الشغب والعنف في البحرين لماذا؟

أحداث العنف والشغب في البحرين لم تتوقف بعد. ففي كل يوم يفاجأ المواطنون بحرائق في الشوارع، وتدمير محولات الطاقة الكهربائية، وإحراق سيارات، وقد تطوّر الوضع مؤخراً فصار العنف يضرب الأبرياء حرقاً في سياراتهم، أو حتى الإعتداء على المدارس.

سؤالان يشغلان بال المراقبين: إذا كانت البحرين بلداً غير قمعي وتعيش مساراً ديمقراطياً فلماذا يحدث العنف المناقض للعملية السياسية؟ ولماذا يستمر الشغب كل هذه المدّة الطويلة، وكأن لا أفق لإنهائه؟

الأنظمة التي تعاني من أزمة المشروعية مهددة بـ (الثورة). أما البلدان التي تتخذ المسار الديمقراطي فإنها غير محصّنة عن (الشغب) الذي قد يحدث في أية دولة في الدنيا ديمقراطية أو تسلطية، مع فارق أن الشغب قد يتطور الى ثورة في البلدان غير الديمقراطية.

لا تعاني البحرين من أزمة المشروعية، فقد تراكمت منذ عهد الإستقلال في استفتاء عام 1971م، وتكرّست عبر الإجماع حول الميثاق في استفتاء 2001. ثم إن العملية السياسية القائمة ـ رغم الإنتقادات التي تواجهها ـ توفّر مناخاً بعيداً عن العنف والشغب، أو هكذا يفترض، ولكن العنف والشغب لا يهددان مشروعية النظام، بقدر ما يهددان السلم الأهلي إن لم يتم ضبطه.

الشغب يقع في غالب الأحوال بصورة غير منظمّة، فهو ما يشبه ردّة فعل على قرار لا يرضى عنه بعض الجمهور، أما في البحرين فإن ما يلفت النظر هو أن الشغب منظّم، بمعنى آخر هو أداة يستخدمها الرافضون للعملية السياسية، إما من أجل تعويقها أو لتحصيل مكاسب سياسية يعتقدون بأنها مستحقة.

رأى بعض المراقبين أن العملية السياسية نجحت في استقطاب الجزء الأعظم من الجمهور البحريني، ولكن بقيت فئة رفضتها وأصبحت خارجها، وبالتالي كانت هناك حاجة الى دفعة أقوى ومحاولة أخرى لتسريع العملية السياسية من أجل استيعاب الأجنحة المتشددة ضمنها.

هذا إذا كانت تلك الأجنحة تؤمن بالعملية السياسية، وتجد فيها إغراءاً وبديلاً عن التحريض على الشغب. أما إذا ما كانت تبحث عن مشروع راديكالي يقلب المعادلة رأساً على عقب ويلغي إرادة الأكثرية، فحينها لا أمل في محاولات الإستيعاب، ويجب البحث عن حلول أخرى. ففي هذه الحالة لا تكون المشكلة في العملية السياسية ولا ضيق أفقها ولا في قدرتها على الإستيعاب، ولا في صلاحيتها وفائدتها وما تقدمه من إغراءات للقوى السياسية الناشطة.. وإنما مشكلة أقليّة تنقلب على خيار الأكثرية.

قد يقال أيضاً بأن الشغب والعنف وليد ثقافة عنفية، بمعنى أن ثقافة حقوق الإنسان، والحقوق المدنية والسياسية التي جاء بها الميثاق لم تترسخ بعد في الوجدان الشعبي، سواء لدى ممارسي الشغب أو حتى غيرهم ممن لا يمارسونه. وبلا شك فإن هذه الثقافة لاتزال موجودة، وإن كانت محصورة في أقليّة، ولا يوجد حل لهذا إلا (الوقت) حتى تتمكن الثقافة الجديدة من النفوس، ويجري تطبيقها على ارض الواقع.

أيضاً هناك من يلقي مسؤولية الشغب على الأوضاع الإقتصادية والبطالة، ولكن الوضع في البحرين ليس بذلك السوء، خاصة مع وضع مشروع التأمين ضد التعطّل قيد التنفيذ، والذي امتصّ حتى الآن نسبة عالية من العاطلين عن العمل، وهو المشروع الذي لا يوجد له مثيل بين الدول العربية. فضلاً عن المعونات التي تلقاها الأسر محدودة الدخل والأرامل واليتامى، وغيرها من المشاريع.

أياً كان التحليل لأسباب ظاهرة الشغب المزعجة في البحرين، فإنها ظاهرة مرفوضة كونها ظاهرة عنفية منظمة تستخدم لأغراض سياسية، وكون أعمال العنف تأتي على الممتلكات العامة، وكونها تتعدّى على حقوق المواطنين بالتخريب بل وتتعدى على أرواح الأبرياء بالقتل عبر قنابل المولوتوف، والذي راح ضحيتها أخيراً العامل الآسيوي حرقاً.

كل الجمعيات السياسية والحقوقية أدانت الشغب والتعدّي على الآخرين وعلى الممتلكات العامة والخاصة.

ولكن هل هذا الشغب بلا أب؟ بلا موجه أو محرّض؟

من يدافع عن الشغب ويعتبره حقاً مشروعاً هو المستفيد منه. فلا أحد يستطيع أن يزعم بأن حرق محولات الكهرباء يمثل (تعبيراً سلمياً) ولا قذف القنابل الحارقة على سيارات الأفراد والشرطة بغية قتل من فيها (وسيلة حضارية) لا يعاقب عليها القانون! ولا عدمت وسائل التعبير في البحرين فلم يجد المواطنون متنفساً سوى (العنف والشغب). والأنكى من كل هذا، أن يأتي لنا المستفيدون من هذا الشغب ليقولوا بأن المحتجزين على خلفية أعمال الشغب هم (نشطاء حقوق إنسان).

بكلمة: الشغب مدان عقلاً وقانوناً، ولا يجب أن يتساهل القانون تجاه القائمين به والمحرضين عليه. هذا ما تقوله الحكومة، وهذا ما تقوله مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية والحقوقية.