حسن موسى الشفيعي:

ضرورة تهيئة الأجواء لإنجاح الحوار بمشاركة كل أطياف المجتمع

حسن موسى الشفيعي

قال رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، الأستاذ حسن موسى الشفيعي، في لقاء له مع صحيفة البلاد (9/6/2011)، بأن هناك إرادة ملكية لإنجاح الحوار الوطني والمصالحة الوطنية، ستؤسس لمرحلة جديدة متفائلة تؤدي الى استعادة الأوضاع وترسيخ الإستقرار واستعادة اللحمة الإجتماعية. وأضاف بأن طريق الحوار مليء بالمشاكل والعقبات، ولكنه الطريق الصحيح، مؤكداً على أهمية تهيئة الأجواء لإنجاحه، عبر اتخاذ سلسلة من الخطوات.

وشدد رئيس المرصد على ضرورة مشاركة كافة اطياف المجتمع والفعاليات السياسية في الحوار الوطني، واعتماد سياسة الإستيعاب السياسي، التي تقوّي النظام السياسي؛ موضحاً أن الحوار يجب أن يعتمد الحلول الشاملة والمستقبلية، عبر وضع استراتيجية بعيدة المدى للبحرين، بحيث يمكنها التغلّب على اية مصاعب ومشاكل قد تقع في المستقبل.

وعلى صعيد موضوعات حقوق الإنسان، أكد الشفيعي تداول كم كبير من المعلومات المغلوطة والمشوهة والمبالغ فيها، عبر وسائل الإعلام والإنترنت، مضيفاً بأن المنظمات الحقوقية الدولية ليست عدواً للبحرين، وأن هناك تقصيراً في إيصال المعلومات اليها، وفي تصحيح بعض ما يرد في بياناتها وتقاريرها، لافتاً الى أن من الضروري التعاطي الإيجابي مع تلك المنظمات لأنها قوة حقيقية على الساحة الدولية، بدلاً من إعتماد سياسة الإهمال وعدم التعاون.

فيما يلي نص اللقاء.


يظهر من خلال البيان الذي أصدره مرصد البحرين لحقوق الإنسان فيما يتعلق بدعوة جلالة الملك للحوار، أنكم متفائلون بالمستقبل، وأن البحرين في المدى المنظور ستخرج من أزمتها وتستعيد عافيتها في المجالات كافة. مالذي يجعلكم متفائلين بنتائج الحوار؟


التفاؤل سمة طيبة على أية حال؛ وما نحن متفائلون بشأنه يعود في حقيقة الأمر الى أن هكذا نوع من الأزمات التي تصيب الدول، تتطلب اعترافاً أوليّاً بوجود مشكلة، واعترافاً ثانياً بوجود أطراف أخرى في العملية السياسية لها دور في حلّ المشكلة أو تأزيمها، واعترافاً ثالثاً بأن الحوار في ذاته يمثل مخرجاً منطقياً وعقلياً للأزمات. المشاكل التي تواجه الدول لا يمكن حلّها بـ (العضلات) بل وفق المنطق والمصالح المشتركة، والشراكة السياسية مع من نختلف معهم.

إن وجود إرادة للحوار في الطرف الرسمي يمثلها جلالة الملك، أمرٌ مهم. ونحن نعلم أن هناك أطرافاً متعددة قد لا تقبل ابتداءً بالحوار، أو غير متفائلة بشأنه. لكن الجميع ـ فيما أظن ـ يدرك حقيقة أن عمليّة التغالب السياسي لا تبني وطناً، وأن النظام السياسي المستقر هو النظام الذي يستطيع أن يتغلّب على مشاكلة بأقل الخسائر، عبر استخدام وسائل سياسية استيعابية، وعبر تقاسم المصالح، وتحمّل المسؤولية المشتركة في بناء الدولة.

