الإنتهاء من إعداد برنامج التعاون الفني
فنيش: النجاح يتطلب تعاوناً ومناخاً ملائماً
في إطار التعاون الفني بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان والبحرين،
زار وفد المفوضية البحرين وأقام عدّة فعاليات تشاورية لتحديد الأولويات
وعرض التحديات وتقديم التوصيات بشأن الإعداد لبرنامج بناء القدرات
في البحرين. وقد ألقى رئيس الوفد الزائر السيد فرج فنيش ـ المدير التنفيذي
لقسم الشرق الأوسط في المفوضية ـ كلمة هذا نصّها:
بتوجيهات من السيدة نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان،
واستجابة لطلب الحكومة البحرينية، عمل فريق المفوضية السامية على امتداد
شهرين من الزمن على بلورة مشروع التعاون الفني، وقد تم ذلك عن طريق
المشاورات الثنائية والجماعية مع عدد كبير من المؤسسات وأصحاب القرار،
والمعنيين بشئون حقوق الإنسان، وأصحاب المصلحة على مستوى السلطات الثلاث،
كما على مستوى المجتمع المدني بتنوعاته، ما يعطي المشروع سنداً قوياً
عند تنفيذه، ويسمح بأن تكون لمخرجاته ونتائجه آثارا ايجابية فيما يتعلق
بحماية حقوق الإنسان، ووقف الانتهاكات، ومحاسبة مرتكبيها، وتعزيز المؤسسات
العاملة في مجال حقوق الإنسان بدورها كاملا.
وأننا نعتقد بأن تنفيذ هذا البرنامج اذا ما توفرت له الظروف الملائمة
سيؤدي إلى إنشاء وتعزيز النظام الوطني لحماية حقوق الإنسان، الذي يرتكز
على مؤسسات وطنية مستقلة، ومشهود للقائمين عليها بالنزاهة والإستقامة
والمهنية؛ وعلى قضاء عادل ومستقل؛ وعلى مجتمع مدني يعبر بحرية واستقلالية
ومسؤولية عن مواقفه؛ ويلفت انتباه السلطات المعنية والرأي العام إلى
كل تجاوز أو انتهاك قد يحصل؛ بحيث يكون البرنامج رافدا ومكملا للجهود
الحكومية، وجهود بقية المؤسسات الرسمية الوطنية، من أجل تعزيز دولة
القانون والمؤسسات، ودعم الوحدة الوطنية والمساواة وروح المواطنة والولاء
للوطن.
|
فرج فنيش في البحرين |
ويعتبر المشروع انتاجاً وطنياً خالصاً، شاركت في صياغته مختلف المؤسسات
والجمعيات والأجهزة في البحرين، عن طريق المشاورات التي نظمتها المفوضية
السامية لحقوق الإنسان بتعاون كامل من المؤسسة الوطنية، وموافقة الحكومة
البحرينية. ولم يكن للمفوضية السامية أي دور بإستثناء تسهيل الحوار،
ودفع الآراء المختلفة والمتناقضة أحياناً إلى مستوى التوافق بين الجميع،
والإقتناع بأن المصلحة الوطنية تعلو على مصلحة الفرد أو الجماعة، وبأن
حقوق الإنسان هي الأرضية الأساسية لبناء مستقبل شعب البحرين بجميع
فئاته وأطيافه وألوانه وانتماءاته.
إن أهم نتيجة لتواجد وفدنا في البحرين لمدة شهرين من الزمن هي التقارب
الذي حصل بين الأطراف المختلفة، وانخراطها في مناقشات حول طاولة واحدة،
بروح عالية من المسؤولية الوطنية، واحترام الحق في الاختلاف في الرأي،
والتعبير الحر، والاحترام المتبادل؛ وهو دليل على أن البحرانيين والبحرانيات
متشبثون بأن الخلافات مهما كبرت يمكن الاتفاق على الحلول المناسبة
لها عبر الحوار.
