أمنستي في البحرين:

صراحة وانفتاح وبواعث قلق

في إطار تجاوبها مع التوصيات الدولية، والمنظمات الحقوقية، وافقت حكومة البحرين على زيارات عمل تقوم بها تلك المنظمات، وقد قامت العفو الدولية مؤخراً بالزيارة (3-9/5/2014) أصدرت بعدها بياناً بعنوان: (البحرين: صراحة وانفتاح بشأن حقوق الإنسان، ولكن بواعث القلق لاتزال قائمة).

لقد كان نهج البحرين والى ما قبل عامين يفسح المجال للمنظمات الدولية بزيارة البحرين والقيام بفعالياتها دون تدخل بل وبترحيب رسمي. لكن الحكومة وجدت بأن تلك المنظمات لا تعكس في بياناتها وتقاريرها محاولاتها الحثيثة لإصلاح الوضع الحقوقي، فتشددت في طلبات زيارات تلك المنظمات في فترة لاحقة، وهو ما اعتبر تراجعاً على مستوى الشفافية، وأظهرها وكأنها تريد إخفاء الإنتهاكات عن أعين العالم.

لكن هذا النهج تغيّر منذ بداية عام 2014، فانفتحت البحرين بمسؤوليها على تلك المنظمات، حيث اجتمع وزير الخارجية مع أمين عام العفو الدولية، كما اجتمع مع مسؤولي الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمات أخرى. وبناء على ذلك قامت العفو الدولية بزيارة البحرين مؤخراً، وهو نهج يفترض ـ بل يجب ـ أن يستمر، وأن يشمل كل المنظمات الحقوقية الدولية الأخرى.

بيان العفو آنف ـ الذكر ـ يلخص عنوانه مضمونه تماماً؛ فقد لمست العفو الدولية رغبة رسمية في العمل على معالجة الملف الحقوقي، وقد أكد البيان على الصراحة والإنفتاح من قبل مسؤولي الحكومة حين تم التباحث معهم؛ واتخاذهم خطوات قانونية ومؤسسية لمعالجة الإنتهاكات.

وحسب البيان فإن السلطات البحرينية أكدت التزامها وجديتها لإصلاح الوضع، ولكنها بحاجة الى مزيد من الوقت والى مساهمة فعالة من قبل المجتمع الدولي تساعد في منع وقوع الإنتهاكات سواء تعلق الأمر بتدريب الكوادر الأمنية وتوفير الخبرات، او على مستوى إيجاد الآليات اللازمة لتحقيق هدف دعم وحماية الحقوق؛ وتفعيل المؤسسات الوطنية التي أنشأتها الحكومة لهذا الغرض.

لكن البيان عكس أيضاً بواعث القلق، من جهة عدم حدوث اصلاحات حقيقية في النظام القضائي؛ وإستمرار فرض قيود على حريات التعبير، التنظيم والتجمع؛ اضافة الى استمرار الاعتقالات حتى للنساء، وإصدار احكام قاسية ـ تتصل بأعمال الشغب ـ طالت أطفالاً، حسب بيان المنظمة.

وما يهمنا هنا هو التأكيد على ضرورة اتخاذ الحكومة خطوات قانونية ومؤسسية لمعالجة الانتهاكات؛ كما يجب تفعيل المؤسسات الحقوقية التي تم انشاؤها بهدف تحقيق العدالة للضحايا، ودعم سيادة القانون وحماية حقوق الانسان، بحيث يسفر نشاطها عن تقدم يلمسه الضحايا والمراقبون للوضع الحقوقي البحريني. وبدون ذلك لا يمكن لتلك المؤسسات أن تكسب ثقة كافة فئات المجتمع ولا تعاونها. كذلك فإنه وبدون ناتج حقيقي على الأرض، لا يمكن أن تكسب تلك المؤسسات الرسمية المصداقية في المجتمع الدولي الحقوقي.

وبشكل عام، فإنه يمكن تقييم بيان العفو الدولية على النحو التالي:

1- جاء البيان متوازنا، واتسم بالإيجابية، خاصة في ما يتعلق بالتعبير عن وجود جدية لدى حكومة البحرين تجاه معالجة ملفها الحقوقي، والخطوات التي قامت بها في هذا الصدد. وقد كان من الطبيعي للبيان أن يشير الى بواعث القلق التي لايزال المجتمع الدولي بأسره ينتظر تحركاً رسمياً جاداً لمعالجتها؛ وسيظل ملف حقوق الانسان فى البحرين يراوح مكانه، ما لم تعالج بواعث القلق تلك بما فيها وجود سجناء ضمير، بحسب تعبير المجتمع الحقوقي الدولي، وما له صلة بالمساحات المتاحة أمام حريات التعبير والتنظيم والتجمع.

2- في الفترة التي تلت زيارة وفد امنستي للبحرين.. كان هناك استعداد لاجتماعات الدورة السادسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وقد تنادت منظمات دولية للتوقيع على بيان مشترك صدر لاحقاً حول اوضاع حقوق الإنسان في البحرين. وقد لوحظ غياب توقيع أمنستي على البيان؛ الأمر الذي فسّره البعض بأنها لم تجد البيان الذي اتسم بالتشدد معبّراً عن حقيقة الوضع في البحرين. وقيل أنه لكي تتفادى الضغط؛ عمدت امنستي الى إصدار بيان عن زيارتها للبحرين بدلاً من التوقيع على بيان متشدد.

3- كان لزيارة وفد امنستي للبحرين، وسماح السلطات هناك لوفدها بحرية إجراء اللقاءات مع الجهات الرسمية والمجتمع المدني.. الأثر الكبير في خروج المنظمة بانطباع طيب عن توجهات الحكومة البحرينية وجديتها، وهو ما انعكس بقدر كبير في بيانها. إن اطلاع امنستي على الوضع حضورياً من خلال وفدها، وحواراتها الشفافة مع كافة الأطراف، وحصولها على المعلومات من كافة الجهات الرسمية وغيرها، واستماع المسؤولين مباشرة لبواعث القلق والتوصيات من أعضاء الوفد.. كل هذا، كان كفيلاً بتغيير الصورة شبه النمطية عن الوضع الحقوقي المحلي. ولولا ذلك، لربما كان للعفو الدولية مواقف مختلفة حافلة بالإدانة والتنديد، ولطالبت ـ شأن غيرها من المنظمات ـ بتشديد الضغط الدولي على حكومة البحرين.

ومن هنا، ينبغي على المسؤولين في البحرين أن يتفهموا ابتداءً طبيعة عمل المنظمات الحقوقية الدولية؛ وأن لا يتسرعوا في منعها من الحضور الى البحرين؛ وأن يتعاملوا مع البيانات والتقارير بعقلية مهنية وانفتاحية تستهدف اصلاح الوضع الحقوقي، وليس مناكفة هذه الجهة أو تلك؛ وأيضاً أن يتفهموا الأجواء السياسية والحقوقية الدولية التي تدفع باتجاه اتخاذ مواقف مختلفة تتراوح بين التشدد الأقصى الى الإعتدال. كما ان الإعتدال لا يعني عدم النقد، ولا يعني الصمت وعدم اصدار بيانات أو انتظار مديح المنجزات الرسمية فقط.

ومن المطلوب أيضاً على المستوى الرسمي البحريني، اتخاذ مبادرة شجاعة تهدف الى تحقيق انفراج في الملفات التي تمثل بواعث قلق بالنسبة للمجتمع الدولي، والتأكيد مجدداً على حرص البحرين على إستمرار التعاون مع كافة الجهات الدولية الحقوقية، من أجل غد أفضل للبحرين وشعبها.