يحاول مرصد البحرين لحقوق الإنسان في هذا العدد المتميّز، وبسبب الأزمة التي مرّت بها البحرين، سياسياً وحقوقياً واجتماعياً واقتصادياً، تجلية مواقف الأطراف الرسمية والمعارضة والشعبية والحقوقية تجاه الأزمة وسبل الخروج منها، مع ما يتضمّن ذلك من محاولة لمراجعة المواقف والسياسات وما ارتكب من أخطاء على أكثر من صعيد. لاتزال الأزمة في البحرين يختلط فيها السياسي بالحقوقي بالإجتماعي بالإصلاحي المتدرج بالتشدد وغيره. وبسبب ذلك كان هنالك غبش نحاول في العديد من المقابلات مع شخصيات فاعلة في هذا العدد توضيحه.

وقد أرسل المرصد العديد من الرسائل، وأجرى العديد من الإتصالات لوضع الآراء المختلفة في سياقها، وفي عدد واحد، حتى يتمكن المتابعون للموضوع الحقوقي المركّب على الأزمة السياسية معرفة الإتجاهات والأبعاد والتداعيات للأحداث الأخيرة، بما يوفّر فرصة للحلول الوسطى، ويجنّب البحرين المزيد من التأزم والخسائر على صعيد الدولة والمجتمع.

ولقد كان المرصد حريصاً في الحصول على موافقات مبدئية بشأن المقابلات من الأطراف جميعاً، ولكن للأسف، فإن انشغالات العديد منهم منعتهم من الإجابة على أسئلتنا بعد الموافقة المبدئية، وأخصّ بالذكر هنا الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الإسلامية؛ والدكتور حسن مدن، أمين عام جمعية المنبر الديمقراطي، وإن شاء الله نتمكن في المستقبل من إجراء المقابلات معهم.

الشيخ عبداللطيف آل محمود

مع المعارضة بشأن المملكة الدستورية وضدّ أخذ الدولة الى المجهول

فيما يلي لقاء (المرصد البحريني) مع فضيلة الشيخ عبداللطيف آل محمود، رئيس تجمع الوحدة الوطنية، حول الأوضاع الأخيرة في البحرين ورؤيته تجاهها.

الشيخ عبداللطيف آل محمود

فضيلة الشيخ، تقدمت المعارضة بمطالب الى الحكومة، فيما تأخرتم في (تجمع الوحدة الوطنية) في تقديم مطالبكم اليها، ما هي المطالب التي تتقاطعون فيها مع المعارضة، والأخرى التي تعترضون عليها، ولماذا؟


هناك فرق بين المطالب التي تقدمت بها المعارضة في أول دعوتها للاعتصام بتاريخ 14/ 2/2011، وقد كانت تلك المطالب كالتالي:

1/ تطبيق مفهوم المملكة الدستورية .

2/ تعديل اختصاصات مجلس الشورى بحيث يكون مجلساً استشارياً فحسب.

3/ التجنيس.

وعند هذه المطالب نحن نتفق مع المعارضة في دخول الحوار حول هذه القضايا. لكن هذه القضايا تطورت فيما بعد، وفي 3/3/2011، قدمت المعارضة ورقة حول رؤيتها للحوار مع الحكومة تتلخص في:

1/ إلغاء دستور 2002م.

2/ الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد للبلاد.

3/ أن يكون مجلس النواب منفرداً بكامل الصلاحيات التشريعية.

4/ حق الشعب في أن تكون له حكومة منتخبة.

وأضافت المعارضة بأن من بين قضايا تهيئة الحوار:

• إقالة الحكومة .

• وضع جدول زمني لا يقل عن أسبوعين، ولا يتعدى الثلاثة أسابيع للوصول الى إتفاقيات جذرية للأزمة؛ على ان يظل المعتصمون في الشارع، وتتمّ هذه المطالب تحت ضغط الشارع.

وكان رأينا أن هذه المطالب هي مطالب تؤدي الى الذهاب بالدولة الى المجهول، وتُدخل الدولة مرحلة من الفوضى والعنف بين المواطنين.

من جانبنا، قدمنا للحوار قضايا كثيرة، منها:

ألف ـ مفهوم المملكة الدستورية.

باء ـ التعديل الدستوري لدستور عام 2002م.