القيمة الإضافية لهذا البرنامج، هو استجابته لتطلعات كل الفاعلين
والمعنيين بمسألة حقوق الإنسان. وهو يعتمد على الإرادة السياسية لجلالة
الملك التي عبر عنها عند تبينه لتوصيات لجنة بسيوني، وإعطائه التعليمات
والأوامر الملكية السامية بتنفيذها.
وفي هذا الإطار تم إنشاء عدد من المؤسسات ومن بينها المؤسسة الوطنية
لحقوق الإنسان، ومفوضية السجون، واتخذ عدد من الإجراءات الإيجابية.
وإذا ما توفرت لهذا المشروع «الظروف الملائمة»، فسيعمل على تعزيز
تلك المؤسسات، وكذلك منظمات المجتمع المدني من أجل أن تكون فاعلة وذات
جدوى ومؤثرة في حماية حقوق الإنسان، ومواجهة الإنتهاكات، وخاصة تجسير
الفجوة الهائلة بين النصوص والممارسة.
وفي هذا الصدد نود التذكير بما اقترحته السيدة نافي بيلاي في العديد
من المرات على حكومة البحرين من اتخاذ تدابير وخطوات ملموسة من شأنها
توفير المناخ الملائم والمساعد لكي يحقق هذا المشروع أهدافه.
لقد أتاحت المشاورات فرصة للوقوف على حالة حقوق الإنسان في البحرين
من طرف البحرينيين أنفسهم، والتعبير عن العديد من الانشغالات والمطالب
المشروعة، ومن ضمنها وجود عدد كبير من المساجين بسبب ممارستهم لحقوقهم،
وسوء معاملة الموقوفين، والاستخدام المفرط للقوة، والأحكام القاسية
بحق العديدين بمن فيهم أطفال دون سن 18 سنة، وموضوع الجنسية، وحرية
الإعلام، واستقلالية الجمعيات الأهلية مثل جمعية المحامين وغيرها.
وهناك كذلك مشاكل تم التعبير عنها مثل العنف والإعتداء على الممتلكات
العامة والموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين، وخطابات تدعو للعنف أو
الكراهية أو التمييز والإقصاء. وهذه كلها تحديات كبيرة يجب مواجهتها.
ولعل أكثر هذه التحديات هي اللجوء إلى العنف والأعمال الإرهابية كما
شاهدنا في الآونة الأخيرة. ونعتقد أن هذا المشروع اذا ما توفرت له
الظروف الملائمة، فسيسمح بمواجهة تفشي ظاهرة العنف والعنف المضاد،
وأعمال الإرهاب، كما سيفسح المجال لحماية الشباب من الإنزلاق في دوامة
العنف طبقا للقانون، وفي ظل احترام حقوق الإنسان. وفي هذا الصدد فإن
الأمم المتحدة تندد بكل أشكال العنف والإرهاب مهما كان المبرر أو المصدر؛
وتدعو إلى حماية الأطفال، وعدم زجّهم في الصراعات السياسية.
النقطة الهامة في هذا المسار الذي قد ننخرط فيه مع البحرين هي أن
هذا البرنامج يرتكز على البناء التدريجي للإنجازات، وعلى المتابعة
المتواصلة للنتائج على أرض الواقع.
لقد توفرت لنا الفرصة لإثارة كل هذه القضايا والتحديات مع جميع
المسؤولين في الدولة، وعلى مستويات عالية، وتحدثنا بكل صراحة وشفافية،
وأبلغنا المسؤولين في الدولة انشغالات السيدة نافي بيلاي حول حالة
حقوق الإنسان في البحرين وضرورة اتخاذ اجراءات عاجلة لمواجهتها.
إننا نعتقد أن المكان الطبيعي للأطفال هو العائلة والمدرسة وليس
السجن؛ والمكان الطبيعي للطبيب هو المستشفى أو العيادة وليس السجن؛
والمكان الطبيعي للصحفي والمدون هو الصحيفة وليس السجن؛ والمكان الطبيعي
لنشطاء حقوق الإنسان وقيادات الرأي هو المجتمع والفضاء العام وليس
السجن.
