مسؤولة في جمعية منع التعذيب APT:

الدول ملزمة بحظر التعذيب وبإجراءات تمنع وقوعه

جمعية منع التعذيب، هي منظمة غير حكومية مستقلة، مقرها جنيف، سويسرا. تأسست الجمعية في عام 1977 بهدف منع التعذيب وأي ضرب من ضروب إساءة المعاملة في شتى أنحاء العالم. ونظراً لأهمية الجمعية ودورها في البحرين وتواصلها مع المجتمع المدني والحكومة في مجال التدريب والإستشارة، رأت (المرصد البحريني) أن تلتقي بمسؤولة ببرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالجمعية إستر شوفيلبيرغر (Esther Schaufelberger)، وذلك للتعرف على هذه الجمعية المهمّة ونشاطاتها ورؤاها تجاه النشاطات العالمية المتزايدة لمنع التعذيب وكيفية الوقاية منه.


تساعد جمعية منع التعذيب في صياغة وتنفيذ الصكوك القانونية الدولية والإقليمية لمنع التعذيب، مثل: البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمناهضة التعذيب)، والاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب، والمبادئ التوجيهية لجزيرة روبن المتعلقة بحظر ومنع التعذيب في أفريقيا؛ هل هناك أي محاولات من المؤسسة الخاصة بكم لإنشاء اتفاقية مماثلة في الشرق الأوسط؟


يحتمل بنحو أكبر أن يقع التعذيب في الأماكن التي تكون بمنأى عن مراقبة المجتمع، ولا سيـَّما عندما تكون الضمانات ضد التعذيب وسوء المعاملة ضعيفة، وحين يكون بمقدور الجناة المحتملين الإفلات من العقاب. تتمثل رؤيتنا في إقامة نظام من الرقابة المستقلة على نطاق العالم في جميع الأماكن المحرومة من الحرية. عندما تم إنشاء منظمتنا في السبعينيات الميلادية الماضية، رُفضت في البداية هذه الفكرة واعتبرت بمثابة حلم لبعض المثاليين. في الوقت الحاضر صارت الفكرة واقعاً في كثيرٍ من أنحاء العالم، حيث يقوم خبراء مستقلون من منظمات وطنية وإقليمية ودولية بزيارات منتظمة لأماكن الإحتجاز. هذه الزيارات تعمل على منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، وتساعد على تحسين ظروف الاعتقال؛ حيث يقدر الأشخاص المحتجَـزون والمسؤولون في العديد من البلدان اللقاءات مع الزوار المستقلين ويستفيدون من نصائحهم.

إستر: استراتيجيتنا الحالية في المنطقة تعتمد تعزيز مفهوم الرقابة المستقلة لأماكن الإحتجاز، ودعم الجهات الوطنية والإقليمية بالمساهمة في منع التعذيب

تتمثل أبرز التطورات في مصادقة 54 دولة حتى الآن على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمناهضة التعذيب. ويحدد البروتوكول الاختياري نظاماً للزيارات المنتظمة على مستويين: زيارات بواسطة فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، وزيارات بواسطة زوار وطنيين مستقلين. منذ دخول البروتوكول الاختياري حيّز النفاذ في عام 2006، تركز جمعية منع التعذيب جهودها الرئيسية في تفعيل نظام الزيارات المنتظمة في جميع أنحاء العالم، مع الاستمرار في دعم الآليات الإقليمية.

أما فكرة الرقابة المستقلة على مراكز الاحتجاز في الشرق الأوسط، فتمضي ببطء. في ديسمبر 2008 صارت لبنان أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تصادق على البروتوكول الاختياري. وفي البلدان الأخرى تمكنت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني من الوصول إلى أماكن الاحتجاز. على سبيل المثال مشاريع زيارة السجون بواسطة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في الأردن والمغرب، أو الزيارات التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية مثل الزيارتين اللتين قامت بهما الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان. استراتيجيتنا الحالية في هذه المنطقة هي تعزيز مفهوم الرقابة المستقلة، ودعم الجهات الوطنية والإقليمية الفاعلة والملتزمة بالمساهمة في منع التعذيب. ليس لدينا حتى الآن محاولة لإنشاء نظام إقليمي لمراقبة أماكن الاحتجاز على غرار ما هو موجود في أوروبا، والأمريكتين أو أفريقيا، ولكن عندما يتوفر قـدر كبير من المؤيدين لهذه الفكرة في المنطقة، سوف ندعم بكل تأكيد جهودهم.

