رسالة في غير موضعها:
دفاعاً عن ضحيّة أم جلاّد؟
في بلدان عديدة من العالم، يمكن ملاحظة مدافعين عن حقوق الإنسان
يقعون وبسهولة في قائمة الإستهداف ويصنّفون ضمن قائمة الضحايا. لكن
من المفارقات المدهشة في تجربة حقوق الإنسان في البحرين، أن بعض من
ينتسبون الى حقل الدفاع عن حقوق الإنسان، يكادوا يصبحون جلاّدين، يتلبسون
بثوب الضحيّة.
لم نجد حقوقيين يدافعون عن العنف والشغب، بل ويدعون إليه ويروجون
له علناً إلا في البحرين.
ولم نشهد حقوقيين يحتكرون الحقيقة، ويخوّنون نظراءهم، ويحصرون صفة
الإستقلال والشرعية في أنفسهم.. إلا في البحرين.
ولم نشهد حقوقيين يملأ السواد مذكراتهم وبياناتهم، بحيث لا يرون
بارقة أمل أو لفتة إيجابية مهما صغرت.. إلا في البحرين.
ولم نرَ حقوقيين اصطدموا وخوّنوا سياسيين وإعلاميين وأكاديميين،
غير هذا البعض مدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بحيث وزّعوا على كل معتقل
شارك في العنف صفة (ناشط حقوقي).. لم نرَ هذا الأمر يجري بشكل واضح
ومستمر إلا في البحرين.
المدافعون عن حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم يقومون ضمن أهم مهامهم
بمراجعة التشريعات والقوانين وطرح البدائل، والمساهمة في نشر الوعي
الحقوقي، والبناء على المتحقق من الإيجابيات، وتوحيد جهود الناشطين،
والدفع بإتجاه إيجاد المؤسسات وابتكار الآليات التي تعزز من الجهد
الحقوقي المتراكم لخدمة أغراضه النهائية؛ وترشيد الساحة، وكذلك ترشيد
سياسات الحكومة وغير ذلك.
بينما منتحلو صفة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، لا شغل لهم
إلا توتير الساحة، والتخوين، ونشر الأكاذيب، وتضليل المنظمات الدولية،
والتشهير الشخصي بالمختلف معهم في الرأي، ووصم الآخرين بالعمالة لمجرد
أنهم رأوا تطوراً إيجابياً هنا أو هناك.
والآن.. يأتينا هذا البعض (منتحل صفة حقوق الإنسان) ليظهر إلينا
بوجه (الضحيّة).. اعتماداً على المثل القائل: (ضربني وبكى، وسبقني
واشتكى).
أمامنا رسالة تبنّاها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، نعتقد
من خلال محتواها بأن وراءها مركز البحرين لحقوق الإنسان، مؤرخة في
25/3/2010، وموجهة الى السيدة نافانيتيم بيلاي، مفوض الأمم المتحدة
السامي لحقوق الإنسان، أرسلت لها قبيل زيارتها للبحرين في أبريل الجاري،
يشكو موقعوها ما يتعرض له ناشطو حقوق الإنسان في البحرين من ضغوط ومضايقات
من قبل الحكومة، ويطالبوا فيها ببحث الأمر مع المسؤولين البحرينيين.
لقد توقفنا أمام هذه الرسالة، كونها تمثل نموذجاً لكل ما قلناه
آنفاً، من أن جهات حقوقية وسياسية متشددة في البحرين تمارس تضليلاً
كبيراً على صعيد العمل الحقوقي الإقليمي والدولي، وهو عملٌ وجهد يمكن
تصنيفه بأنه ضار بالعملية السياسية الديمقراطية، وبالجهود المبذولة
لتطوير الوضع الحقوقي البحريني. وهي رسالة تكشف عن تمادي هذه الجهات
في خلق مبررات الإضطراب والعنف، حتى يكاد المرء يجزم بأن هذه الجهات
لا يروقها، بل ويزعجها ـ كونها مسيّسة ومتشددة ـ أي تطور حقوقي أو
ديمقراطي.