لعلّ الأزمة المؤلمة أتاحت لدى الأطراف كافة فرصة اختبار قوتها واكتشاف نقاط ضعفها وأخطائها، وبالتالي معرفة الممكن وغير الممكن، وحجم الكلفة التي تسببها المغامرات السياسية، أو الحلول الإستئصالية أو الإقصائية. وعلى مثل هذه الإرادة الملكية، وهذه المعرفة الناتجة من التجربة المرّة، يمكن للمرء أن ينظر بعين التفاؤل الى الطريق المفتوح، والمليء بالأشواك أيضاً، ألا وهو طريق الحوار، بدل طريق التخاصم والتنابذ والصراع وما ينتج عنه.


سبق للمعارضة وأن رفضت الحوار الذي أطلقه سمو ولي العهد، ووضعت شروطاً تعجيزية، والجميع يعلم الآن أن ذلك الرفض كان خطأ فاحشاً، أدّى الى ما أدّى اليه. ألا يمكن أن تتكرر نفس المشكلة؟


أغلب أطياف المعارضة لديها استعداد في الوقت الحاضر للحوار، وقد أعلنت عن ذلك. صحيح أن قبول (الوفاق) يتضمن بعض الشروط، وقد يكون هذا عاكساً لقلقها، إلا أن هذا يمكن بنظري التغلب عليه. الحوار طريقه صعب، خاصة في أجواء عدم الثقة، ونحن الآن لازلنا في الأزمة، ولكن يفترض أن يجاب على الكثير من الأسئلة التي تثار في الأسابيع القادمة؛ وهي ستهدّيء من المخاوف، خاصة إذا ما عرف إطار وآليات وموضوعات الحوار، وكذا المشاركون فيه.

يبدو أن الجمهور البحريني بفئاته المختلفة لازال واقعاً تحت تأثير الأزمة، وتداعياتها، وفصول آلامها، وله مطالب، ويمارس ضغوطات، ولازالت هناك تغذية وتهييج للمشاعر عبر الخطاب السياسي والإعلامي، ما يجعل بداية الحوار صعبة، وهذا يفتح باباً آخر لمناقشة تهيئة الجمهور للحوار بدل الصدام والتشنّج الذي كان سمة الفترة الماضية. ولا ننس أن الأزمة السياسية صنعت شرخاً طائفياً، رافقه قلق على المصير والمستقبل. يجب صنع مناخ وأجواء ملائمة للحوار، تشجّع على المشاركة فيه، وتجعله محطّ أملٍ للبحرينيين كافة.


ماذا تقصد بتهيئة الجمهور والأجواء للحوار؟


نحن نتحدث عن حوار يقود الى مصالحة وطنية، والى شراكة وطنية في تحمّل المسؤولية وحمل الهم الوطني العام. أي أننا نبحث عن حلول جذرية للمشكلة. وفي الوقت الحالي، هناك من يشكك في جدوى أي حوار، فهذا يقول لا حوار مع الحكومة، وذاك يقول لا فائدة من الحوار مع المعارضة. معنى هذا استمرار الأزمة السياسية وأزمة عدم الثقة وانعكاس ذلك على سمعة البحرين ومكانتها.

الجمهور يجب أن يدرك بأن الحوار ليس أمراً ضاراً، ولا هو يتعارض مع مصالحه، وليس هو مكان للتنازل عن حقوقه، ولا هو مكان للمنازعة، بل هو مكان لتقاسم الهموم، وحل المشاكل، ومواجهة المستقبل، والبحث عن حلول لقضايا المواطنين، وسبل تقدم الوطن ورفاهية شعبه. الحوار لا يستهدف نزع حقوق قسم من المواطنين وتسليمها لآخرين كما يرى البعض، ولا التفريط بحقوق المواطنين الأساسية كما يرى البعض الآخر. نحن جميعاً مواطنون متساوون في الحقوق، وعدوّنا هو المشاكل التي تواجه وطننا وليس بعضنا بعضاً.

