الصحفيين في الشكاوى التي تثار ضدّهم).

وزير الديوان الملكي

4 قضايا ضد جريدة (الأيام)

لم تهدأ قضية سبت، حتى تفجرت قضية أخرى، بين وزير الصناعة والتجارة وصحيفة الأيام. الأيام ذات النفس الليبرالي هاجمت في (5/7/2009) الوزير بشكل مباشر، وعنونت هجومها: (في حملته ضد حرية الصحافة ومحاولته تكميم أفواهها، فخرو يرفع 4 دعاوى قضائية ضد الأيام)، وذلك في تقرير تحدثت فيه عن (توسّع الفجوة الحاصلة بين الوزير والقطاع الصحفي والإعلامي). وقالت الصحيفة أن سبب أحدها يتعلق بما نشرته الصحيفة في مايو الماضي حول مسألة تخلّص الوزارة من آلاف الأوراق والسجلات الرسمية وجدت في إحدى حاويات النفايات بقرية البرهامة، ما دفع بالمهندس سعيد العسبول رئيس الجمعية الأهلية لدعم التعليم والتدريب الى الإتصال بالوزارة وإبلاغها عن الوثائق السرية. وتقول الصحيفة أن الوزير هدد العسبول والصحافي في الأيام حسين الصباغ، وأنه اتصل بالعسبول مهدداً إياه بتحويله الى النيابة العامة.

في 8/7/2009، تحدثت صحيفة الأيام ـ نقلا عن إيلاف ـ أن صحافيين بحرينيين عقدوا مساء 7/9/2009م، اجتماعاً بحثوا خلاله خيارات (مواجهة من وصفوهم بأعداء حرية التعبير التي كفلها المشروع الإصلاحي) سواء من خلال القضاء أو من خلال مطالبة الملك بالتدخل لحماية الصحافيين بسبب (محاولة عدد من المسؤولين والجهات استهداف الصحف المحلية ومحرريها عبر رفع قضايا في المحاكم في قضايا لا تستحق اتخاذ تلك الخطوات، والسعي للنيل من الصحفيين عبر الردود الصحفية غير المهنية والطعن في مهنيتهم ووطنيتهم).

أحمد المدوب، رئيس لجنة الحريات بجمعية الصحفيين البحرينية، علّق على رفع دعاوى ضد صحافيي (الأيام) وغيرها بأنها تؤثر على حرية الصحافة التي شهدت ازدهاراً كبيراً، وطالب الجهات الرسمية بأن تجري مراجعة شاملة لمسألة تعاطيها مع الصحافة المحلية، واقترح إجراء حوار بينها مع جمعية الصحافيين.

رئيس اللجنة التشريعية في مجلس النواب، خليل المرزوق، عبر عن قلقه إزاء ملاحقة الصحافة والصحافيين في المحاكم لمجرد أنهم نشروا معلومات تتعلق بقصور أو تقصير في الوزارات والمؤسسات الرسمية، وأمل عدم الزج بالصحافة والصحفيين في أروقة المحاكم واصفاً ذلك بأنه مؤشر غير ايجابي ويتناقض مع رؤية الملك حول الصحافة المستنيرة ورؤية ولي العهد في الشفافية، مضيفاً بأن تضييق الخناق على الصحافة يعني زيادة الفساد والأخطاء والقصور في المؤسسات الحكومة.

وزارة التجارة انتقدت في بيان لها (10/7/2009) ما تلقته من (إتهامات متجنية على مدى أسبوع) طالت الوزير والوزارة، وأشارت الى أن رفع الدعاوى لا علاقة له بموضوع المستندات التي تم الحصول عليها في إحدى حاويات القمامة. مضيفة بأن رفع دعاوى قضائية حق (يصونه الدستور ويؤكده قانون الصحافة)، ومشددة على أن (الوزارة لم ولن تقف يوماً ضد ما يكتب أو ينشر من انتقادات أو ملاحظات أو تساؤلات أياً كانت وإلى أي إدارة أو قطاع فيها يوجه، وعلى أي مسؤول يعمل فيها بقصد البناء والإصلاح والمساءلة). لكن اعتراضها كان ضد الإساءة التي وجهت اليها (بشكل متعمد ومتجن وبقصد الاتهام فقط دون أي مبرر أو أسباب). وأكد بيان الوزارة على أن الدعاوى التي رفعتها (تتعلق بالتطاول والتجني وتشويه صورة الوزارة والتطاول على الوزير... ما يعتبر إساءة وقذفاً علنياً... استدعى انتهاج الطريق القانوني).

وإزاء الردود المتبادلة بين الوزارة و(الأيام) بادر وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وبطلب من الملك، الى جمع الطرفين وديّاً لحلّ القضية وذلك في 13/7/2009، وبعد الإجتماع صرح وزير الديوان بأنه قد (تم حل القضايا العالقة ودياً بين الوزارة والمؤسسة الصحافية) داعياً الى (تعزيز حرية الصحافة وإفساح المجال أمامها من أجل تنوير الرأي العام).