رئيس المرصد:

مستقبل البحرين معلّق على الحريات واحترام حقوق الإنسان

أجرت صحيفة الأيام بتاريخ 3/10/2010 لقاء مع الأستاذ حسن موسى الشفيعي، رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، وعضو المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك للتعرف على آخر تطورات البحرين الحقوقية/ السياسية، وما يثار من أسئلة تتعلق بمسيرة الديمقراطية أو الإنقلاب عليها في وسائل الإعلام الخارجية، وكذلك العلاقة بين البحرين والمنظمات الحقوقية الدولية، ومزاعم الإنتهاكات التي حدثت، ومستقبل الوضع الحقوقي والسياسي بشكل عام. فيما يلي نص اللقاء:


كيف تقيمون المواجهات الأمنية
مع قوى التشدد والعنف؟


أرى فيما جرى مؤخراً أنه جاء كنتيجة لتصاعد أعمال العنف والشغب في الشارع، ومحاولة قطع شريان الحياة وأقصد الطرق الرئيسية (الهاي وي)، فضلاً عن تدمير الممتلكات وتخويف السكان والسائحين وإقلاق الأمن. هذه أعمال استمرت لفترة طويلة، والحكومة لم تفعّل القانون حتى بلغ السيل الزُبى، فقامت بما قامت به. أتذكر أن الملك قال قبل شهرين بأنه حتى ولو كان القانون يسمح بمواجهة دعاة العنف والشغب، فإن الحكومة لن تفرض القانون بالقوة. لكن التطور الذي حدث بعد ذلك التصريح، وتمدّد الحرائق والعنف، عجّل باتخاذ قرار حازم بالمواجهة.


لكن الحكومة تقول بأن ما جرى أوسع مما شرحت، أي أنه كانت هناك محاولة إنقلاب ضد نظام الحكم؟


فيما يتعلق بقلب نظام الحكم، فإنني أعتقد بأن المقصود من هذا هو أن مجمل ما جرى من شغب وعنف وتعطيل للمصالح العامة يستهدف إسقاط نظام الحكم كنتيجة. مسؤولو النظام يعتقدون بأن الهدف النهائي للشغب والعنف والتخطيط المرافق لذلك هو إسقاط النظام. وهذا أمرٌ قد تشير اليه وتؤكده بيانات المتشددين أنفهسم، فهم يقولون بأنهم يريدون إسقاط النظام، وهذا ليس سرّاً، فالبيانات تطفح بذلك. في الإعلام الخارجي قرئ الموضوع بنحو مختلف، وتصوروا أن عبارة (اسقاط النظام) تعني وجود مجموعة إنقلابية مسلّحة كانت على وشك الهجوم والسيطرة على الوضع. الثابت أن الغاية من تأجيج الشغب والتحريض على العنف هي إسقاط النظام، ولنترك للقضاء توصيف الذي جرى.


البعض أرجع ما حدث الى تأجج مشاعر الطائفية وأنها كانت وراء التوتر وردود الأفعال المتبادلة والتي جرت على الساحتين السياسية والإجتماعية؟


لا أرى ان الطائفية وراء التوتر. ولكن الطائفيين من مختلف الأطراف يستفيدون من التوتر الأمني. التوتر الأمني يأتي بتوتر طائفي في الغالب. وما جرى حتى الآن، رآه بعض الطائفيين أنه هجوم على حكم سنّي، ورآه نظراؤهم في الطرف الآخر، بأنه اعتداء حكم سنّي على جمهور شيعي. والحقيقة أن من يقوم بالعنف لا يمثل الشيعة وقواهم الرئيسية. هذه حقيقة. وستأتي الإنتخبات القادمة في اكتوبر لتؤكد ذلك. الطائفية لا تنتعش إلا في جو موبوء متكهرب، والطائفيون يستفيدون من توتر الأوضاع لاستثمارها باسم (الطائفة) في مشاريعهم السياسية.


لكن هناك من يقول بأن الشيعة في البحرين يتعرضون لمذبحة وإبادة؟


إبادة ومذبحة! هذه كلمات كبيرة؛ وهي واحدة من محاولات خلق اصطفاف طائفي لاستثمارها سياسياً. ترى كم ذهب ضحية الإبادة والمذبحة المزعومة؟ لا أحد. من يقول هذا الكلام يسعى لإيقاع الفتنة بين الشيعة والسنّة. إنها حرب إشاعات ومزاعم تملأ الأجواء لا مصداقية لها. الشيعة مواطنون لهم حقوق المواطنة، وهم مكوّن أساس للمجتمع، لا يستطيع ولا يريد أحد إلغاءهم أو تهميشهم. البحرين لا تطير بدون جناحي مواطنيها السنّة والشيعة.


المنظمات الدولية ترى أن ما جرى كان قمعاً للمعارضة. هل كان هدف السلطات الأمنية قمع المعارضة حقاً؟


لم يكن غرض النظام قمع المعارضة، بل تثبيت الأمن خشية الإنفلات. المعارضون اليوم يعملون تحت المظلة الرسمية. هناك جمعيات سياسية عديدة تبلغ 12 جمعية سياسية (حزباً)، معظمها خاضت الإنتخابات، وبعضها نجح وبعضها الآخر فشل؛ وهي ستشارك في الإنتخابات القادمة. الذي يريد قمع المعارضة لا يبدأ بعملية سياسية انتخابية، وبإصلاحات تشريعية وغيرها.