الرسالة تعرب في بدايتها: (عن بالغ قلقها إزاء الحملات الإعلامية
والملاحقات القضائية المستمرة التي تقوم بها السلطات البحرينية لكبت
حرية التعبير وردع نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان).
من أجل التركيز فقط، سنناقش ما يتعلق بنشاط المدافعين عن حقوق الإنسان.
فمعظم ما جاء كان كلاماً عاماً، مثل تبيان سبب استهداف أولئك المدافعين
المزعومين: (يتم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان بعد قيامهم بتوفير
مصادر معلومات للعديد من الوكالات الإعلامية الدولية والمنظمات الأهلية
التي تصدر بيانات وتقارير تنتقد سجل حقوق الإنسان فى البحرين. كما
يتم استهدافهم بسبب مناصرتهم لحقوق الإنسان، وتوفير الدعم القانوني
لضحايا التعذيب أو سوء المعاملة من قبل الحكومة، وكذلك للقيام بأعمال
وثيقة الصلة بحقوق الإنسان والحريات العامة كتنظيم التجمعات السلمية
العامة أو المشاركة فيها).
نريد أن نثبت هنا حقيقة لا لبس فيها، وهي أن مركز البحرين لحقوق
الإنسان والعاملين الأساسيين فيه، يقومون بمعظم نشاطهم في البحرين،
دون أن يتعرض لهم أحد حتى الآن، رغم حقيقة أن الغطاء القانوني سحب
بسبب تجاوزات للنظام الأساسي للمركز. سنوات والمركز لا زال يعمل، حيث
يصدر البيانات، ويقوم باتصلاته الداخلية والخارجية، ويعقد اجتماعاته،
ويدعو لندوات، ويخطب مسؤولوه جماهيرياً بخطب تحوي تحريضاً على العنف
ـ كما فعل رئيسه السابق عبدالهادي الخواجه. فالمركز حاضر بأفكاره وأشخاصه
ونشاطاته وتحالفاته مع الجهات السياسية المتشددة (حركة حق)، دون أن
يقيده أحد، الى حد يبدو معه وكأن قرار حلّه رسمياً ليس له أثر.
والأكثر من هذا، فإن بعض الصحف اليومية تنشر أخبار المركز وأنشطته
وتصريحات مسؤوليه، وتغطي أخبار بياناته، واجتماعاته، ولم تتعرض تلك
الصحف للمساءلة أو الضغوط، مع ملاحظة حقيقة أن الصحافة المحلية أهلية
وليست رسمية، ولا تستطيع الحكومة ـ حتى لو أرادت ـ أن توجّه الصحف
ضد المركز، بالنظر لحقيقة الحريات الواسعة التي تتمتع بها الصحافة.
أما في الإعلام الرسمي، ونقصد به الاذاعة والتلفزيون، فإن ما تعرّض
له المركز هو مجرد النقد لخطابه العنفي، وتضليله الرأي العام الدولي
بالأخبار الكاذبة وقلب الحقائق. وهذا الحدّ مقبول، ولا يعتبر تشهيراً.
مع ملاحظة أن التعرّض للمركز بالنقد إنما هو جهد إعلامي يتم في المناسبات،
وليس هناك تركيزاً على نشاطاته وتصيّد أخطاءه.
وحتى لو حدث من كاتب صحيفة أن وجه اتهاماً للمركز بدون أدلّة، فهناك
القضاء. وفعلاً رفع المركز قضية على إحدى الصحف المحلية، ولازال القضاء
ينظر فيها.
كل هذا يبيّن ان المركز ليس ضحيّة، وكل ما قاله بأن (وسائل الإعلام
في البحرين مملوكة للدولة) وأنها تقوم (بشن حملات عامة على نحو منتظم
لتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان) مجرد زعم لا أرضية صحيحة له.
