الإنخراط الإيجابي طريق البحرين إلى الأمام

في مقالتها بعنوان (البحرين تستحق فرصة لإثبات وجودها في مجال حقوق الإنسان) الذي نشرتها صحيفة آيريش تايمز في 17 أكتوبر 2016.. قدمت البرفيسورة (باولين ماكاب) تقييماً موضوعياً لجهود الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية البحرينية، ولمدى ما أحرزته من تقدّم، رغم حداثة إنشائها نسبياً، تجاوباً مع توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصى الحقائق.

ولقد شددت البرفيسورة (ماكاب) على أهمية سياسة الإنخراط العملي في مساعدة دول مثل البحرين، على تجاوز أوجه القصور في أدائها في مجال حقوق الإنسان؛ وهو ما أثبتته على أرض الواقع الجهود التي تشرف عليها هناك (هيئة إيرلندا الشمالية للتعاون فيما وراء البحار) بتمويل من المملكة المتحدة، في مجال تدريب وبناء قدرات قوات الأمن، وكوادر وزارة الداخلية.

إن ما يضفي الثقل والمصداقية على تقييم البرفيسورة (ماكاب)، وعلى وجهة نظرها، هو ذلك الكم الهائل من الخبرة التي إكتسبتها عبر السنوات، في مجالي تطوير العدالة الجنائية وإصلاح السجون. فقد تولّت إدارة أمانة تظلمات المساجين في إيرلندا الشمالية لفترة أولية قدرها ثلاثة أعوام في عام 2008، جرى تمديدها لاحقاً لعامين إضافيين. ونظراً لأدائها المتميز، وإنجازاتها الملموسة، لم يكن غريباً أن يرد إسمها ضمن قائمة الشرف السنوية لجلالة ملكة بريطانيا، وليتم تقليدها وسام الإمبراطورية البريطانية في مطلع العام 2014.

وفضلا عن ذلك، فإن العمل الذي عكفت عليه البرفيسورة (ماكاب) في البحرين في بعض المشاريع، كخبيرة مستقلة في مجال العدالة الجنائية.. أتاح لها هذا فرصة فريدة للمشاركة في مجريات الأمور ومتابعتها بشكل يومي، فيما يتصل بجهدها في تطوير الأمانة العامة للتظلّمات.

إن اطلاع السيدة ماكاب عن كثب على حجم الصعوبات والتحديات التي تفرضها أوضاع أمنية وسياسية غير مواتية على الصعيدين المحلي والإقليمي، وكذلك اطلاعها القريب على الرغبة في تطوير أوضاع حقوق الإنسان، دفعها الى الإصرار على مواصلة العمل وتجاوز الصعاب مهما كانت.

ومن المؤمل أن يساعد تقييمها الأمين الذي نشرته، في إقناع الأطراف المؤثرة في المجتمع الحقوقي الدولي، بأن البحرين لا تعوزها الإرادة السياسية لإحداث تغيير حقيقي في أوضاع حقوق الإنسان. وهذا يفرض على الأطراف الحقوقية الدولية، أن تنظر إلى إنشاء مؤسسات تهدف للإرتقاء بأوضاع حقوق الإنسان (كأمانة التظلمات، وحدة التحقيق الخاصة، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين بالإضافة إلى إعادة هيكلة وتدعيم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان) بإعتبارها مؤشراً قوياً في هذا الصدد.

وبديهي، أنه لتحقيق نتائج إيجابية ومثمرة من هذه المؤسسات.. فإنه لا يوجد بديل أمام هذه الأخيرة إلا الإنخراط الإيجابي، والتعاون مع المجتمع الحقوقي الدولي، لتحقيق الإستفادة منها واكتساب الخبرة وتحصيل إمكانات الترشيد والتوجيه، وهي كلها متوفرة لدى تلك المؤسسات خاصة آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية الدولية الكبرى ذات الإمكانات والتأثير.

بالطبع يمكن تفهم بواعث القلق التي ما فتئت كيانات حقوقية دولية تعبّر عنها بين الفينة والأخرى، ونشارك بعضها لهفتها بأن ترى تلك الآليات الوطنية التي أنشئت حديثاً لحماية حقوق الإنسان، قد حققت منجزات كبيرة وملموسة، واعتمدت المزيد من الشفافية، ووفرت بيانات شاملة ووافية بنتائج أعمالها.

إن غرض الشفافية ليس فقط إثبات الكفاءة، ولكن الأهم من ذلك، هو كسب ثقة المجتمع البحريني برمته، وبخاصة أصحاب التظلمات من المتضررين وعوائلهم.

إن قيام تفاعل على نطاق واسع، بين المؤسسات الوليدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، في شكل مشروعات وبرامج مشتركة وورش عمل، يمثل التوجه الصحيح، إذا ما كنّا نسعى لتدعيم البنية الأساسية لمنظومة حقوق الإنسان. ومن شأن السماح للخبراء والمراقبين الدوليين، مثلا، بمراقبة أداء أمانة التظلمات، وتقديم النصح والمشورة لها، أن يعود بالفائدة على الأخيرة، وأن يسهم إلى حد كبير في الرد على تساؤلات المجتمع الدولي وتهدئة بواعث قلقه.

وفي المقابل، فإننا نتوقع من المنظمات الحقوقية الدولية، أن تبدي المزيد من المرونة والتفهم في تعاملها مع ملف البحرين الحقوقي؛ وأن تعتمد في تقاريرها وبياناتها العامة، نهجاً أكثر موضوعية وواقعية، بحيث لا يغفل الإعتراف بأي تقدم يتحقق؛ فإن من شأن ذلك أن يجسّر الفجوة ويقوي من الثقة، ويؤكد للسلطات البحرينية صدق وسلامة نواياها، وأن لا أجندات سياسية تحرّكها، بل محض الدفاع وترقية حقوق الإنسان.

الحكومة البحرينية من جانبها، لازالت تشعر بأن الجهود التي تبذلها الآليات الحقوقية الوطنية الوليدة، والمنجزات التي حققتها، في ظل تحديات واضحة، لم تجد حتى الان من المنظمات الدولية، ما تستحقه من إشادة وتقدير.

وأخيراً، لسنا بحاجة إلى إعادة التأكيد، على أنه ما دام هدف الآليات الوطنية، كما الآليات الدولية، خدمة قضية حقوق الإنسان في البحرين، فإنه لا مندوحة من العمل الجاد والتعاون لتبديد عدم الثقة ان وجدت.