جيم ـ نظام المجلسين (السلطة التشريعية) من حيث الصلاحيات، وعدد الاعضاء، والعلاقة بين المجلسين، والدوائر الانتخابية، والإشراف على الإنتخابات، والجهة المخولة بوضع اللائحة الداخلية للمجلسين.

دال ـ السلطة التنفيذية من حيث ترشيح رئيس الوزراء والوزراء، وصلاحية السلطة التشريعية لقبول برنامج الحكومة، ومساءلة رئيس الوزراء والوزراء.

هاء ـ السلطة القضائية من حيث العلاقة بينها وبين وزارة العدل، وآلية تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، وشروط تعيين القضاة، والإستقلال المالي والإداري، وتطوير القضاء.

واو ـ العلاقة بين العائلة الحاكمة والدولة .

كما ضمنّا القضايا التي تطرح للحوار، قضايا سياسية، كالرقابة المالية والادارية، والتجنيس، وتطبيق قانون الذمّة المالية، والحريات المدنية، وسيادة القانون، وكذلك قضايا تتعلق بالجانب التنظيمي للدولة من حيث دخلها، وأملاكها، والحفاظ على الثروة الوطنية، والعلاقة بين البلديات والمحافظات، وبين المجالس البلدية والجهاز التنفيذي لوزارة شؤؤن البلديات، وكذلك مجموعة من القضايا المتعلقة بالجانب المعيشي (إقتصادية ـ إجتماعية ـ معيشية) من حيث رفع الأجور والرواتب، والمعاشات للمتقاعدين، والإسكان، وتحقيق الضمان الإجتماعي، ومعالجة البطالة، والفساد الأخلاقي والمالي والإداري، والفرز والإحتقان الطائفي. وبهذا يتضح ماذا نتفق عليه معهم (المعارضة).


لماذا تحوّل المشكل السياسي في البحرين الى أزمة طائفية، ووصلت الى الشارع البحريني.. الى أين ستصل هذه الأزمة الطائفية وما هي آفاق حلّها؟


تحوّل المشكلة السياسية في البحرين الى أزمة طائفية، بسبب الروح العدائية التي ظهرت من الشحن الزائد من المعارضة الشيعية على أساس طائفي، ومحاولة المعارضة شلّ مفاصل الدولة الإقتصادية، وظهور النفس الطائفي بالاستيلاء على مركز السلمانية الطبي، ومنع الأطباء غير المنتمين إليهم من دخول المستشفى والعلاج على أساس طائفي. وأيضاً الإصطفاف الطائفي في المدارس، والهجوم على طلاب الجامعة، وقيام العصابات الإجرامية بالاعتداء على المواطنين والمقيمين، مما أثار هلعاً كبيراً في المجتمع، إضافة الى وجود التعاون بين الدولة الإيرانية والمعارضة، حيث سخّرت أكثر من 4 قنوات تلفزيونية لنقل وجهات نظر المعارضة، ونشر الأكاذيب بالإضافة الى الإستقواء بحزب الله اللبناني. كلّ هذا حوّل القضية من مشكلة سياسية الى مشكلة طائفية، خاصة بعد أن ظهر الإصطفاف الطائفي عندما أعلنت الدولة حالة السلامة الأهلية، وقدّم عدد كبير من الشيعة القضاة والنواب بالمجلسين ومستشاري جلالة الملك استقالاتهم في وقت واحد. مما أظهر الأزمة على أنها ليست مطالب إصلاحية، بمقدار ما كان المطلوب هو إسقاط النظام، خاصة بعد إعلان عدد من الجمعيات المعارضة غير المرخصة بإعلان جمهورية إسلامية، وإعلان إسقاط النظام الملكي.

فى المرحلة الحالية، انتهت المطالبات، وصارت الأولوية لفرض الأمن والأمان والاستقرار في البحرين.

نعتقد أن الأزمة سوف يتم احتواؤها خلال فترة محدودة لا تتجاوز مدة 6 أشهر، إضافة الى أن الدولة ستقوم بكثير من الإصلاحات المعيشية والإجتماعية والإقتصادية، ثم فيما بعد سوف تكون هناك حوارات حول التعديلات الدستورية.


