دفعة للإصلاحات.. ضمانة الأمن وتعزيز الثقة
معضلة الثقة بين الحكومة والمعارضة مسألة موروثة من عهد ما قبل
الإصلاحات. وتعزيز الثقة او تنميتها يحتاج الى زمن، والى محفزات، والى
وقائع تدعمها على الأرض.
في عهد الإصلاحات، تقابلت الوجوه السياسية التي تصارعت في الماضي
في وضع جديد منفتح وحر منذ عام 2001، ولكن بقيت مع عدد منهم هواجسهم
ومخاوفهم تجاه (الآخر).
ويبدو أن المناخ الإصلاحي لم يستثمر بشكل صحيح لردم الهوّة المتوقعة
بين الطرفين والتي تواجهها كل الديمقراطيات الناشئة، وكان يفترض في
الإصلاحات أن تسكب الماء البارد على الهواجس والمخاوف (غير المشروعة)
لدى الطرفين، لا أن تلغيها، وإنما تقلصها يوماً بعد آخر الى أن يتمّ
(التطبيع) بشكل حقيقي، والإنتقال السلس بالبلاد الى مرحلة أخرى.
الطرفان محقّان في مخاوفهما، وكلاهما مارسا في نفس الوقت أخطاءً
ساهمت في التباعد، وطغيان الوساوس، حتى بلغت الذروة في الأشهر الأخيرة،
مع تصاعد حملات العنف والشغب.
الآن، وبعد العفو الملكي، ومشاركة جمعية الوفاق الفاعلة مدعومة
بقيادات دينية عليا، وشخصيات اجتماعية وسياسية، في تهدئة الساحة، يمكن
القول بأنه تمّ تجسير الهوّة بشكل جيّد، أو على الأقل بديء بعملية
التجسير وفق معطيات صحيحة.
لم يكن العفو، كما قال الشيخ علي سلمان، رئيس جمعية الوفاق، نابعاً
من ضعف الحكومة، ونزيد في القول بأنه لم يكن نابعاً من ضعف أدلّتها
ضد بعض من المعتقلين على خلفية أحداث أمنيّة، على الأقل، فهناك عنف
وشغب وقتلى، وهناك أدلّة ملموسة متوفرة لعموم المواطنين تبيّن أن هناك
رابطاً واضحاً بين (بعض) المعتقلين وما جرى. العفو جاء انتصاراً للوطن
والمواطنين وخطوة حاسمة لإبعاد التوتر بأقلّ الأثمان، ومن أجل إعادة
اللحمة بين جميع أطياف المجتمع.
ليست هذه هي المشكلة، والعفو إنما جاء لمنح كل الأطراف وفي مقدمتهم
المواطنين العاديين فرصة استعادة الثقة والأمل بتواصل العملية السياسية
وتعاون أطرافها في تطوير البلاد وتشريعاتها وتعزيز حقوق مواطنيها.
وإذا كانت أزمة الثقة بدأت تتقلص وتأخذ حجمها الطبيعي، فإن هناك
تساؤلات حول المستقبل، وضمانات استمرار الهدوء وتعزيز الثقة، وآليات
حل المشاكل التي قد تنشب. الملك من جانبه، في رسالة توجيهية، وضع محدداً
أساسياً، وهو تقوية الجهاز التشريعي كقناة تواصل بين الجمهور والحكومة،
وكطريق لتحصيل المواطنين حقوقهم. أما الشيخ علي سلمان، فأشار الى مسألتين
هامتين لطالما كانت الحكومة تطالب بهما: الأول ـ الدعوة مكرراً الى
ممارسة حرية التعبير وبينها الإحتجاجات السلمية (وفق القانون). والثاني
ـ استعداد جمعية الوفاق للنزول الى الشارع لإيقاف دعاة التخريب والشغب،
ورفع الغطاء عنهم وعن أفعالهم.
لكي تبنى الثقة وتتعزز، فإن هناك حاجة ماسّة الى دفعة جديدة لعملية
الإصلاحات اضافة الى مسائل أخرى من بينها:
- الإلتزام بالقانون المنظّم لحياة المواطنين ولممارساتهم السياسية،
فغياب المرجعية القانونية وعدم احترامها لا يبقى مجالاً للثقة. وأيضاً
لا بد من التأكيد على حيادية القضاء وعدم خرق حقوق المواطنين.
- رفع سقف حريات التعبير، وتوسعة فضاء الحرية، رغم وجود قدر كبير
متوافر منها، وذلك عبر إلغاء القوانين المعيقة، والإسراع في إقرار
قانون يكفل الحد الأقصى الممكن من الحريات، وكذلك عبر إفساح الطريق
للمزيد من منظمات المجتمع المدني بالبروز والنشاط.
- تفعيل عمل البرلمان، إذ لا يمكن له أن يكون مرجعية حقيقية، وإن
كان منتخباً، إن لم يحقق منجزات للمواطنين. وللحق فإن أداء أعضاء البرلمان
لم يكن مقنعاً أبداً في الفترة الماضية، وقد انساق بعض اعضائه في مهاترات
أضعفت مكانته، وزادت من الشقاق، وانعكس الأمر على الوضع الأمني بالسوء.
والبرلمان لكي يقوم بدوره الحقيقي، فإنه يحتاج الى تعديل اللوائح والقوانين
المعطلة أو المثبطة التي تمنعه من تطوير ذاته، في حين يصعب تحقيق تلك
التعديلات وزيادة مساحة المسؤولية الملقاة عليه بدون توافق مع السلطة
التنفيذية، وبدون حدود معقولة من الثقة.
- وضع ميثاق شرف إعلامي يتفق عليه الإعلاميون أنفسهم، يجنّب وسائل
الإعلام كافة من التحول الى أداة في التوتير الإجتماعي الطائفي والسياسي،
ويتعاطى مع القضايا والمخالفات ـ من أية جهة تصدر ـ بعقلية التسديد
لا التشهير.
- ولكي تتم الثقة، هناك دائماً حاجة ماسّة، الى توافر النوايا الحسنة
بين مختلف الأطراف الحكومية والأهلية، والتوقف عن التهويل والمبالغة،
وتصيّد الأخطاء، فليس كل خطأ يقف وراءه (مخطط حكومي) أو (مخطط إرهابي).
كما أن هناك حاجة ماسّة أحياناً الى (التغاضي) عن بعض المخالفات أو
الأخطاء الصغيرة غير المقصودة والتي تقع فيها الحكومة أو الجمعيات
السياسية وغيرها، طالما ان الجميع لم يبلغ مرحلة النضج والكمال، وطالما
أن البلاد لاتزال ضمن مرحلة انتقالية محفوفة بالتجربة والخطأ.
|