ومن الجدير بالذكر في هذا السياق الإشارة إلى أنَّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي دخل حيز النفاذ في مارس 2008، لا يحظر التعذيب فحسب بل يفرض أيضاً التزاماً إيجابياً على الدول الأطراف أنْ تتخذ تدابير وقائية فعـَّـالة لمنع وقوع هذه الأعمال.


تقود جمعية منع التعذيب حملة للتصديق وتنفيذ البروتوكول الاختياري والذي يؤسس لأول نظام عالمي لمراقبة الاحتجاز. إلى أي مدى تمكنت جمعيتكم من إقناع دول في الشرق الأوسط للانضمام إلى هذا البروتوكول؟


لا بدَّ لي من الإعتراف بأنه يبدو للوهلة الأولى أننا كنا أقل نجاحاً في هذا الجزء من العالم من أي مكان آخر. وحتى الآن تبقى لبنان هي الدولة الوحيدة الطرف في البروتوكول الاختياري في المنطقة. هذا أمر مؤسف، لأنني في الواقع على اقتناع بأن البروتوكول الاختياري مناسب وبشكل استثنائي لمعالجة بواعث القلق الخاصة بالشرق الأوسط.

أولاً وقبل كل شيء لا يأتي البروتوكول الاختياري بمعايير جديدة، لكنه أداة تشغيلية مصممة لتعزيز قدرة الدول على تنفيذ أفضل المعايير القائمة التي تحمي الأشخاص المحرومين من حريتهم. وبما أنه ليس هناك معايير إضافية يتم إنشاؤها، لا يوجد بالتالي خطر محدد للنزاع مع القيم الثقافية والاجتماعية في المنطقة. ثانياً، غالبية عمليات مراقبة الاعتقال بموجب البروتوكول الاختياري تتم من قبل الخبراء الوطنيين وفقاً للمعايير والقيم الدولية والإقليمية والوطنية. ثالثاً، بالنسبة لميله الى التعاون، واعتماد المنهج العملي في إيجاد حلول، يُـعتبر البروتوكول الاختياري آلية مثالية لتحريك وتوجيه عمليات إصلاح العدالة التي تجري في العديد من الدول في المنطقة.

وبصفة عامة، أستطيع القول إنَّ العديد من الحكومات في المنطقة تحبذ الفكرة. فعلى سبيل المثال التزمت دول المغرب، تونس، مصر، المملكة العربية السعودية والعراق وقطر واليمن بدراسة إمكانية التصديق على البروتوكول الاختياري في سياق المراجعة الدورية الشاملة (UPR) التابعة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وتتيح هذه الالتزامات فرصة كبيرة للتواصل مع هذه الدول والجلوس مع المسؤولين فيها لشرح مزايا الانضمام إلى البروتوكول الاختياري. ولكن جمعية منع التعذيب لا تملك الموارد البشرية أو المالية الكافية للمتابعة في جميع الدول. فعددنا نحن الموظفين أقل من 20 شخصاً ونعمل في مكتب صغير في جنيف ولا نستطيع لوحدنا تحقيق الكثير.


كيف ترون مدى فعالية حملة المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمصادقة على البروتوكول الاختياري؟


في بلدان أخرى، كالمغرب أو البحرين، تقوم منظ

الرقابة المستقلة على مراكز الإحتجاز تمضي ببطء وهي أقلّ نجاحاً في الشرق الأوسط، والمؤسف أن لبنان الدولة الوحيدة التي وقعت على البروتوكول الإختياري

