مجالات التعاون البريطاني البحريني في ملفات (حقوق الإنسان)

ليست وحدها العلاقة التاريخية بين البحرين والمملكة المتحدة، السبب الوحيد الذي دفع حكومة البحرين لطلب الدعم الفنيّ من حليفها التاريخي، في تحديث مؤسساتها الحقوقية وما يتعلق بها.

لا شك ان العلاقة التاريخية تلعب دوراً في تعزيز الثقة.

لكن ما ترتب على العلاقة التاريخية، هو فهمٌ بريطاني أفضل لواقع منطقة الخليج، وسكانها، وثقافتها، وكيفية اجراء الإصلاحات فيها.

وينظر الخليجيون في هذه الفترة الى الولايات المتحدة، كصديق متهوّر، لا يفقه في التاريخ ولا الثقافة، بقدر ما يرى فرض الأمور، وبالشكل الذي يؤدي الى فوضى بدلاً من الإصلاح والتحديث.

ولهذا السبب تحديداً، فإن حكومة البحرين قبلت المساعدة من بريطانيا، وبعض الدول الأوروبية، ولكنها تمنّعت ان تقبلها من الولايات المتحدة الأمريكية، لما في النهج الأمريكي من عواقب قد تكون كارثية بسبب المنهج الذي تتبعه.

الوزير حميدان مع وزير خدمة المجتمع البريطاني

لا غرو إذن، أنه ومنذ أحداث فبراير 2011، وخاصة بعد نشر تقرير بسيوني، وتعهد حكومة البحرين بتطبيق ما جاء فيه، وهو أمرٌ يتطلب سنين طويلة في إصلاح الأجهزة واستحداث غيرها.. لا غرو أن يكون للمملكة المتحدة دورها وحضورها في هذا الشأن.

خلال زيارته الى المملكة المتحدة في اكتوبر الماضي، بحث جلالة ملك البحرين ورئيسة الوزراء، تيريزا ماي، موضوع الإصلاحات في البحرين، الى جانب موضوعات أخرى. وقد أكد جلالته، كما معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، اضافة الى المتحدث باسم داوننغ ستريت، والخارجية البريطانية، أكدوا على العلاقة التاريخية بين البلدين، والتي تمتد الى أكثر من مائتي عام، في إشارة الى الثقة بين البلدين، والى تقدير المنهج الإصلاحي البريطاني الذي يعزّز قوة الدولة، ويرسخها ويحمي حقوق مواطنيها.

ومن هنا، دخلت المملكة المتحدة، في مشاريع موسّعة بالتعاون مع حكومة البحرين، لإحداث تغييرات جوهرية في الجهاز الشرطي، والمساعدة في تأسيس عدد من مؤسسات حماية حقوق الإنسان، مثل الأمانة العامة للتظلمات، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ووحدة التحقيق الخاصة.

وحسب وزارة الخارجية البريطانية التي تشرف وتنسق وتموّل الدعم الفني للبحرين، فإن الهدف النهائي، هو (دعم عودة البحرين كدولة مستقرة وإصلاحية، وذات سجل جيد في مجال حقوق الإنسان)؛ وأن الهدف النهائي للبرامج البريطانية هو: (خدمة تقوية سيادة حكم القانون، والمصالحة الإجتماعية، والحكم الرشيد).

أما البرامج المخطط لتنفيذها بالتعاون مع حكومة البحرين، فتشمل حسب وزارة الخارجية البريطانية التالي:

ـ دعم بناء قدرات ديوان المظالم، عبر إدارة التعاون لما وراء البحار بإيرلندا الشمالية من أجل زيادة المساءلة.

- توفير التدريب في المملكة المتحدة لمفوضية حقوق السجناء والمحتجزين بواسطة مفتشية السجون البريطانية.

- دعم المنظمات غير الحكومية المحلية، وجمعيات الشباب، من أجل الارتقاء بحرية التعبير، وذلك عبر (معهد كوسواي لبناء السلام، وفض النزاعات).

ـ دعم إصلاح نظام الأحداث القضائي، وذلك عبر إدارة التعاون لما وراء البحار بأيرلندا الشمالية.

- دعم الإصلاح القضائي من خلال تطوير وتحديث نظام إدارة المحاكم، وذلك عبر المدرسة الوطنية للإدارة الحكومية (البريطانية).

- تطوير فعالية نظام الإصلاح وإعادة التأهيل في البحرين، عبر إدارة التعاون لما وراء البحار بإيرلندا الشمالية.

- تطوير بنى وهياكل المنظمات غير الحكومية، وزيادة رقعة مشاركة المجتمع المدني في عملية صياغة السياسات والتشريع، وذلك عبر مفوضية العمل الخيري في إنجلترا وويلز.

زيارات وتعاون مكثّف

النائب العام البحريني مع نظيرته البريطانية السيدة سوندرز

وقد كان ملاحظاً في الآونة الأخيرة، كثرة الزيارات المتبادلة بين البلدين بغرض تمديد التعاون الفني بين البلدين، وتوسعة فضاء الإصلاحات في ميادين أخرى.