وحتى هذه المعارضة العنيفة التي ترفض أصل النظام، والتي لم تسجل نفسها كجمعيات سياسية ضمن القانون، فإن النظام تفادى مواجهتها حرصاً على العملية السياسية، وأطلق سراح العديد من المعتقلين لمرات عديدة، وكان يمكن أن لا تحدث المواجهة الأخيرة حتى مع التشدد، لكن العنف في الشارع تجاوز الحدود، والمواجهة كانت ردّ فعل إجبارية لتوفير الحدّ الأدنى من الأمن.

المنظمات الحقوقية الدولية والتي ـ شخصياً ـ أعمل وأتعاون معها، هي في الأساس غير مدركة بشكل جيد للوضع البحريني، ولا أظن أن توصيفها للوضع دقيقاً. وهي وإن وثقت بعض التجاوزات التي تحدث في المجال الحقوقي، إلا أنها لم تفهم الخارطة السياسية والإصلاحية العامة، وبالتالي شُغلت بالتفاصيل عن رؤية الأبعاد الاستراتيجية. وغلّبت المعلومات المبالغ فيها والتي تأتي من مصدر واحد، على حقائق وجود هوامش كبيرة من الحرية والإنفتاح الداخلي.


ألا تعتقد أن ما جرى قد أثر على سمعة البحرين سلباً في الخارج، وبالتحديد لدى المنظمات الحقوقية الدولية والإعلام الغربي عامة؟


العالم يتابع ما يجري في البحرين، وبالخصوص ما يتعلق بالمواجهات الأمنية. ومن البديهي ان المنظمات الدولية من خلال ما أصدرته من بيانات، وما تمت تغطيته في الوسائل الإعلامية، لا يخدم صورة البحرين وسمعتها. لا أرى تحوّلاً كبيراً في طريقة تعاطي المنظمات الدولية مع الوضع البحريني، ولازالت نفس النواقص تكتنف تقييم أفعالها. ومع أن هناك مآخذ على الحكومة في طريقة معالجتها لعدد من القضايا المتصلة بالوضع الحقوقي، إلا أنها ـ الحكومة ـ هذه المرة لم تأبه كثيراً لرد فعل تلك المنظمات، الى حد عدم التجاوب مع رسائلها، كما شكت تلك المنظمات.

أعتقد أن المنظمات الدولية لم تقدّر على مدار سنوات طويلة التقدم الذي تحقق لأوضاع حقوق الإنسان؛ واليوم وبعد التدابير الأمنية المشددة التي اتخذتها الحكومة مترافقة مع جملة من القرارات، ماذا عساها أن تقول؟. أشعر أحياناً بأن بعض تلك المنظمات ساهمت ـ دون قصد منها ـ في توتير الساحة السياسية والإجتماعية في البحرين بما ينعكس سلباً على أوضاع حقوق الإنسان. ربما شعر النظام السياسي في البحرين بأن بعض المنظمات الدولية لا يؤثر في تقييمها السلبي أية تطورات إيجابية تحدث، وقد يكون هذا سبب في عدم تجاوبها مع رسائل تلك المنظمات. بالطبع نحن لا نتمنى حدوث أي قطيعة مع المنظمات الدولية، وندرك أن من مصلحة البحرين دولة وشعباً ومنظمات مجتمع مدني إدامة العلاقة والتواصل وتوثيق أواصر التعاون معها. وحسناً فعلت الحكومة أن سمحت لممثلي هيومان رايتس ووتش ومنظمة فرونت لاين (وقد يلحق بهم ممثلون من العفو الدولية) بأن يحضروا الى البحرين ويلتقوا بعوائل المحتجزين والمسؤولين وتغطية نشاطاتهم وفعالياتهم وتصريحاتهم في وسائل الإعلام.


كرئيس للمرصد، وكعضو في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، هل فاجأتك استقالة رئيس المؤسسة الوطنية، لماذا لم تستقيلوا أنتم أيضاً؟


لماذا نستقيل، ونحن لم نبدأ العمل بعد؟! لازلنا في مرحلة الإعداد والبناء الداخلي.

وجهة نظري هي كالتالي. النظام السياسي أعطى مكانة كبيرة للمعارضين في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، بالرغم من أنهم لم يتخلوا عن عضويتهم في أحزابهم السياسية. وهذا يدلّ على أن النظام كان صادقاً في الإنفتاح والتعاون مع المعارضة والمجتمع المدني. وإلا هل هناك تفسير غير ذلك؟ معارضون واضحو الميول السياسية والتاريخ السياسي، ومع هذا، تم تسليمهم قيادة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ووجد أيضاً أعضاء معارضون سابقون، وأنا واحدٌ منهم أيضاً، وكذلك الأمين العام السابق للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وآخرين أيضاً.