المعارضة تطالب بـ (الملكية الدستورية) وهذا المفهوم خضع لعدّة تفسيرات وتعريفات، ما هو تعريفكم أنتم لهذا المفهوم، وأي شكل من (الملكية الدستورية) تعتقدون أنه يناسب البحرين؟


مفهوم (الملكية الدستورية) له تفسيرات وتعريفات وله تطبيقات أيضا في أكثر من دولة على مستوى العالم. ونعتقد أنه سوف يتم الإتفاق على الشكل المناسب للملكية الدستورية للبحرين. لا شك أن وجود الدستور، والحكم طبقا للقوانين الصادرة من المجلس التشريعي ركنان أساسيان للملكية الدستورية.


يأخذ البعض عليكم أنكم فضلتم الإنحياز للحكومة، وأن ليس هناك في الشارع السنّي معارضة تطالب بالإصلاحات السياسية، في حين كان البعض يأخذ على الشيعة انحيازهم المستمر للمعارضة، ما رأيكم في هذا؟


قام تجمّع الوحدة الوطنية بالمحافظة على الشريحة الكبرى من المجتمع البحريني، ويضمّ معظم الطائفة السنيّة، ومعتدلي الطائفة الشيعية، وأتباع الأديان من المسيحيين واليهود، وطوائف إسلامية مثل البهرة. والشارع السنّي لم يكن له تواجد قبل ذلك، لأنه لم يكن يشعر بالحاجة الى المعارضة من أجل المعارضة. وكان يرى ان المجلس التشريعي قادر على أن يحلّ كثيراً من القضايا الإصلاحية، لكن عندما رأى هذا الطيف الكبير أن المعارضة قد أصبحت تهدد وجوده، فقد تداعى لهذا التجمّع على أن يكون طرفاً مستقلاً تاماً يمثّل على مائدة الحوار ليكون الحوار ثلاثيا (النظام، وأهل السنّة، والشيعة) كأطراف أساسية، وبالتالي فإن تجمع الوحدة الوطنية ليس حكومياً، بل هو منحاز لمصلحة الوطن، ولا يعارض للمعارضة، وانما يعارض لمصلحة الجميع، فموقفه أنّه سيقف مع ما فيه مصلحة الوطن، ويخدم جميع المواطنين.


هناك اتهامات متبادلة تتعلق بالفشل في إدارة الأزمة السياسية بين الحكومة والمعارضة، وكل له مآخذ على الآخر في أدائه حتى هذه اللحظة. كيف تقيّمون أداء الحكومة وتعاطيها مع الأحداث من جهة، وكيف تقيّمون أداءكم في التجمّع الوطني؟


إن كان هناك من فشل في إدارة الأزمة، فإنه كان على التحقيق من جانب المعارضة التي دخلت الأزمة برؤيا إصلاحية، وانتهت بمطالبات لإسقاط النظام، وقد فوتت على نفسها وعلى الوطن فرصة ذهبية للدخول في حوار مع أطراف الدولة (النظام، وتجمّع الوحدة الوطنية، وغيرها) لإدخال الإصلاحات التي يوافق عليها النظام استجابة للمطالب الشعبية.

أما الدولة، فإنها قد أدارت الأزمة ـ فيما اتضح في النهاية ـ بطريقة كشفت حقيقة المعارضة، وعرّتها أمام المجتمع المحلّي بالبحرين والخليج على وجه الخصوص، وقد أوصلت هذه الطريقة الى تضامن دول الخليج مع مملكة البحرين، وكذلك بعض الدول الأخرى التي كانت تؤيد المعارضة في بادىء الأمر.

أما تجمّع الوحدة الوطنية، فإنّه قد ولد مع الأزمة، وبفضل من الله أعاد التوازن بين القوى الوطنية، حيث لم يكن في الساحة سوى المعارضة الشيعية والدولة، وقد كان التجمّع واضحاً وصريحاً ومحدداً في مطالبه .


أين موقعكم من موضوع الحوار مع الحكومة، وما هو المخرج من الأزمة الحالية بنظركم؟


لازال موقفنا من الحوار أننا نطالب بالإصلاحات الدستورية والسياسية والتنظيمية، غير أن تشدّد المعارضة، وفشل مخططهم، غير الأولويات. فبينما كان التجمّع مع التعديلات الدستورية، فإنه الآن مع فرض حالة السلم الأهلي.

