ندوة في تشاتام هاوس
الإجابة على أسئلة (الآخر)
أُقيمت ندوة عن البحرين في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية
(تشاتام هاوس) في 14 أبريل الماضي، نظمها قطاع شؤون الصحافة والإعلام
الخارجي بوزارة الثقافة والإعلام، وكان موضوعها الأساس يتعلق بالمؤسسات
الديمقراطية والإصلاح السياسي في البحرين. حضر الندوة عشرات من المسؤولين
في السلك الدبلوماسي والمؤسسات الإعلامية وأكاديميين ومراكز بحوث،
إضافة الى بعض الجهات الرسمية البريطانية ومنظمة العفو الدولية. المتحدثون
كانوا ثلاثة من الشخصيات البحرينية: د. صلاح علي، النائب الثاني لرئيس
مجلس النواب؛ والأستاذ ضياء الموسوي، عضو مجلس الشورى؛ والأستاذ أنور
عبدالرحمن، رئيس تحرير أخبار الخليج. وقد أدار الندوة ريتشارد موير
من جامعة درهام.
لقد بيّن المتحدثون الجوانب المضيئة في الإصلاحات التي تمت في البلاد
منذ انطلاقتها عام 2000؛ وتطرقوا الى بعض القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان،
ومن بينها حقوق المرأة وحرية التعبير والعلاقة مع المنظمات الدولية
وغيرها. في هذا الجانب يمكن القول بأن الندوة قدّمت صورة شاملة حول
حجم الإصلاحات في مجالاتها المختلفة، وهذا أمرٌ جيّد ولا شك في التعريف
بالتجربة البحرينية، وبمساحة الحرية الإعلامية والسياسية والدينية
المتوافرة اليوم.
بيد أن التعريف الذي تمّ تقديمه في الندوة من قبل المتحدثين لم
يستخدم المفردات المناسبة والمحايدة التي يمكن أن تترك أثراً وقبولاً
أكبر لدى المشاركين. كما أن التعريف بالجوانب الإيجابية لا يكفي، فهناك
أسئلة تدور في أذهان المراقبين الأجانب عن الأوضاع في البحرين، السياسية
منها والحقوقية. تلك الأسئلة والإستفهامات هي الجديرة بالطرح والنقاش،
وليس بالضرورة الدفاع والتبرير. بمعنى آخر، فإن الهدف الإعلامي ليس
خلق صورة وردية عن البحرين، ولا مواجهة التشويه الإعلامي بذكر المنجزات
ـ وهي كثيرة ـ وإنما الهدف بنظرنا هو مجرد: (توضيح الصورة الحقيقية
للواقع البحريني في مجالاته المختلفة). هذه الصورة وحدها تحوي قدراً
كبيراً من البياض المضيء، وهي عكس ما يروّج له البعض وكأنها كتلة من
السواد والظلمة.
تجربة البحرين السياسية والحقوقية لم تكتمل بعد؛ وتواجه عثرات ومشاكل؛
ولكنها تجربة إيجابية حقيقية نتعلّم منها جميعاً كيفية تطويرها. وما
نبتغيه هو رفض تشويهها وإظهارها خلاف صورتها، سلباً أو إيجاباً؛ فذلك
لا يفيدنا كبحرينيين في الإستفادة منها، فضلاً عن أن المتلقي الأجنبي
يرفضها ويمجّها سواء قدّمت بصورة تشويهية، أو بصورة مفرطة في الإيجابية.
ما كان ينقص ندوة لندن ليس الجهد التعريفي بما حققته البحرين، ومن
الجيد والمفيد الإستمرار في التعريف بأوضاع البحرين. ولكن لكلّ مقام
مقال. فـ (تشاتام هاوس) مركز نخبوي، والحضور كانوا يمثلون نخبة أيضاً..
ومثل هؤلاء كانوا بحاجة الى ما هو أبعد من التعريف العام بسجل البحرين
في تطوير نظامها السياسي والإقتصادي والقضائي والحقوقي. هؤلاء الحضور
لا تستهويهم الصورة النمطية أو التي تقدم من زاوية واحدة. ولا يقبلون
في الغالب بلغة تميل الى الدعاية والإعلام، فحتى المنجز الجيّد يصعب
تسويقه بمثل هذه اللغة. ومستوى النقاش وعمقه يفترض أن يكون بحجم مساحة
وحرية وعمق ما يناقشه المواطنون عبر الإعلام المحلي. فهل من المنطقي
أن نكون أقل جرأة في مناقشة قضايانا حين نكون في الخارج مقارنة بما
نفعله في الداخل؟
ذات الموضوعات التي تتم مناقشتها في الإعلام المحلي، هي نفسها ذات
القضايا التي يريد الخارج معلومات عنها، وكذا ما يتعلق بالأسئلة والإستفهامات.
وكان جميلاً ورائعاً لو أن الأخوة المتحدثين أضافوا الى ما أفاضوا
به للمستمعين بعض الإجابات على أسئلة تدور في أذهانهم. من الأسئلة
المتداولة في الموضوع الحقوقي مثلاً: هل حرية التعبير تعاني التضييق
بسبب قانون الصحافة؟ ماذا عن مزاعم التعذيب والإحتجاز غير القانوني؟
ماذا عن إغلاق مواقع الإنترنت والتي يعتقد الغربيون أنها مواقع سياسية
وحقوقية؟ ماذا عن الإستخدام المفرط للقوة تجاه أحداث الشغب والعنف؟
وكذا فيما يتعلق بإشكالية التمييز الطائفي: وجوده وحجمه وأسبابه؟ وهل
هناك تضييق كبير على الجمعيات الحقوقية ونشطاء حقوق الإنسان؟ الخ.
ومن نماذج الأسئلة السياسية المتعلقة بالعملية الإصلاحية: هل هناك
استقرار سياسي؟ ولماذا العنف في الشارع مستمراً منذ فترة طويلة؟ هل
توقفت مسيرة الإصلاح ووصلت الى طريق مسدود؟ وماذا عن السلطة التشريعية،
حيث الإنطباع العام أنها ضعيفة ومقيّدة بسبب وجود مجلس للشورى معيّن؟
لماذا لا يوجد تعاون كاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟
مثل هذه الأسئلة هي التي يهتم بها الرأي العام الخارجي، وهي أسئلة
تطرح بشكل متكرر في التقارير السياسية والحقوقية والإعلام الأجنبي.
يفترض أن تناقش هذه الموضوعات في إطار التغيير السياسي العام، وبروح
إيجابية وانفتاح وصدق. وبمجرد أن يتم طرح هذه الموضوعات، فإن الطرف
الآخر المتلقي قادر على استيعاب الموضوع وتقدير المنجز الذي تمّ.
|