أما ما يتعلق بتهيئة الظروف، فيمكن القول بأن ما شهدته البحرين ولّد مشاكل جديدة، وقد حدثت أخطاء عديدة، ويكاد يكون الجميع يشكو ويتألم ويعتبر نفسه أو جماعته ضحيّة من نوع ما. ولهذا كله هناك أمور أساسية لها دور مؤثر في تهيئة الأجواء، من بينها التالي:

1/ التفكير في إطلاق مشروع مصالحة وطنية يتضمن نقاطاً عديدة من بينها: العفو عن المحتجزين أو أكثرهم، عبر عفو ملكي عام أو غيره. ولطالما عفا الملك عما مضى. والعفو من شيم الكرام، وهو في هذه المرحلة أكثر أهمية من الماضي، نظراً لطبيعة الأزمة وحدّتها، وما نتج عنها من انقسام سياسي واجتماعي، ولما للأزمة من تداعيات إقليمية واهتمام دولي. هذا العفو سيخفف من أجواء الإحتقان ويسهل الطريق الى الحوار وإنجاحه. نعم هناك من لا يرى أو لا يقبل بالعفو عما مضى، خاصة عن أولئك الذين تسببوا في مقتل أبرياء مدنيين وأمنيين. لكن مثل هذه المشاعر متواجدة لدى الأطراف كافة، فالأزمة لم تفرز رابحاً، بل كان الوطن وفئاته الإجتماعية كافة خاسرين. وفي ظرف مثل ظرف البحرين الحالي، ربما يكون الأجدى التعالي على الجراح، وتغليب المستقبل على الماضي والحاضر. وبدل أن نجترّ جميعاً الآلام، ونغلّب مشاعر الإنتقام، مع ما يعنيه كل هذا سياسياً وأمنياً واجتماعياً، يمكننا أن نبدأ بصفحة جديدة، ولكن في إطار حلّ شامل ودائم للمشاكل حتى لا نعود مرّة أخرى الى المربع الأول.

2/ ترشيد الخطاب الإعلامي، ومنع الخطاب الطائفي لضرره في الحاضر والمستقبل. ان استمرار الخطاب الطائفي يعقد الأجواء، ويشحن النفوس، ويمنع التواصل الإجتماعي، ويقضي على الآمال بحوار صحيح وبنتائج معقولة منه.

3/ الإعداد المناسب للحوار من حيث الجهات المشاركة، والموضوعات، وآلية الحسم والقرار النهائي.

4/ إعادة النظر في بعض الإجراءات الرسمية التي اتخذت ـ وإن كانت في إطار القانون ـ والتي شابها بعض الأخطاء، وكان لها وقع مؤثر في النفوس، مثل موضوع الفصل الوظيفي، وقطع بعض بعثات الطلبة، وهدم التجاوزات المضافة على أماكن العبادة، والذي كان توقيته غير ملائم، وبعث برسائل خاطئة للمراقبين. إضافة الى المتوفين في ظروف الإحتجاز وغير ذلك. البدء بهذا يوفر عامل ثقة، ويؤكد الجدّيّة في الحوار، كما أنه عامل مهم في تغيير سلوك الجمهور، وإعطائه أملاً بمستقبل أفضل من خلال الحوار الوطني.

ينبغي أن أشير هنا الى حقيقة أن الحكومة بدأت فعلاً بخطوات لتصحيح الأوضاع في المجالات المذكورة كافة، وهذا أمرٌ يشاد به، خاصة في تشكيل لجنة تظلّم بإعادة النظر في فصل العمال عن عملهم؛ وكذلك إعادة بعثات الطلبة التابعة لوزارة التربية والتعليم، والأهم إحالة مجموعة من موظفي الأمن الى المحكمة العسكرية بتهمة إساءة المعاملة ضد أحد المتوفين في الإحتجاز، وذلك بأمر من معالي وزير الداخلية. هذه الخطوات هي ما طالبت به منظمات حقوق الإنسان، والتراجع عن الأخطاء فضيلة، ويؤكد على ثقة الدولة بنفسها، ويعبّر عن شجاعة في الموقف، ويعزّز ثقة الجمهور في آليات التقاضي والتظلّم.


