مهمات الجمعيات الحقوقية في المرحلة المقبلة
نحو نقلة استراتيجية في الميدان الحقوقي
أمام جمعيات حقوق الإنسان في البحرين مهمتان أساسيتان تمثلان مجال
عملها: الأولى، متابعة تفاصيل الأحداث اليومية، ورصد الخروقات، وإصدار
البيانات، وتصحيح الأوضاع حسبما يطرأ. والثانية، تتعلق بإحداث تحوّل
جذري في التوجهات العامّة في ثقافة المجتمع والأهم في سياسات الدولة،
من خلال العمل على إقرار تشريعات ملزمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان،
ومواءمة تشريعات الدولة مع المعاهدات الدولية، وتمتين العلاقة بين
الدولة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، والتشجيع باتجاه المصادقة على
الإتفاقيات الدولية ذات الصلة، وإحداث طفرة حقوقية نوعية في ثقافة
المجتمع.. كل ذلك سيؤدي في المحصلة الى: تحسين سلوك الحكومة الحقوقي،
بناء على تطبيقها للتشريعات التي أقرتها، أو المعاهدات التي وقعت عليها،
أي عبر القناعة والإلزام القانوني، وليس بالضرورة عبر التشابك الإعلامي
أو الضغط المحلي والدولي.
كلا العملين مطلوبين، أولهما يمثل العمل اليومي، والثاني يمثل الإستراتيجية
بعيدة المدى. العمل اليومي الميداني يدفع باتجاه التغيير الإستراتيجي،
والتغيير الإستراتيجي يقلّص وبشكل حادّ الخروقات اليومية، الناشئة
في الغالب من غياب التشريعات الملزمة، وعدم رسوخ ثقافة حقوق الإنسان
والإلتزام بها كمعايير، وضعف المؤسسات، وقلّة الخبرة والتدريب وغيرها.
هذا يفرض على المنظمات الحقوقية البحرينية، أن لا تنشغل فقط بالعمل
الميداني اليومي على أهميته، بل عليها أيضاً أن تفكر على المستوى الإستراتيجي
لنقل جهاز الدولة بمجمله ليعمل وفق الآليّة الحقوقية ويلتزم بها. أما
الإنشغال اليومي في متابعة الحالات الفردية، من دون ملاحظة آفاق المستقبل،
فقد يضيع على الجميع فرصة إحداث النقلة المطلوبة على المستوى الوطني.
من هنا، كان يجب الموازنة بين العمل اليومي قريب المدى، وبين العمل
الإستراتيجي بعيد المدى، بحيث لا تضيع الإستراتيجية، ويبقى العاملون
يمضون حياتهم في ملاحقة التجاوزات التي قد لا تنتهي. هذا يتطلب أن
تكون للمنظمات الحقوقية خطّة استراتيجية واضحة المعالم، أو تساهم في
خطّة موجودة على الأرض.
أمامنا الآن خطّة الحكومة التي قدمتها الى مجلس حقوق الإنسان التابع
للأمم المتحدة، ضمن آلية المراجعة الدورية الشاملة، وقد تعهدت الحكومة
بالقيام بخطوات كبيرة ـ باعتراف جمعيات حقوق الإنسان المحلية، وأعضاء
مجلس حقوق الإنسان الدولي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ـ على
مدى أربع سنوات. وحتى الآن مرّ عام كامل على تلك التعهدات، ونخشى أن
تضيع هذه الفرصة فتنتهي السنوات الأربع، دون أن تتمكن الحكومة وحدها
من تطبيق تلك التعهدات، ما لم تجد الدعم والتعضيد والمشاركة الفعلية
من قبل الجمعيات الحقوقية البحرينية، والتي طلب مجلس حقوق الإنسان
أن تكون جزءً رئيسياً في تلك التطبيقات.
لنقرأ التعهدات الحكومية مرّة أخرى، ولنفكّر كيف سيكون الحال إن
تمّ تطبيقها:
1/ تعهدت الحكومة بالتصديق على اتفاقيات حقوقية دولية ومواءمة التشريعات
الوطنية معها، مثل: اتفاقية العمال المهاجرين، واتفاقيات ذوي الإحتياجات
الخاصة، والإتفاقية الخاصة بالمفقودين، واتفاقية مكافحة الفساد، ومواد
مختلفة من اتفاقية مناهضة التعذيب، ومن اتفاقية مناهضة التمييز العنصري.