لعب المجتمع المدني، بما في ذلك المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، دوراً رئيسياً في حملة المصادقة على البروتوكول الاختياري في جميع أنحاء العالم. قدرتنا على كسب التأييد من جنيف محدودة. علاوة على ذلك، نحن في كثير من الأحيان غير مطلعين بما فيه الكفاية على السياق المحلي لمعرفة كيفية المضي قدماً، والوسائل التي يجب استخدامها. فنحن نعمل دائماً مع الشركاء المحليين من المجتمع المدني والحكومة، وندعم جهودهم للمصادقة على البروتوكول بدلاً من بدء حملة خاصة بنا. لعبت منظمات المجتمع المدني الوطنية في لبنان دوراً رئيسياً في الحصول على المصادقة من خلال حملات هادفة، وبناء تحالف ومشاركة البرلمانيين. من جانبنا قدمنا مطبوعاتنا للمنظمات غير الحكومية اللبنانية التي تـرجمت بعضها إلى اللغة العربية، كما شاركنا في ورشات عمل. لكنها كانت حملة لبنانية وطنية خالصة وليست حملة خاصة بجمعية منع التعذيب.

مات المجتمع المدني بحملات مناصرة وكسب تأييد من أجل المصادقة على البروتوكول الاختياري وتتحدث مع المسؤولين الحكوميين حول هذا الموضوع. من ناحية أخرى، تساور القليل من الشكوك بعض المنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى حول كيفية إنـفاذ البروتوكول الاختياري في بلدانها. ولأنها تعودت على اتباع نهج المواجهة مع الحكومات، وجدت تلك المنظمات أنَّ البروتوكول الاختياري وثيقة “ضعيفة”. صحيح أنَّ الهيئات المنشأة بموجب البروتوكول الاختياري تصدر توصيات فقط، ولا تستطيع إجبار السلطات على تنفيذ أي من هذه التوصيات. ولكن شهدنا في جميع أنحاء العالم كيف يؤدي الحوار بين الخبراء الخارجيين وسلطات الاحتجاز إلى تحسينات على مرّ الزمن.


أقامت جمعية منع التعذيب ورشة عمل بعنوان «الضمانات ضد التعذيب»، وذلك في البحرين في يونيو 2010. هل أنت راضية عن نتائج ورشة العمل تلك، وهل تعتقدين أنَّ ورشة العمل قد حققت الغرض المقصود منها، وما هي الخطوة التالية في رأيكم التي ينبغي اتخاذها من قبل البحرين بعد ورشة العمل تلك؟


شاركت جمعية منع التعذيب في حلقتي عمل مختلفتين في البحرين هذا العام. في مايو 2010 شاركنا في ورشة عمل نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان حول مراقبة ورصد الإعتقال لمشاركين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان من الخليج واليمن. وفي يونيو 2010 قمنا بتسهيل ورشة عمل للقضاة والمدعين العامين حول الضمانات الأساسية ضد التعذيب. وكانت هذه الورشة بمثابة متابعة لورشة عمل أقمناها في مايو 2009 بشأن تجريم ومنع التعذيب، والتي دعتنا لها وزارة الخارجية.

وكما تعلمون، فإن الدول ملزمة بحظر التعذيب وفقاً للقانون الدولي. ليس هذا فحسب، بل أن القانون الدولي يضع أيضاً سلسلة كاملة من الضمانات التي يتعين على الدول اتخاذها بشكل استباقي للحد من خطر التعرض للتعذيب. وتشمل هذه الضمانات ـ على سبيل المثال ـ حق الشخص الذي تحتجزه الشرطة في الحصول على محامٍ، وعلى مقابلة طبيب مستقل وإبلاغ أسرته. وينبغي توفير هذه الحقوق منذ بداية حرمان الشخص من الحرية، وتوفيرها بانتظام بعد ذلك. ويعتبر تسجيل جلسات الاستجواب بواسطة الفيديو ضمانة أخرى فعـَّالة للغاية.

وهنالك تدابير حماية أخرى تتصل بفاعلية الجهاز القضائي. وكما تعلمون فإنَّ الأدلة، بما فيها الاعترافات، المتحصل عليها عن طريق التعذيب غير مقبولة في أية إجراءات قانونية، وفقاً للقانون الدولي. وعلاوة على ذلك، ينبغي على القضاة عدم الاعتماد على الاعترافات وحدها لتوقيع الإدانة، بل عليهم تأسيس قراراتهم دائماً على أدلة داعمة إضافية. كما يجب ألاَّ يعتمد نظام الترقيات بالنسبة للعاملين في مجال إنفاذ القانون وهيئات التحقيق الأخرى على سرعة التعرف على المجرمين وإدانة أكبر قدر منهم، ولكن ينبغي أنْ يكون على أسس دقيقة وشاملة تتعلق بالبحث عن الحقيقة.