حسبما تطرح، فإن الطريق الى الحوار أمامه عقبات وصعوبات، فضلاً عن العديد من المتطلبات، قد لا يقبل كثيرون بها؟


الصعوبات حقيقة واقعة. لكن الحوار المنشود هو تأسيسي، وليس حواراً عابراً، ولا من أجل حلّ أزمة صغيرة، وإنما هو حوار حول مستقبل البحرين دولة وشعباً، أي كيف ستكون عليه البحرين في العقود القادمة. لهذا هو حوار مهم. هو ليس حواراً جزئياً، ولا يجب أن يكون من أجل حل أزمة حاضرة فقط، وإنما لحل كل الأزمات التي يمكن أن تحدث في المستقبل. نحن بحاجة الى نظام وترويكة قوانين قابلة للعيش والإستمرار حتى مع حدوث أية هزات إقليمية أو غيرها. أي أن الحوار يجب أن يبحث عن حلول شاملة لوضع البحرين السياسي في الحاضر والمستقبل، ويراعي المسائل الإستراتيجية المبتغاة بعيداً عن التسويات الآنيّة.

نعم هناك معضلات تقف أمامنا جميعاً. ولا يمكن التغلب عليها إلا بجهد جمعي. ولو لم تكن هناك معضلات لما كانت هناك حاجة ماسة لحوار في الأساس، أو لكان الحوار جزئياً ولا يتمتع بالعمق والأهمية، ولما كانت الآمال المعلّقة عليه كبيرة.

واحدة من معضلات الحوار تكمن في حقيقة ان هناك جهتين سياسيتين تمثلان الشيعة، الوفاق والجمعيات التي رفضت المشاركة السياسية ودعت الى اسقاط النظام. وبالتالي فإن مشاركة أو عدم مشاركة أحدهما أمرٌ معضل، ويجعل نتائج الحوار محفوفة بالألغام التي قد تنفجر في المستقبل. في نظري فإن مشاركة كل الأطياف المعارضة ضرورة، بما فيها الجناح المتشدد، رغم صعوبة ذلك، ورفض الكثيرين للأمر. إلا أن النظام السياسي يجب أن يكون استيعابياً، وقدرة الإستيعاب كما هو معلوم في السياسة واحدة من أعظم عناصر قوة النظام السياسي، بحيث أنه يستطيع أن يحتضن كل قوة سياسية جديدة ويشركها فيه. فلو ظهرت في المستقبل قوة سياسية شيعية أو سنية، حزبية او شعبوية، فعلى النظام السياسي البحريني أن يكون قادراً على استيعابها داخله وإلا انفجرت في الخارج.

ومن هذه الزاوية نحن ندعو الى محاورة المتشددين في مستويات أخرى من الحوار الذي يفترض أن يأخذ أشكالاً متعددة لصنع أرضية مشتركة مع الأطياف المشاركة في الحوار الكبير. وإذا ما رفض المتشددون ذلك، نعيد الكرة مرة أخرى. واذا ما فشل الجميع معهم، فعلى الأقل سيتشكّل إجماع سياسيّ ووطني بعزلهم، والتعاطي القانوني معهم.

ما نقوله هنا ليس بدعاً من العمل السياسي. فهذا النوع من الدعوات للحوار، قامت به دول أخرى مرّت بأزمات سياسية واجتماعية مشابهة. فضلاً عن هذا، فإن النظام السياسي في البحرين لم يرفض يوماً منطق الحوار مع الأطراف المتشددة التي ترفض المشاركة في العملية السياسية. وقد سبق لجلالة الملك أن اجتمع مع بعض المتشددين وناقشهم، لإدراك جلالته بأن قوّة النظام واستقراره تكمن في قدرته ورغبته في الإستيعاب السياسي، والمشاركة في المشروع الإصلاحي. النظام السياسي القوي لا يخشى الحوار، بل يراه أحد أهم أدواته في إنجاح الإصلاح المنشود.


