الملك: الأحداث المؤلمة لن تتكرّر؛ والإصلاح ضمن سقف طموحات الشعب

جملة من القضايا المحورية التي ترسم صورة مستقبل البحرين حددها خطاب عاهل البحرين يوم استلامه تقرير اللجنة المعنية بتنفيذ توصيات تقرير بسيوني في 20/3/2012. هذه القضايا تحتاج الى قراءة متأنّية ومتفحّصة، لما تحمله من رسائل لمختلف الفرقاء السياسيين المحليين، كما للجهات الدولية الحقوقية والسياسية.

القضية الأولى: القطيعة مع إرث الماضي، المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان؛ حيث أكد الملك تعهداته مرة أخرى (بعدم تكرار مثل هذه الأحداث المؤلمة... على أن نأخذ منها الدروس والعبر، وأن نستخدم الأفكار والرؤى الجديدة كمحفز لإحداث التغيير الايجابي). ولكن القطيعة لا تتم فقط بالتعهدات، وإنما تحتاج الى آليّات حددها تقرير بسيوني تتعلق بصياغة قوانين وأنظمة والقيام بتدريب القوى المشرفة على الأمن، واتخاذ اجراءات إدارية وغيرها، لينعكس ذلك في سلوك على أرض الواقع.

وكان تنفيذ توصيات تقرير بسيوني محكّ اختبار حقيقي، للبحرين كدولة، وكنظام سياسي، وكمجتمع متطلّع الى التغيير والإصلاح، خاصة وأن التقرير أصبح (مرجعية) وطنية في الإصلاح، وبالتحديد في مجال حقوق الإنسان. وقد وصف الملك في خطابه تنفيذ تلك التوصيات بأنه يمثل تحدياً، نظراً لتعددها وشموليتها. وقد أشار في خطابه بأن التنفيذ لتلك التوصيات (يدل على حدوث ذلك التغيير الإيجابي الذي ننشده، ونفتخر به). وعدد المجالات والخطوات التي اتخذتها الحكومة بقدر كبير من الشفافية حيث (تم وضع الآليات الإدارية والقانونية اللازمة لتنفيذ ما يتطلب تحقيقه من خطط متوسطة وطويلة المدى، وشمل ذلك إصلاحاً في القطاع الأمني والقضائي، وتحسين المناهج التعليمية، ووضع خطة مفصّلة لإصلاح الإعلام، والعمل.. من أجل ضمان إعادة الموظفين الى أعمالهم، ووضع خطط التعويض لضمان توفير سبل الانتصاف للمتضررين في أقرب وقت ممكن، وبدء برامج لتحقيق لمّ الشمل الوطني في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وإنشاء مكتب مستقل لأمين عام التظلمات بوزارة الداخلية، ومكتب مستقل للمفتش العام بجهاز الأمن الوطني، والأهم من ذلك، إنشاء وحدة خاصة للتحقيق والمساءلة في الأحداث التي وقعت العام الماضي). وأمل الملك من السلطة التشريعية أن تسرع في إقرار مشاريع القوانين ذات العلاقة مثلما حدث مع القوانين المتعلقة بحرية التعبير وتعريف جريمة التعذيب وغيرها.

القضية الثانية: وتتعلق بضرورة تطوير النظام السياسي، اعتماداً على حقيقة أن البحرين ورغم الإصلاحات السياسية المتعددة منذ عام 2000 بحاجة الى المزيد منها، ذلك ان الإصلاحات لا تتوقف عند سقف محدد، فطبيعة المجتمع البحريني كما طبيعة المجتمعات الأخرى، تستوعب الموج الأول من الإصلاح، لتطالب بالمزيد منه لاحقاً. والملك في خطابه أكد على التزام البحرين بالإصلاح في كل المجالات، وقال بأنه (ينبغي ألا يتوقف، فالتطور هو سنة الحياة)، مؤكداً (عزمنا مجدداً على السير في طريق الإصلاح بما يرضي طموحات شعبنا، وأن نمد السمع والبصر في ذات الوقت إلى مختلف التجارب العالمية لنستقي منها ما ينفع شعبنا ويحافظ على وحدتنا وقوة مجتمعنا، دون إقصاء لأحد، أو تغليب مصلحة فئة على فئة، فالوطن للجميع.. وأبواب الحوار كانت وستظل مفتوحة). وأضاف: (نحن نريد لشعبنا أن يشعر بالتغيير الحقيقي والملموس الذي تعكسه هذه الإصلاحات في حياتهم، والتحديات التي ستواجهنا خلال الأشهر القادمة هي كيفية ترجمة ذلك إلى تغيير ملموس في ثقافة المجتمع).