ففي العاشر من اكتوبر الماضي، التقى وزير العمل والتنمية الإجتماعية البحريني السيد جميل حميدان، بوفد بريطاني مكون من ثلاثة خبراء في مجال تنظيم وتقييم عمل منظمات منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وذلك بالتعاون مع مفوضة العمل الخيري في انجلترا، بغية الاطلاع على التجربة البريطانية في مجال العمل التطوعي الخيري والمنظمات الأهلية، والرعاية الاجتماعية.

وبعد نحو اسبوع، وتحديداً في 18 أكتوبر الماضي، قام وزير العمل السيد حميدان، بزيارة بريطانيا، على رأس وفد مكون من ممثلين عن جمعيات النفع العام، وأعضاء من مركز تنمية العمل التطوعي ـ قيد الإنشاء، وذلك للإطلاع والإستفادة من التجربة البريطانية في العمل الأهلي والتطوعي، تنفيذاً لمذكرة تفاهم بين البلدين جرى إبرامها في نوفمبر 2012، وكذلك لاستكشاف مجالات الدعم الفني والإشرافي لمنظمات المجتمع المدني، إلى جانب تعزيز التعاون في مجال رعاية الأطفال الجانحين، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، والاطلاع على الأنظمة والقوانين المتبعة في إعادة تأهيل الأحداث الجانحين، وبرامج حماية الطفل من العنف والانتهاكات، ورعاية الأطفال المتعرضين لجرائم سوء استخدام الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

ومن جانبه أكد الوزير حميدان على أهمية التعاون في مجال تطوير النظم والتشريعات ذات العلاقة بالحماية الاجتماعية؛ واتفق الوزير مع الوكالة الوطنية البريطانية في مكافحة الجريمة، تعزيز سبل الاستفادة البحرينية من البرامج المتطورة التي تعدها الوكالة، والهادفة إلى حماية الأطفال من التعرض إلى الاستغلال، وسوء المعاملة والجريمة والانحراف.

وزار الوزير البحريني والوفد المرافق له، المفوضية الخيرية البريطانية، والتقى مع مديرها، ومدير البرنامج الدولي فيها، واطلع الجميع على رؤية ومهام وآلية عمل المفوضية، ودورها في الإشراف على عمل المنظمات الأهلية، حيث تم استعراض القوانين والأنظمة التي تنظم عمل المنظمات الأهلية، وتتناول الدور الرقابي والإشرافي على حركة أموال المنظمات الأهلية، وتوجيهها للمساهمة الفاعلة في تحقيق الأهداف الوطنية والتنموية والشراكة المجتمعية، فضلاً عن إجراءات التفتيش وتحليل التقارير المالية.

الوزير حميدان قال ان وزارته تتعاون مع المفوضية الخيرية البريطانية منذ سنوات، وهي جهة عريقة (ذات خبرات متراكمة في مجال تقديم الخدمات الفنية والمستشارين، وتدريب الكوادر في إدارة المنظمات الأهلية، وإدارة المخاطر، وتحليل التقارير المالية، فضلاً عن توفير سبل حماية المنظمات الأهلية من كل ما من شأنه الإخلال بأمن وسلامة المجتمع).

وقبل ان يعود الوزير حميدان والوفد المرافق له الى البحرين، التقى بوزير خدمة المجتمع البريطاني السيد روب ولسون، حيث تم استعراض التجربة البريطانية في مجال تطوير ودعم المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والخيرية والاجتماعية، وبيّن السيد ولسون استراتيجية الوزارة لبناء علاقة تشاركية فاعلة بين الحكومة والمجتمع المدني، كما استعرض الوزير البريطاني البرامج المختصة ببناء وتطوير القدرات، والسمات الشخصية للمتطوعين من فئة الشباب، والتي تستهدف إكسابهم المهارات الحياتية والفنية، وتمكينهم من توظيف تلك المهارات في تنمية مجتمعاتهم، فضلاً عن البرامج والمبادرات التي تستهدف تنمية العمل التطوعي وتشجيعه.

وفي اكتوبر الماضي أيضاً، وفي اطار مشروع التعاون الكبير بين بريطانيا والبحرين، وقع النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين، والسيدة أليسون سوندرز، النائب العام في بريطانيا، على مذكرة تفاهم مشتركة، تنظم أوجه التعاون في مجال تبادل المساعدات القضائية، والخبرات وتنمية القدرات.

وأكد الدكتور البوعينين على تفعيل مضمون الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت البحرين اليها، بما تحويه من تعاون قضائي، في مجالات مكافحة الجريمة والفساد، والاتجار بالبشر، اضافة الى تبادل المعلومات بين البلدين التي تستلزمها الإجراءات الجنائية، وتنفيذ طلبات المساعدات القضائية مع مراعاة مبادئ حقوق الإنسان الدولية المقررة بالتشريعات الوطنية، فضلاً عن تبادل الخبرات والبحوث والدراسات، وإجراء المشاورات في القضايا المهمة والملحة لدى النيابتين.

ومن جانبها ذكرت السيدة أليسون سوندرز، النائب العام ببريطانيا: (إن وجود أعضاء نيابة مستقلين يقومون بأداء مهامهم بإنصاف لصالح العدالة، لهو أمر في غاية الأهمية لنظام عدالة فعّال يثق فيه الجمهور. ويسرّني تقديم دعم النيابة العامة البريطانية للنائب العام البحريني في سبيل سعيه المستمر لتعزيز العدالة الجنائية في البحرين).