ركّزت على الحوار في الجانب الشيعي، فماذا عن الأطراف الأخرى؟


من هم المتحاورون؟ هل هي الأحزاب السياسية؟ هل هي القوى الإجتماعية/ الوجاهات؟ الحوار يجب أن يكون في الأساس بين من سيكونوا صنّاع الإتفاق والموقعون عليه. وهم من لديهم قوة جمهور وتمثيل، بحيث لو قرّروا وأبرموا أمراً، فإنهم يستطيعون مجتمعين إلزام الشعب به. ويمكن أن تشارك فيه أطراف أخرى بالرأي والبحث وصناعة المستقبل. لكن في كل الأحوال يجب أن يكون هناك ـ وبسبب الإنقسام الطائفي ـ ممثلون عن الطائفتين الكريمتين الشيعية والسنيّة، وأن تكون العائلة المالكة عنصراً أساسياً ضامناً للتوازن السياسي في البلاد. هذا المثلث هو القادر على صناعة مستقبل البحرين، ورسم خريطتها المستقبلية، وانجاح الحوار والمصالحة الوطنية عبر إنجاز اتفاق دائم وشامل يوفر للبلاد استقراراً بعيد المدى.

ويجب التأكيد مجدداً على أن الحوار الوطني القادم يجب أن يضم حتى المختلفين إن أمكن ـ حتى لا يصبح لدينا شارعان: أحدهما مع الحوار والمشاركة السياسية؛ والآخر ضد الحوار والمشاركة ومع اسقاط النظام أو تغييره. من يشترك في مائدة الحوار، هو من يفترض أن يقبل بثوابت اللعبة السياسية الوطنية، وعدم التمرّد عليها ومن ثم تفجير الوضع في الشارع مستقبلاً. ليس من صالح النظام السياسي، ولا المعارضة ولا الجمهور العريض بمختلف أطيافه، أن ينتظر هزات جديدة. المهم ان يخرج الحوار بحلول شاملة ودائمة، تعيد للبحرين نضارتها وتكون منارة في منطقة الخليج بتجربتها السياسية التعددية وتسامحها الديني، والمساحة الكبيرة التي توفرها لحرية الرأي والتعبير.


دعنا ننتقل الى الموضوع الحقوقي، لماذا لازالت منظمات حقوق الإنسان الدولية مستمرة على نهجها العدائي في تعاطيها مع أزمة البحرين، رغم انكشاف كثير من الأخبار المفتعلة والمعلومات غير الدقيقة؟


لقد ظهر بالفعل أن هناك معلومات غير دقيقة قد تمّ تداولها عبر وسائل الإعلام، كما أن هناك أخبار تمّ افتعالها، بعضها يتعلق مثلاً بدور العمالة الأجنبية ودورها في مواجهة المتظاهرين، وقد نفت سفارة الهند في البحرين ذلك؛ وبعضها الاخر يتعلق بحوادث وفاة قيل أنها بسبب الغاز المسيل للدموع وتبين أن الأمر غير صحيح؛ أو أشخاص ماتوا تحت التعذيب، وإذا بهم أحياء مثل ميعاد عبدالله محمد. أيضاً هناك معلومات تتعلق بحوادث تعذيب مفبركة؛ فضلاً عن الزيادة المفرطة في أرقام المحتجزين والمتوفين والمسرحين من العمل.

لكن ينبغي التأكيد على حقيقة أن المنظمات الدولية لا تتقصد نشر الأخبار المزيّفة، وليست هي في ذاتها تكنّ عداءً خاصاً ضد البحرين ونظام الحكم فيها، كما لا تتقصد المبالغة في بياناتها، وهي تحاول قدر الإمكان الإحاطة بالوضع السياسي والصورة العامة للأحداث ومحاولة الحصول على ما يتيسر من معلومات، التي هناك نقص فيها في بعض الأحيان. وهناك شكوى متكررة من قبل المنظمات الدولية، سمعتها مراراً، تفيد بأن المسؤولين لا يزودون المنظمات الحقوقية بالمعلومات، ولا يجيبون على الرسائل التي يبعثونها والمتعلقة بقضايا محددة، كما لا يعلقون على البيانات والتقارير التي تصدر، فيكذبون غير الصحيح منها.