وفي هذا الصدد نعتقد أن المشروع (المقترح) يتطلب توفير مناخ مساعد
لإنجاحه حتى لا تذهب جهودنا جميعاً هباء منثورا؛ ونعتقد أن ذلك ممكناً.
نشجع السلطات على اتخاذ اجراءات ملموسة، وإيصال رسالة إيجابية للجميع
في الداخل قبل الخارج، بأن هناك إرادة سياسية حقيقية لتجاوز هذه المرحلة
المتأزمة، والاستعداد لمرحلة جدية يشعر فيها كل البحرينين بالأمان
والعدالة والمساواة والحرية.
ندعو جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والجمعيات السياسية،
للتعبير علنا عن رفضها للعنف، وتمسكها بحقوق الإنسان كمرجعية مشتركة.
ندعو الصحافة ومؤسسسات الإعلام والمدونيين بإلتزام خطاب يبتعد عن
العنف والكراهية والتمييز والإقصاء، وأن يكون خطابا إيجابيا.
ندعو رجال الدين من مختلف الطوائف إلى الترحيب بهذا البرنامج والتركيز
في خطبهم على التسامح والإحترام المتبادل، والتوقف عن استعمال عبارات
من قبيل (الشارع الفلاني) أو (الشارع العلاني) ، (نحن وهم) ، (أنتم
ونحن).
سنقوم بعرض هذا المشروع (المقترح) على الجهات الحكومية، وسنتحدث
حول الأولويات، وكذلك حول آليات التنفيذ وشروطه. وهو برنامج يتطلب
إضافة للمناخ الملائم والمساعد، استعداد الحكومة للتعاون مع المفوضية
السامية تعاونا كاملا. أما بخصوص آليات تنفيذه وظروفه فستكون الكلمة
الآخيرة للمفوضية السامية، وستكون في إطار اتفاق مع الحكومة البحرينية.
بعد أكثر من شهرين من الإقامة في البحرين عشناها معكم يا شعب البحرين
مشاغلكم وآمالكم وآلامكم وتمنياتكم، واكتشفنا طيبة الشعب البحراني
بمختلف أطيافه وتنوعه العرقي والديني والسياسي والثقافي، وهو تنوع
يثري ويحسدكم عليه العديد.. أتقدم، بإسم زملائي وبإسم المفوضة السامية،
بالشكر الجزيل للحكومة البحرينية، وأخص بالذكر وزارة الخارجية على
هذه الدعوة وعلى تعاونها معنا، كما أشكر المؤسسة الوطنية على تعاونها
وتسهيل عملنا طوال إقامتنا، ونهنئها كما نهنئ البحرين ومجلس النواب
بالقانون الجديد للمؤسسة الوطنية الذي اعتمد مؤخراً. كما أتوجه بالشكر
والتحية الحارة والصادقة إلى نشطاء حقوق الإنسان وممثلي المجتمع المدني،
من جمعيات وصحفيين وناشطات في الحركة النسائية، ومحامين، وأود أن أؤكد
على الموقف المبدئي للأمم المتحدة والمفوضية السامية على أهمية الدور
الذي يلعبه المجتمع المدني في بناء المجتمع الديمقراطي، وفي حماية
حقوق الإنسان، كما أؤكد بأن شراكة الأمم المتحدة مع المجتمع المدني
هي شراكة مبدئية.
تحية خاصة (لفريق المفوضية) جورجيا ومازن على مهنيتهما العالية
وحرصهما على أن نصل إلى النتائج الملموسة في هذا المشروع بالرغم من
الصعوبات التي واجهتهما وأهنئهما على هذا الإنجاز.
وأختم لأقول بأن تجاوز الأزمة الحالية ممكن، وأن إنجاح حوار وطني
جدي ومسؤول ممكن؛ وقد أكدته هذه التجربة المتواضعة، وهذه النتائج التي
اتفقنا عليها جميعها. وإننا نشجع كل الأطراف على القيام بالخطوة الحاسمة
في إتجاه الآخر.. الآن وليس غداً.
|