والمخرج من الأزمة الحالية يكون بالإستمرار في جميع الإصلاحات المطلوبة وعدم تأخيرها، وذلك لبناء دولة قوية تجمع شمل جميع الأطياف، وتمنع استغلال الضعف في أي جهة لإحداث فتنه جديدة.


أخذت الأزمة السياسية في البحرين منحى طائفياً وخرجت عن إطارها المحلي الى الإقليمي.. الى أي حدّ عمّقت التدخلات الإقليمية ـ التي يقول بها كثيرون ـ من الأزمة المحلية؟


لاشك ان الأزمة السياسية أظهرت التوجهات الطائفية التي كانت تريد إلغاء الآخر، واستنساخ ما حدث في العراق وما وصل إليه العراق من حدوث مجازر طائفية للآلاف المؤلفة من المواطنين العراقيين من السنة والشيعة، وهذا أدّى الى خروج الأزمة عن إطارها المحلّي والإقليمي. كما أدّت الى فضح التدخل الإيراني في الأزمة البحرينية، وكذلك حزب الله اللبناني. وإن مراجعة كل طرف لمواقفه سيؤدى الى علاج هذه الأزمة، ويعيد التعايش داخل البحرين، ويصحّح العلاقات الإقليمية بين دول المنطقة.


ما هي توجهاتكم الشخصية كقائد لتجمع الوحدة الوطنية لرأب الصدع والدفاع عن حقوق المواطنين جميعا؟


أحيلكم على خطبتي يوم الجمعة الموافق 15/4/2011 والتي تضمنت دعوة الى تدارس الأزمة التي مرّت، وعلى جميع المستويات: القيادة الحاكمة، والشعب بجميع مكوناته ومؤسساته السياسية والدينية والمهنية. إننا بحاجة إلى دراسات معمقة تتناول الأسباب بكل صراحة ووضوح، لا بقصد جلد النفس وتأنيبها، وإنما بقصد التوصل إلى ما يجب علينا تجنبه في حياتنا القادمة، فما مرّ بنا خلال الشهرين الماضيين لم تمر به البحرين طيلة تاريخها. نريد أن تدرس كل فئة وكل جماعة الوضع من تلقاء نفسها، وتركّز على سلبياتها قبل أن تركّز على سلبيات غيرها.

وقلت في الخطبة بأن هناك أسباباً بعضها من الحكومة وبعضها منّا، وبعضها من الذين أثاروا الفتنة، وبعضها من الساكتين وكانوا قادرين على أن يكون لهم دور ولكنهم لم يقوموا به .في هذه المرحلة التي نصر فيها على عودة الأمن، ونصرّ على محاسبة الذين تسببوا في هذه الفتنة، فإننا مع المحاسبة القانونية والجنائية، لكننا نعلنها صريحة أننا لا نسمح ولا نجيز ولا نرضى عن أي تجاوز للحقوق، أو خروج على العدالة، ونحذر من أن يكون لروح الإنتقام مكانة في التحقيق مع المتهمين، أو أخذ البريئين بذنوب المجرمين والمسيئين. وأؤكد على هذا اليوم بعد أن توفي عدد من المقبوض عليهم أثناء التحقيق. نريد أن يتم التحقيق المحايد في أسباب وفاة هؤلاء، وندعو المسؤولين إلى أن يمكّنوا الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وغيرها من المحايدين للاطلاع على الحقائق، وتتم محاسبة من تسبب في ذلك.

نقول وبكل صراحة أيضاً: إنه لا يجوز أن نضع جميع أتباع الشيعة الجعفرية في سلّة واحدة، ونوجّه لهم كلهم الإتهام، فإن ذلك من الجور والظلم، وربنا لا يظلم أحداً، ولا يجوز لنا أن نظلم أي بريء. ومن هذا الظلم أننا نرى منشورات توصل إلى بعض بيوت الشيعة تطالبهم بالرحيل عن سكنهم، وتهدّد بقاءهم من غير ذنب ارتكبوه، وذلك لا نقرّه ولا نرضى به، ونرجوا من إخواننا الذين يرسلون هذه الرسائل أن يكفوا عن هذا الفعل، وأن لا تأخذهم العاطفة، فيقعوا في ذات الخطأ الذي وقع فيه أصحاب الفتنة الذين لم يكونوا يريدون التعايش مع غيرهم.