وحمّل الملك الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني جزءً من المسؤولية فيما يتعلق بالأزمة، وليس الحكومة وحدها، داعياً إياها للقيام بدورها (في المشاركة والرقي بالممارسة الديمقراطية وفق القانون والنظام العام) داعياً الجميع الى (أخذ العبر مما مرّ بنا من أحداث، والاستفادة من التجربة، والمضي نحو المستقبل بخطى واثقة، ونوايا صادقة).

القضية الثالثة: التأكيد على البعد المحلّي للقضية البحرينية، فمع أن القضية كانت محليّة المنشأ والأبعاد، إلا أنها اتخذت أبعاداً إقليمية ودولية فتضخّمت المشكلة وكان التدخّل الخارجي ـ ربما ـ واحداً من أسباب تعقيدها. الملك رأى أن الأزمة لن تحلّ إلا محليّاً، واعتبر منجزات لجنة تنفيذ توصيات تقرير بسيوني تأكيداً على (أن البحرين قادرة بذاتها وبسواعد أبنائها على الرقي إلى مصاف الدول المتقدمة في الممارسات الديمقراطية، والاستفادة من الخبرات العالمية في وضع الأسس القانونية التي تحفظ أمن المجتمع، وتكفل حقوق الإنسان، وتضمن حرية التعبير دون التعدي على حقوق وحريات الآخرين). ولم يغفل الملك في خطابه توجيه الشكر للدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية التي سعت من أجل حلّ للأزمة.

أيضاً لم يغفل الملك أهمية الإستقرار والأمن وكيف أن اهتزازهما يؤثر على سيادة الدولة ويفتح باب التدخل الأجنبي، مشيراً الى أن (الدول لا تنشد الاستقرار لمصلحة الاقتصاد فحسب، وإنما تنشده لحماية سيادتها وكيانها، ولن نفرط في ذلك أبداً، ولن تعود عقارب الساعة للوراء).

القضية الرابعة: وتتعلق بالعدالة الإنتقالية، وفي مقدمتها مسألة التعويضات التي أخذت حيّزاً من خطاب الملك، حيث أشار الى ما تمّ انجازه عبر تشكيل الصندوق الوطني لتعويض الضحايا، وكذلك إنشاء محاكم متخصصة للنظر في دعاوى التعويضات للإسراع في عملية حسم دعاوى التعويض. ونوه الملك الى مبادرة اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ توصيات بسيوني في هذا الصدد، من جهة صرف التعويضات للضحايا في إطار (التسوية المدنية)، داعياً الجهات المعنية الى (اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لسرعة حصول المتضررين على تعويضات عادلة). بالطبع هناك قضايا أخرى تتعلق بمحاسبة المسؤولين عن الإنتهاكات، والحقّ الجنائي للضحايا، وهذه لها قنواتها القضائية الخاصة بها والتي يتواصل العمل بشأنها في المحاكم.

القضية الخامسة: وتتعلق بمن تبقى من المحتجزين والمحكومين على خلفية الأحداث الأخيرة والذين يقدّر عددهم بنحو 350 شخصاً، فهناك إعادة محاكمة لبعضهم، كما أن هناك إلغاء لأحكام صدرت بحق بعضهم، نظراً لممارستهم أنشطة تمّ توصيفها بأنها ممارسات مشروعة تتعلق بحرية التعبير؛ وكان بسيوني قد أشار في تقريره الى ذلك، ودعا الى إطلاق سراحهم. الملك اشار الى هذه القضية فأكد على (أهمية إنجاز كافة القضايا التي تتعلق بحرية التعبير دون تأخير لا لزوم له، والتي تكون في إطار القانون ولا تتضمن تحريضاً على العنف، أياً كانت صفة مرتكبه أو مهنته).

القضية السادسة: وتتعلق بحرية العبادة، وبالتحديد مسألة تدمير بعض المنشآت الدينية، والذي انعكس سلباً على سمعة البحرين كدولة رائدة في التسامح الديني، كما هو معروف. هذا الموضوع سبب حرجاً كبيراً، وأخذ أبعاداً حساسة محليّاً ودولياً. والحكومة من جانبها، اتخذت خطوات لإعادة بناء تلك المنشآت الدينية، بالرغم من حقيقة أن بعضها لم تتخذ الصفة القانونية أو شملت تعديّات على أراضٍ عامّة.

الملك في خطابه بدا مهتماً بهذا الملف وإغلاقه، فأكد على رعاية الدولة وإعمارها لدور العبادة، ولكنه وجّه الى ضرورة الإلتزام بالقوانين والأنظمة المعمول بها، والى التنسيق بين وزارة العدل والشؤون الإسلامية من جهة، ودائرتي الأوقاف والجهات ذات العلاقة من جهة أخرى (حتى لا تتكرر نفس الأخطاء السابقة) حسب تعبيره.