ملك البحرين: الأزمة لن تتكرّر والحوار بدون واسطات خارجية

الخطاب الذي ألقاه ملك البحرين في جلسة مجلس الوزراء يوم 24/6/2012 حوى جملة من الرسائل الموجّهة الى أطراف داخلية وخارجية، والى الجهاز الحكومي نفسه، الذي دعا الملك الى تطوير أدائه لتحقيق رفاهية المواطن، من خلال التواصل المباشر معه والتطلّع الى احتياجاته.

تأتي في مقدمة الرسائل السياسية، ما يعبّر عن رغبة الحكومة في الحوار مع أطراف المعارضة، وإدارة الخلافات معها عبره، ولكن (بدون وساطات خارجية). فالمسألة شأن داخلي من جهة، ومن جهة ثانية فإن الشعب قادر على إدارة خلافاته بنفسه. الرسالة الكامنة هنا، هو أن الحوار الداخلي لا يأتي بدون قناعات تتشكل لدى الأطراف المعنيّة، ولا يمكن أن تُملى إرادة الحوار، ولا أن تحدد أجندته، وسياقاته، ومؤدياته من الخارج. لعلّ في هذا تنبيه، الى الأطراف الدولية والإقليمية، التي تريد أو لا تريد حواراً حسب رغباتها ووفق أهدافها ومصالحها ورؤيتها الخاصة. مستوى النضج السياسي لجميع القوى السياسية، هو الذي سيحدد في نهاية الأمر توقيت الحوار وموضوعاته ونتائجه.

غني عن القول، فإن الأزمات السياسية الكبيرة لا تحلّ بدون حوار، ولكن المراهنة على الضغوطات الخارجية من هذا الطرف أو ذاك، تشكّل عائقاً له، ونأمل أنه ـ وبعد أكثر من عام على الأحداث ـ أن تكون القوى السياسية قد نضجت وتأهّلت للتحاور مع بعضها البعض بما يحقق المصلحة العليا للبحرين وشعبها، بعيداً عن المراهنات الخاسرة التي تطيل أمد الأزمة، وتشجّع الأطراف الخارجية على التدخّل الفجّ أحياناً في الشأن المحلي.

الرسالة الثانية التي يمكن استخلاصها من خطاب الملك، تتعلق بمعالجة تداعيات الأزمة التي اشتعلت العام الماضي، وهي موجهة الى المعارضة والى الحكومة كما الى الجمهور البحريني نفسه. فما جرى في فبراير 2011 (لن يتكرر) حسب الملك، سواء كان ذلك عنفاً أو تجاوزات لحقوق الإنسان، وذلك اعتماداً على التجربة المرّة التي مرّ بها المجتمع، ووعيه للخسائر التي أصابت الجميع منها.

الرسالة تقول بأن الإصلاح مطلوب وسيستمر، ولكن لن يكون ذلك قفزاً في المجهول، وإنما متدرجاً وفق القانون وسيادته، ومتوافقاً مع أحكام الدستور. أي أن المطلوب هو البناء على ما هو قائم، وليس نسفه من الجذور كما أراد البعض. ورسالة أخرى تقول بأن الإصلاح والأمن لا يتحققان إلا باحترام حكم القضاء ومبادئ حقوق الإنسان.

أما الرسالة الثالثة فلها علاقة بالموضوع الطائفي، الذي انخرط فيه الجميع وكان ذلك أخطر ما أنتجته الأزمة، من جهة تمزيق النسيج الإجتماعي. هنا، وحسب خطاب الملك، تمّ التأكيد على نقاط أربع:

الأولى: عدم تحويل الخلاف السياسي الى خلاف طائفي، وحسب تعبيره (إن أي اختلاف في وجهات النظر السياسية لا يمكن السماح له أن يمتد للمساس بوحدتنا وتآلفنا). بمعنى أن الخلافات السياسية يجب أن تبقى بين الأطراف السياسية، لا أن تقوم القيادات السياسية بتحويله الى خلاف طائفي، يؤدي الى شرذمة المجتمع، واستعداء فئاته على بعضها. لأن عملاً كهذا، يؤدّي في النهاية الى تفتيت أُسس الدولة، ويعقّد الحلول السياسية للأزمات، ويهدم الثقة في أبسط صورها بين فئات المجتمع. يجب أن لا تتغلب المصالح الأنانية للأطراف السياسية، فتنخر الدولة وأجهزتها بفتن اجتماعية تتطلّب زمناً طويلاً لعلاجها.

الثانية: (تشجيع المبادرات الاجتماعية الساعية لتعزيز اللحمة الوطنية ونبذ العنف والتحريض على الكراهية والطائفية)، وقد طالب الملك مؤسسات المجتمع المدني، ورجال الدين، والأدباء والمفكرين والإعلاميين والمثقفين القيام بدورهم، بإصلاح ما انهدم من ثقة، وأشاد بالمبادرات التي ظهرت في الفترة الأخيرة لتحقيق المصالحة الإجتماعية والوطنية. المطلوب هنا أن تقوم هذه الجهات كافة بحصر المشاكل السياسية بين القوى السياسية، وإقناع الجمهور بإعادة التواصل بين فئاته بعيداً عن الخلاف السياسي. في نهاية الأمر، فإن التعايش الإجتماعي مقدّم على المصالح السياسية.

الثالثة: وضع ضوابط للخطاب الديني، حيث وجه الملك وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بأن تقوم بدورها في (حفظ المنبر الديني من الاستغلال السيئ، وأن تتخذ إجراءات أكثر فعالية لحفظ رسالته السامية. فالمنبر أمانة، لا يجوز أن يترك لبث الكراهية أو التحريض على العنف). هذا يتطلّب تشريعات وقوانين جديدة، وتفعيل القائم منها، بحيث تجرّم الطائفية فعلاً أو قولاً.

الرابعة: تعزيز دور الإعلام بما يخدم الوحدة الوطنية، بالإبتعاد عن الخطاب الطائفي، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وترسيخ الثقافة الوطنية الوحدوية، ومنح المزيد من الحرية للصحافة حتى تكون صحافة مسؤولة، فلا مسؤولية على الصحافة إن لم تكن متحررة من قيود الإستقطاب السياسي والإجتماعي والطائفي. ولا مساءلة للمتجاوزين بدون قانون عصري يعطي مساحة حرية حقيقية لوجهات النظر الأخرى، ويحاسب على التجاوزات ذات العلاقة بتعريض الوحدة الوطنية للخطر. ولن يكون لدينا مجتمع ناضج يرفض الطائفية بدون حريات إعلامية يمكن من خلالها تداول المعلومة، وترسيخ الشفافية، ولعب دور التوعية والمساءلة والدفاع عن سيادة القانون، وحقوق الإنسان.