تصحيح تجاوزات حقوق الإنسان

لا نتمنى أن تقع أخطاء وانتهاكات لحقوق الإنسان البحريني؛ ولكن إذا ما وقعت، فنحن نتمنّى وندعو الى التراجع عنها. في العمل السياسي، وخاصة أثناء الأزمات، تقع أخطاء وتجاوزات عديدة، وما يهمنا ـ كحقوقيين ـ من هذه الأخطاء بالدرجة الأولى، ليس السياسية منها، بل تلك المتعلّقة بحقوق الإنسان على وجه الدقة والتحديد. ذلك أن الأخطاء السياسية تمثل اجتهادات نظرية، قابلة للجدل والنقاش، في صحتها وخطئها. أما تجاوز وانتهاك حقوق المواطنين، فإن المؤسسات الحقوقية الدولية، والقوانين البحرينية، لا تقبل بذلك ولا تجيزه، وتحاسب عليه.

خلال الأزمة السياسية، وقعت انتهاكات، وصدرت تجاوزات من طرفي المعارضة والسلطة التنفيذية، وهي أخطاء معروفة ومنشورة. ويهمنا هنا الآن ـ وبعد أن وقعت ـ أن يتمّ التراجع عنها، وتصحيح الأخطاء. فارتكاب الخطأ أمر، والإصرار عليه أمرٌ آخر. إن التراجع عن الخطأ فضيلة، لكن هذه الفضيلة لا تأت بسهولة بسبب أن طرفي اللعبة السياسية يفتّش عن أخطاء الآخر، ويحمّله المسؤولية وحده، ثم يبرّيء الذات من ارتكاب التجاوز. إن مراجعة الأخطاء وتصحيحها، يصبح صعباً إن كان الوضع متوتراً واتخذ صفة سجاليّة، وخير للبحرين ـ المقبلة على حوار وطني ـ?أن ينشغل كل طرف بتصحيح أخطائه، بدلاً من تسجيل النقاط على (الآخر).

هناك اعتراف رسمي صريح بوقوع تجاوزات في مجالات مختلفة، ما كان يجب أن تقع، وإن كان الظرف السياسي والأمني الذي وقعت فيه عاصفاً متشنّجاً؛ وكان من بين تلك التجاوزات وفاة عدد من المواطنين أثناء فترة الإحتجاز، نتج عنها إحالة عدد من منتسبي وزارة الداخلية الى المحكمة العسكرية، ومباشرة التحقيق في حالات أخرى.

من بين تلك الأخطاء المسجلة والمعروفة:

ـ فصل العمال، على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات السياسية، وغيابهم عن العمل؛ حيث وصل عدد المفصولين الى ما يقرب الألفين. وقد اعتبر اتحاد عمال البحرين، ومنظمة العمل الدولية، فصلهم تعسّفياً وغير مبرر، ولا يتماشى مع القوانين الوطنية والتزامات البحرين الدولية. وقد أقرّ وزير العمل بأن هناك (أخطاء) وقعت بسبب التسرّع أدت الى فصل مئات من الموظفين في القطاع الخاص. والمطلوب اتخاذ إجراءات فورية لإعادة المفصولين الى وظائفهم.

ـ قطع البعثات التعليمية عن عدد غير قليل من الطلبة، وقد كان لهذا أثره الإعلامي بالغ السوء على سمعة البحرين. فحتى لو خالف الطلبة قوانين الإبتعاث، وقاموا بمظاهرات، فإن قرار الفصل لم يكن موفقاً، ويصعب تبريره من وجهة نظر حقوق الإنسان، فضلاً عن تأثيره السلبي على سمعة البحرين، ما جعل أصوات الدول والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الدولية ترتفع منددة بذلك. وقد أمر وزير التربية بإعادة بعثات عدد من المفصولين، ونرجو أن يتم ذلك لهم ولغيرهم في خطوات عاجلة.

ـ إزالة بعض المنشآت المتعلقة بمؤسسات دينية. فحتى لو كان القائمون على هذه المؤسسات قد تجاوزوا على المال العام (أراضي وكهرباء وماء وغير ذلك)، فإن التوقيت كان خاطئاً جداً وكذلك الإسلوب. حيث نظر الخارج الحقوقي الى الأمر وكأنه عمل يستهدف حرية وأماكن العبادة، في حين أن البحرين مشهود لها شيعياً وسنياً ودولياً بأنها دولة متسامحة دينياً. فلماذا تم التفريط بهذه السمعة، وما هي الفائدة التي جنتها البلاد من هذا العمل؟

ـ هناك تجاوزات أخرى تتعلق بالإحتجاز، وسوء المعاملة، وفي الخطاب الإعلامي، وغيرها، ينتظر المدافعون عن حقوق الإنسان في العالم معالجتها وتصحيحها، واتخاذ اجراءات تضمن عدم تكرارها.

إن المراجعة التي تمت والعودة عن بعض الإجراءات تلك وتصحيح الأخطاء أمرٌ محمود جداً، وقد أقرّت وزارة التنمية الإجتماعية في 18/6/2011، بـ (أنها تأخذ على محمل الجد الإدّعاءات بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان)، وأضافت بأنها قد اتخذت خطوات للتحقيق ومعالجة أي قصور أو ثغرات في هذا المجال.

ولكن يبقى أمر المعارضة البحرينية، فبعض كوادرها وأفراد من تيارها، ارتكبوا تجاوزات على صعيد حقوق الإنسان، ويفترض أن تقرّ بوقوعها؛ ومن بين ذلك:

ـ الإعتداء بالدهس على رجال أمن، وأخذ رهائن منهم، وكذلك الإعتداء على بعض العمالة الأجنبية، ما أدّى الى مقتل عدد منهم.

ـ ظهور خطباء قاموا بالتحريض على الكراهية، وبرروا المواجهة العنفية.

ـ افتعال قصص انتهاكات لحقوق الإنسان لم تقع، بغية استثمارها إعلامياً.

ـ الإعتداء على ممتلكات خاصّة وعامّة بما فيها عدد من المدارس والجامعة؛ وقطع الطرقات، وتعويق عمل مستشفى السلمانية المركزي، وغير ذلك.

نتمنى أن ندخل مرحلة جديدة قوامها إحترام حقوق الإنسان، والإستفادة من الأخطاء التي وقعت، والتفكير الجدّي في وضع آليات جديدة وتفعيل أخرى، وكذلك تطبيق التشريعات ذات الصلة، حتى نضمن أن لا تقع البحرين مرة أخرى في مثل تلك التجاوزات.