نحن نلاحظ إزدياد خطر التعذيب بشكل كبير عندما يكون رجال الشرطة وغيرهم من العاملين في هيئات التحقيق تحت ضغط الحصول على اعترافات. ويقع على عاتق القضاة، بموجب القانون الدولي، وبحكم مناصبهم، أن يلتزموا بإصدار الأوامر من أجل إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة كلما وجدوا أسباباً معقولة تدعو إلى الاعتقاد بإرتكاب عملٍ من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية على شخص أحضر أمامهم. وعليهم القيام بذلك، ليس فقط عندما يدَّعِـي الشخص أنه تعرض للتعذيب، ولكن بمجرد ملاحظة أي علامات أو سلوك يجعلهم يتساءلون عن وقوع تعذيب.

في آخر ورشة عمل أجرينا مناقشات مثمرة مع المشاركين حول ما إذا كانت هذه الضمانات وغيرها مضمنة في القانون البحريني وكيف يمكن تكريسها وتنفيذها في الممارسة اليومية. لسوء الحظ، كان عدد المشاركين محدوداً جداً هذا العام بالمقارنة مع ورشة العام الماضي، الأمر الذي جعل المناقشة أقل تمثيلاً وأدت إلى تخفيض تأثير هذه الحلقة الدراسية. ومن السابق لأوانه بالنسبة لي القول أنَّ أهداف ورشة العمل قد تحققت. أهم نتيجة تخرج بها مثل ورش العمل هذه لا يتعلق بما يحدث خلال الورشة في حد ذاته، ولكن يتعلق بالتغيرات التي تحدث في الممارسات اليومية بعد الورشة.


تتخصص جمعيتكم في العمل على الوقاية من التعذيب بدلاً من التركيز على الإبلاغ عن حالات فردية، وهذا النهج سيمكن جمعية منع التعذيب من التعاون مع السلطات في بلد معين، مثل إدارات الشرطة والسلطات القضائية والمؤسسات الوطنية والمنظمات غير الحكومية. هل تعتبرين هذا النهج ناجحاً في تسهيل التعاون مع السلطات المعنية في الشرق الأوسط؟


في بلدان أخرى، كالمغرب أو البحرين، تقوم منظ

لعب المجتمع المدني، بما في ذلك المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، دوراً رئيسياً في حملة المصادقة على البروتوكول الاختياري في جميع أنحاء العالم

التوثيق الدقيق والمفصَّـل عن انتهاكات حقوق الإنسان، والاستنكار لهذه الممارسات، أعمال ذات أهمية أساسية في النضال ضد التعذيب. ويتحمل الشجعان من المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم المخاطر يومياً لكشف الانتهاكات بما في ذلك التعذيب. لكن هذا التعذيب يتواصل. نحن نركز على تحسين النظام بطريقة تساهم في الحد من خطر التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية حتى يتم تفادي حدوث الأفعال الفظيعة في المقام الأول. ولذلك لدينا نهج آخر يتمثل في جمع كل الأطراف الفاعلة من الملتزمين معاً لتقليل خطر التعرض للتعذيب، سواء كانوا من الحكومة والمجتمع المدني أو القضاء. وبشكل عام يعمل هذا النهج بشكل جيد جداً. وأعتقد أنَّ هذا النهج هو ترجمة للطبيعة البشرية، حيث ترغب البشرية في تجميع قوتها وتوحيد جهودها للعمل من أجل مستقبل أفضل.