كما لم يحدث مطلقاً أن استخدمت الإدعاءات أساساً لتجريم مسؤوليه، بل
على العكس هناك تجاوز كبير عن أخطاء المركز، حتى في القضايا واضحة
الدليل كتلك المتعلقة بالتحريض العلني صوتاً وصورة على العنف. والغريب
أن الرسالة تحوي هذا النص: (وقد أحيل إلى المحاكمة عبد الهادي الخواجة،
وعبد الجليل السنكيس وناشطين آخرين، كل على حدة، بتهمة “إثارة الكراهية
للنظام والدعوة العلنية لإسقاطه” من خلال الخطابات والكتابات العامة
الناقدة للحكومة فى البحرين). ولا يمكن الشك أبداً في أن الإسمين المذكورين
قد حرّضا على العنف علناً، كما دعيا علناً لإسقاط الحكومة، ويمكن مراجعة
ما نشراه للتأكد من الأمر. والمدهش، أنهما حصلا على عفو من الملك،
ولكن لتتم الشكوى لاحقاً بأن موقع الفسيلة لعبدالجليل السنكيس وموقع
المركز قد تم حجبهما لما فيهما من مواد تحريضية.
وهناك مزاعم كبيرة حوتها الرسالة مثل القول بأن هناك ملاحقات قضائية
مستمرة في ردع نشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان. وأي امرئ يتابع الوضع
في البحرين سيصيبه العجب من هذه المزاعم التي تلقى بلا أدلّة. في حين
أنه حتى زيارة رئيس مركز حقوق الإنسان السابق، عبدالهادي الخواجة،
لإسرائيل، لم تدفع أحداً لملاحقته قضائياً كما كان متوقعاً، كونه زار
بلداً يمنع القانون زيارته.
ومن المزاعم التي وردت في الرسالة، القول بأن الإعلام الأجنبي المتواجد
في البحرين يتعرض للمضايقات والقيود حين يقوم بتغطية موضوعات ذات حساسية،
وانه تم حرمان بعضهم مؤقتاً من الوظيفة، وضربت الرسالة مثالاً على
ذلك بما حدث لوكالة الأنباء الألمانية في يناير 2010. مع أن وزارة
الإعلام وفي بيان رسمي حينها كذبت خبر إغلاق مكتب وكالة الأنباء الألمانية
أو منعه من ممارسة نشاطه. وللعلم فإن أغلب المؤسسات الصحافية والإعلامية
العالمية لها حضور ومكاتب ومراسلين في البحرين وممثلوها يلاحقون الأخبار
بما فيها أخبار الشغب والعنف، التي لاتزال مستمرة للأسف.
ومع هذا وصلت الرسالة الى استنتاج لم يصل اليه أحد من المهتمين
بحرية التعبير من المنظمات الدولية نفسها، حين تحدّثت عن انتهاكات
(منهجية) لحرية التعبير وحقوق الإنسان الأخرى، ليبنى على ذلك الطلب
برفع الحظر المفروض على مركز البحرين لحقوق الإنسان. والمدهش أن أول
ما طلبته الرسالة من المفوض السامي كان: تشجيعها على الإجتماع (بالمنظمات
الأهلية الشرعية والمستقلة) في إشارة الى عدم الإلتقاء بمن يختلف مع
المركز البحرين في منهجيته.
ملخص القول: إن رسالة مركز القاهرة تختلق مشكلة غير موجودة، سواء
تعلّق الأمر بمساحة حريّة التعبير، أو وضع نشطاء حقوق الإنسان؛ وهي
تقدّم متجاوزين لحقوق الإنسان كضحايا؛ وإلا فحرية التعبير، وحرية العمل
الحقوقي، واسعة بأكثر مما يتخيل المراقب الأجنبي. وكان يفترض من مركز
القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، التأكد من المعلومات التي تضمنتها رسالتها،
خاصة وأنها حوت اتهامات لمنظمات حقوقية ونشطاء حقوقيين بحرينيين بصورة
ضمنية.
من الجيد الإستفادة من زيارة المفوض السامي لحقوق الإنسان للبحرين
لخدمة حقوق الإنسان؛ ولكن ليس بالتزوير والتضليل وتضخيم القضايا او
افتعال قضايا ليس لها أساس من الصحة.
|