ومع هذا، هناك من لم يقدّر قيمة أن تكون شخصيات سياسية معارضة سابقاً أو شخصيات حقوقية من المجتمع المدني تقف على رأس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، فعمدوا الى التفريط بهذا المكسب. ما قامت به الحكومة وما قدّمه الملك لأصحاب التوجهات السياسية والحقوقية المختلفة، يكشف أنه لا توجد مجرد نيّة لإقصاء الآخر من العملية السياسية والشأن العام. بيد ان الإنتماءات السياسية الحزبية تغلبت في النهاية وكانت وراء استقالة رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان السيد سلمان كمال الدين. من الواضح انه تعرض لضغوطات من قبل زملائه في الحزب السياسي (جمعية وعد) وسبق ان تعرض ايضاً عبدالله الدرازي لمثل تلك الضغوط. وهذا أدّى في النهاية الى انتكاسة ولو مؤقتة في مكانة المؤسسة الوطنية، كما انها ايضاً على المدى الإستراتيجي خسارة لوعد كجمعية سياسية.

لو كانت استقالة السيد كمال الدين لاختلافه مع وجهات نظرنا نحن الأعضاء في مسائل حقوقية استراتيجية، لكان السؤال حول استقالتنا معقولاً. أما ان تكون استقالته سياسية، ثم تركّب على موضوع حقوقي فإنه غير مقبول. لم تكن استقالة كمال الدين لسبب حقوقي، أي لموقف اتخذته المؤسسة الوطنية. وما قيل عن البيان الذي صدر، فأود أن أوضح بأنني كنتُ ضد إصدار أي بيان بشأن الأحداث الأخيرة، فهذا ليس من طبيعة عمل المؤسسات الوطنية واختصاصاتها. المؤسسات الوطنية تختلف عن الجمعيات الحقوقية. الأولى تلاحق الأحداث اليومية ولكن لا تصدر بشأنها بيانات، وإنما تقدم رؤية استراتيجية وخطة عمل وتقريراً سنوياً يوضح قراءتها للأحداث والأوضاع العامة ونواقصها وتوصياتها في طريقة معالجتها. اما المنظمات الحقوقية المحلية فهذا شغلها، أن تصدر بيانات وتنديدات وغير ذلك.

ومع هذا، ونزولاً عند رغبة الأكثرية من أعضاء المؤسسة الوطنية، قبل الجميع بإصدار بيان حول الأحداث الأخيرة، وقد تقدم الرئيس بنص بيان مقترح للمؤسسة رآه الآخرون ضعيفاً من جهة التأسيس الحقوقي، وتمت صياغة بيان آخر، وافق عليه الرئيس، وقبل ذلك شارك الرئيس في إعداد مضمونه. وصدر البيان بعد الإجماع عليه. ولكن بعد نشر البيان، تعرض الرئيس للضغط فكانت الإستقالة، التي أعلن عنها لوسائل الإعلام قبل أن نعلم نحن في المؤسسة. هذه هي حقيقة الأمر. وبالتالي ليس من الصحيح أن نستقيل لأن الرئيس استقال.

ما قام به الرئيس كان خطأ، وعلينا نحن الأعضاء الآن أن نقوم بإعادة النشاط والحيوية للمؤسسة والحفاظ على مصداقيتها.


الى أين يتجه الوضع السياسي والحقوقي البحريني؟ هل يحق للمراقبين الذين تحدثوا بأمل عن التجربة البحرينية أن يشعروا بالألم إزاء تطورات الأوضاع الأخيرة؟


أتمنّى أن يكون تقييمي صحيحاً، من جهة أن ما جرى في الشهرين الأخيرين كان عملاً إضطرارياً ومحدوداً لا يستهدف الإنقلاب على الإصلاحات ولا الإضرار بها، وإنما مجرد إعادة الوضع الأمني تحت السيطرة. حتى الخروقات التي حدثت فإنها محدودة حتى الآن، وما كان ينبغي أن تحدث، ونرجو أن لا تتوسع. وهناك تأكيدات في تصريحات المسؤولين البحرينيين وفي مقدمتهم الملك تقول باستمرار العملية الديمقراطية، والإلتزام باحترام حقوق الإنسان. غير هذه التأكيدات، فإن الإنتخابات البلدية والبرلمانية ستتم في موعدها المحدد، وهي تحمل أملاً بمستقبل أفضل. إن حجم المشاركة يعكس حجم الأمل، وهناك توقعات بأن نسبة المشاركة ستكون كبيرة في الإنتخابات، والحملات الإنتخابية التي تقوم بها الجمعيات السياسية تحتل هذه الأيام مساحة كبيرة من اهتمام القوى السياسية والشعبية.

يجب أن لا تترك الأحداث الأخيرة شعوراً بخيبة الأمل لدى المواطنين قبل المراقبين الأجانب. إن مستقبل البحرين معلّق على الحريات والإصلاحات واحترام القانون وحقوق الإنسان، وإن ما تحقق من مكتسبات في هذا الشأن ليست قليلة، وعلينا وعلى القوى السياسية أن تحافظ عليها وأن تراهن على مستقبل أفضل مما نحن فيه.