الشعور العام السائد بأن هذه المنظمات الدولية ذات أجندات سياسية، وأنها غير محايدة، وأنها لا توثق تجاوزات المعارضة، وتؤجج الصراع المذهبي من خلال التأكيد على الإنتماءات الطائفية، ولهذا يرى البعض إهمال تقاريرها وعدم التعاون معها؟


المنظمات الحقوقية الدولية غير معنية بالشأن السياسي المحلي الصرف، ولا هي تتبنى المطالب السياسية للجماعات المعارضة، ولا تعلّق على جوانب الإختلاف السياسي، وإنما يهمّها مدى احترام حقوق الإنسان من كافة الأطراف، الحكومية والمعارضة. ولكن هذه المنظمات معنيّة بدرجة أساس بانتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها الحكومة، أية حكومة، باعتبارها مسؤولة عن شعب، وأنها المؤسسة القانونية القائمة المعترف بها دولياً، والمرجعية التي يعود اليها تطبيق القانون وسيادته واحترام حقوق مواطنيها على اراضيها. لهذا، فإن اهتمامها بسلوك الدول أساسي، أما سلوك المعارضة فشأنٌ ينظر اليه في إطار الدولة نفسها، وتلزم المنظمات الدولية الدولة المعنية بأن تتعامل مع تجاوزات المعارضة وفق القانون، وفي إطار مواثيق حقوق الإنسان الدولية. أيضاً فإن المنظمات الحقوقية الدولية تهتم بتجاوزات المعارضة، وتوثقها وتندد بها، وتعتبرها انتهاكاً غير مقبول لحقوق الإنسان. وقد حدث هذا مثلاً في تقرير امنستي الذي صدر في 21 أبريل الماضي، حيث وثّقت التجاوزات التي وقعت من قبل المعارضة البحرينية، حتى وإن كان البعض ينظر الى ما نشر على أنه قليل ولا يتحدث في التفصيل. ولكن ربما كان هذا هو القدر الذي توفر من المعلومات في ذلك الوقت.

أما فيما يتعلق بالموضوع المذهبي، وإشارة المنظمات الدولية الى انتماءات الأفراد المحتجزين أو غيرهم من الناحية الطائفية، فهذه تعود في الأساس الى عقلية الغرب في النظر الى الأمور؛ وقد سبق أن تطرق مرصد البحرين لحقوق الإنسان الى هذا الأمر وبيّن أن مثل تلك الإشارات غير مفيدة، بل وضارّة أحياناً، وقد أبلغ رسالته مباشرة الى المنظمات المعنية. إن استخدام المفردات الطائفية ـ بلا مبرر ـ غير مقبول.

كل هذه الأمور لا يدفع بالدول عادة الى عدم التعاطي مع المنظمات الحقوقية الدولية. فهذه المنظمات لها تأثيرها على رجال السياسة والقانون وعلى البرلمانات وعلى الإعلام وبالتالي على جمهور من الرأي العام في كل أنحاء في العالم. إن المنظمات الدولية قوة حقيقية في الساحة السياسية الدولية لا يصح مصادمتها وعدم التعاون معها، لأن النتيجة النهائية ليست في صالح من يقوم بذلك، حتى ولو كانت دولة الولايات المتحدة الأميركية نفسها!


كيف ترى مستقبل حقوق الإنسان في البحرين؟


من أهم أهداف المشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالة الملك كان تطوير وضع حقوق الإنسان في البحرين في مجالاته الشاملة. وقد انتقلت البحرين فعلاً الى مرحلة متقدمة على كل دول الجوار في هذا الشأن. لكن الأحداث الأخيرة أثرت على الموضوع الحقوقي، والمؤمل أن الحوار الوطني القادم سيؤدي في مقدماته كما في نتائجه الى تحسين الأوضاع الحقوقية، وتجاوز فترة الأزمة وما رافقها من أخطاء، وإعادة الحياة للجمعيات الحقوقية وأيضاً للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والأهم للمؤسسات الرسمية التي يتداخل عملها مع الشأن الحقوقي. آمل أن يبعث الحوار الوطني زخماً جديداً على الساحة الحقوقية في شكل أنشطة وفعاليات وبرامج وورش عمل وملتقى للمنظمات الحقوقية الدولية وغير ذلك، والذي سيصب في النهاية في مصلحة حقوق الإنسان في البحرين والمزيد من احترامه.