لكنني لا أريد أنْ أبدو ساذجة لأننا بطبيعة الحال نواجه تحديات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ونحن حريصون على ألاَّ يُـساء استخدام نهجنا في الرصد والمراقبة لتحقيق أهداف سياسية. واسمحوا لي أنْ أضرب لكم مثالاً واحداً عن كيف يمكن أنْ يُـساء استخدام عملية مراقبة أماكن الاحتجاز. كما تعلمون لا يُسمح للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بطرد أو إعادة أو تسليم أي شخص إلى دولة أخرى يواجه فيها خطر التعرض للتعذيب. لكن بعض الدول تحاول الالتفاف على هذا الالتزام من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدولة المستقبلة تؤكد فيها الأخيرة للدولة المرسلة أنَّ الشخص المعين لن يتعرض للتعذيب. أليس هذا ضرب من العبث؟ فالدول ملزمة بالفعل بعدم التعذيب تحت أي ظرف من الظروف، وبتوقيع هذه الاتفاقيات تـقر تلك الدول بأنها تمارس التعذيب بصورة عامة ولكنها لن تمارسه في هذه الحالة! وعلاوة على ذلك، فإنَّ هذه الاتفاقيات الثنائية لا تحمي من التعذيب، ولذلك فإنَّ لمنظمات حقوق الإنسان كل الحق في القيام بحملات ضد هذه الاتفاقيات.

لتخفيف حدة النقد لهذه الاتفاقيات، قامت بعض الحكومات بتضمين بند في هذه الاتفاقيات يلزم بالرقابة على الشخص المعتقل. ولكن بالطبع هذا الاجراء مخالف لمفهوم الرقابة، ولا يوفر الحماية من التعذيب بالنسبة للشخص المعني. ولذا كلما شعرنا أنَّ أفكارنا يُساء استخدامها، كما في مثل هذه الحالة، نقول ذلك بوضوح وعلناً.


واحد من الشروط الأساسية الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، هو أنْ تكفل الدول الأطراف حظر التعذيب، ومعاقبة مرتكبي هذه الأفعال بموجب القانون الجنائي المحلي. هل تعتقدين أنَّ مضمون القانون الجنائي المحلي في دول الشرق الأوسط كافٍ لمنع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه؟


بالفعل تمثل المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي التعذيب بموجب القانون المحلي التزاماً أساسياً في إطار اتفاقية مناهضة التعذيب، كما تمثل حصناً هاماً ضد الإفلات من العقاب. لذلك تطلب لجنة مناهضة التعذيب من الدول تضمين تعريفٍ للتعذيب وفقاً للاتفاقية. ويشمل هذا التعريف العناصر الرئيسية التالية:

(أ) أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديدين، جسدياً كان أمْ عقلياً، يُلحَـق بشخص ما؛

(ب) يجب أنْ يكون الألم أو العذاب الواقع على شخصٍ ما عمداً وبقصد؛

(ج) يجب أنْ يكون إلحاق الألم أو العذاب بواسطة، أو يحـرِّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية.

اعتبار أفعال التعذيب اعتداءات، أمرٌ غير كاف للتغطية عليها، من جهة أن البعض قد يعتبر الإعتداءات أدنى مستوى من جريمة التعذيب نفسها. إذا لمْ يكن هناك تعريف محدد للتعذيب، فعلى القاضي البحث عن تعاريف مختلفة وإلاَّ فرّ مرتكبو التعذيب من العقاب الذي يتوافق مع خطورة الفعل. علاوة على ذلك، تواجه السلطات مشاكل عملية بسبب أن العناصر الهامة في اتفاقية مناهضة التعذيب غير قابلة للتطبيق، مثل: الولاية القضائية العالمية. وبالمثل، لن تكون الدول قادرة على تعقب أثر تدابير الوقاية من التعذيب.

قامت بعض الدول مؤخراً، مثل الأردن والمغرب، بتعديل قوانينها الجنائية لتشمل تعاريف للتعذيب تقترب كثيراً من التعريف الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب، ولكن معظم البلدان الأخرى لا تزال بحاجة إلى القيام بذلك. كما التزمت العديد من الدول أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة أو أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة (UPR) بإجراء تعديلات قانونية من هذا القبيل، كما فعلت مصر في الآونة الأخيرة. ويفتح هذا التطور فرصاً للجميع، ونحن بالتأكيد نريد الانضمام للآخرين من أجل الاستفادة من هذه الفرص.