2/ وتعهدت الحكومة بتطبيق التزامات اتفاقيات حقوق الإنسان التي
تم التصديق عليها، على أن توكل هذه المهمة الى (اللجنة الوطنية لحقوق
الإنسان) التي أيضاً تعهدت الحكومة بتأسيسها، وذلك عبر تطوير أنشطة
محددة، وتقوية بناء القدرات، وزيادة برامج تدريب الشرطة ومسؤولي انفاذ،
القانون وموظفي الوزارات.
3/ متابعة حملة مكافحة الإتجار بالبشر.
4/ تعهدت الحكومة بالمتابعة السريعة لمشروع قانون الجمعيات الأهلية
حتى يتم إقراره من السلطة التشريعية، ومتابعة تطبيقة من قبل جهات رسمية
ومؤسسات مجتمع مدني محلية.
5/ تبنّي منهجيّة حقوق الإنسان في عملية التنمية.
6/ تنظيم ورش عمل وحلقات دراسية بشأن حقوق الإنسان، لزيادة الوعي
العام بها.
7/ تقديم تقرير سنوي تقييمي لقياس مدى التطور على أرض الواقع وتطبيق
التعهدات آنفة الذكر.
واضح أن الحكومة ألزمت نفسها بقضايا كثيرة، الى الحد الذي دفع بالدكتور
عبدالله الدرازي، أمين عام الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان لأن يقول،
بأن ما تعهدت به البحرين (رفع السقف الى ما هو أعلى من قدرة البحرين
على تنفيذها للإلتزامات التي أشير اليها، وأن البحرين مازالت غير مستعدة
لهذه الإلتزامات التي وضعتها على نفسها)، الأمر الذي يفهم منه أن الحكومة
تتمتع بقدر من الجدّية في التعاون مع مجلس حقوق الإنسان الدولي، وأنها
تريد إحداث نقلة في الوضع الحقوقي لديها، وأن ما طرحته (قد يكون) مفاجئاً
في حجمه لبعض نشطاء حقوق الإنسان. وهذا يرتّب على المنظمات المحليّة،
أن تساهم بصورة فاعلة، بل كشريك أساس معني بالعملية الحقوقية، في إنجاح
ما تعهدت به الحكومة على الصعيدين الدولي والوطني.
حتى الآن، فإن الحكومة شكلت لجنة وطنية تضم ممثلين عن مؤسسات المجتمع
المدني، من أجل بحث ووضع خطة لتطبيق تلك التعهدات. وحسب التقرير السنوي
الأول الذي رفعته الحكومة في يونيو 2009م لمجلس حقوق الإنسان، فإنها
أشارت الى بعض المنجزات، مثل إقامة العديد من ورش العمل للتدريب، ورفع
كفاءة وقدرات موظفين حكوميين، وتأسيس قاعدة بيانات عن حقوق الإنسان،
ومناقشة كيفية تشكيل (الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان) وفق مبادئ باريس،
وتطوير نظام العمل بحيث ألغى (نظام الكفيل)، وإقرار الشقّ السنّي من
قانون أحكام الأسرة. إضافة الى ذلك هناك بعض الإتفاقيات الدولية قيد
الدرس، وبعضها أرسل لمجلس النواب لإقرارها، مثل اتفاقية مكافحة الفساد.
ورغم هذا كلّه، ويجب ان نعترف مقدماً، فإن ما أُنجز حتى الآن قليل
بعد عام كامل، ويلقي بالشك في إمكانية الإيفاء بالتعهدات آنفة الذكر،
ولكن لاتزال هناك ثلاث سنوات أخرى، يمكن خلالها التسريع في الإجراءات
من قبل الجهات المختصة، إذا ما تمّت مشاركة الجمعيات الحقوقية بشكل
فعّال في خطة التنفيذ، واعتبرت ذلك عملاً استراتيجياً يستحقّ بذل الجهد
بشأنه وإنجاحه ووضعه في قائمة أولويات عمل الفترة القادمة.
|