مالكولم سمارت

مدير قسم الشرق الأوسط في العفو الدولية

حقوق الإنسان في الشرق الأوسط هي الأقل حماية


دورنا الرئيسي أن نقف مع أولئك الذين تـُنتهك حقوقهم الإنسانية للفت الانتباه إلى محنتهم، ولنكون بمثابة صوت لأولئك الذين صودرت أصواتهم جرَّاء الانتهاكات التي يعانون منها

مالكولم سمارت


أجرت (المرصد البحريني) حواراً مطولاً مع السيد مالكولم سمارت، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، تناول العديد من القضايا ذات الصلة بأوضاع حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط التي تبدو وكأنها خارج السياق العالمي لحقوق الإنسان، وحيث الإختراقات والإنتهاكات المستمرة، والأكثر استعصاءً على قبول المفاهيم الديمقراطية. طرحنا أسئلتنا وهمومنا فكانت هذه الإضافة التي نعتقد أنها متميزة حقّاً.


هل دول الشرق الأوسط تختلف عن بقية دول العالم في محدودية التزامها بحقوق الإنسان، وأين تضع العفو الدولية إقليم الشرق الأوسط ـ فيما يتعلق بالتغيير الحقوقي الإيجابي ـ بالقياس مع مناطق أخرى في العالم؟ وما هي النقاط الأكثر حرجاً في موضوع حقوق الإنسان العربي، فإذا ما تمت حلحلتها اعتبر ذلك اختراقاً إيجابياً تنعكس آثاره على الوضع الحقوقي؟


لا تسعى منظمة العفو الدولية إلى إجراء مقارنات بين مختلف مناطق العالم أو بين مختلف البلدان، ولكنها تعمل على تقييم سجل كل دولة في مجال حقوق الإنسان كلّ على حدة، واضعين في الإعتبار أنه لا توجد دولتان متشابهتان تماماً. ومع استخدام القانون الدولي لحقوق الإنسان، واعتبار المعايير الدولية المقياس الرئيسي، يمكن تقييم السجل الحقوقي لكل دولة.

الميثاق العربي لحقوق الإنسان أضعف وثيقة حين يقارن بالمعاهدات الدولية، وليس مؤكداً أن يتم تفعيله

مقارنة مع مناطق أخرى من العالم، يُـلاحظ أنَّ حقوق الإنسان في الشرق الأوسط هي الأقل حماية بالنظر الى مدى الإلتزام بالمعاهدات الدولية. كذلك لا تتوفر آلية إقليمية فعـَّـالة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان على غرار، على سبيل المثال، محكمة الدول الأمريكية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أو اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وفيما يتعلق بالإلتزام بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، فإنَّ بعض الدول لا تزال بحاجة لأنْ تصبح طرفاً فيها، خاصة وأن معظم الدول الأخرى في العالم انضمت إليها (على سبيل المثال، لم تصادق السعودية بعد على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على الرغم من أنها كانت واحدة من الدول الأعضاء المؤسسة للأمم المتحدة عندما اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وبالرغم من أنها تمتعت مؤخراً بمقعد في الهيئة الرئيسية للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان وهي مجلس حقوق الإنسان). كما أن السعودية تحفظت على بعض الأحكام الرئيسية، على سبيل المثال عندما أصبحت طرفاً في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. تلك التحفظات لها تأثير في تقويض المعاهدة.

وفيما يتعلق بالنقطة الثانية (عدم وجود آليّة إقليمية فعّالة)، هناك الآن الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تـمَّ اعتماده من عدد من دول الشرق الأوسط، ولكن في بعض الجوانب الهامة يُـعتبر الميثاق أضعف وثيقة حين يقارن بالمعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، وليس من المؤكد حتى الآن ما إذا كانت الهيئة التي أنشئت لمتابعة تنفيذه سوف تـتمتع بالفعَّالية.

مسألة التصديق على معاهدات حقوق الإنسان أمر مهم؛ لأنَّ الحكومات عندما تـفعل ذلك فإنها تلتزم بالإيفاء بـبعض التزامات حقوق الإنسان. ويتمثل التحدي الحقيقي في تحقيق هذه الحقوق في الواقع، حيث يحتاج الأمر للالتزام الصارم، والإرادة السياسية من طرف الحكومات، كما يحتاج إلى أقصى حدّ ممكن من مشاركة المجتمع المدني، ومشاركة الجمهور من أجل ضمان الاستيعاب الجيّد لحقوق الإنسان وأنـَّـها قابلة للتحقـق للجميع، خاصة بالنسبة للشرائح التي غالباً ما تكون الأكثر ضعفاً في المجتمع بسبب التمييز أو غيره من العوامل.


ما هي الأسباب الجوهرية بنظركم التي تشجّع على انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، وتجعل من التطور الحقوقي فيها أمراً محفوفاً بالصعاب والعثرات؟


تـعمد الحكومات عادة على إظهار عدم الرغبة في تقبل النقد، أو السماح بحرية تدفق وتبادل المعلومات والأفكار، وعدم الرغبة في وضع حماية وتعزيز حقوق الإنسان في صميم سياساتها. وبناءً على ذلك، نرى في جميع أنحاء المنطقة انتهاكات حق حرية الرأي والتعبير ضد أولئك الذين ينتقدون سلطات الدولة في وسائل الإعلام، أو من خلال المدونات، أو في كتاباتهم أو غيرها من الخطب والأنشطة الأخرى، حيث يصبحون عرضة للتوقيف والاحتجاز أو غيرها من أشكال المضايقة. وتتم ملاحقة بعضهم بتهمة التشهير الجنائي أو الإضرار بالدولة أو أمنها.. وكل جريرتهم تتمثل في التعبير السلمي عن الآراء المنتقدة للحكومة، أو لبعض الممارسات الخاطئة المزعومة من جانب سلطات الدولة. عبر هذه الوسيلة يصبح مجرد التعبير عن وجهة نظر مختلفة مساوٍ لـلتخريب في نظر أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة في الدولة. هذا انتهاك خطير لحقوق الانسان. ولعـلَّ المفارقة الحزينة هي أنَّ المستهدفين بهذه الطريقة غالباً ما يكونوا من المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يملكون الشجاعة والجرأة للوقوف في وجه سلطات الدولة، ويصرّون على وفاء تلك السلطات بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

أمنستي تنتقد الحكومات، ولكنها تشيد علناً بها إن تطلّب الأمر إذا ما قامت بالتحسينات في أوضاع حقوق الإنسان

هذه واحدة من المشاكل الأساسية، ولكن من الواضح أنَّ هناك العديد من المشاكل التي تتسم بالتعقيد والتنوع. إن الاستمرار في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم نتيجة للصراع الطويل لأكثر من 60 عاماً بينهم واسرائيل، ووجود القوات العسكرية الأجنبية في المنطقة، ولا سيما منذ عام 2003 في العراق.. من بين العوامل التي تسهم في انعدام الأمن والاستقرار السياسي في المنطقة؛ ويمكن إضافة عامل آخر وهو الوضع السياسي في المنطقة، والقلق الإقليمي والدولي بشأن تطوير برنامج ايران النووي، وامتلاك إسرائيل للأسلحة النووية. علاوة على ذلك، لا يـزال الأمن العام أيضاً مهدداً من أعمال القاعدة والمجموعات التابعة لها وغيرها من الجماعات المسلحة، التي كثيراً ما تستهدف هجماتها المدنيين في انتهاكٍ صارخٍ للقانون الدولي، وأيضاً تُستخدم كذريعة من جانب الحكومات في المنطقة لاستخدام قوانين مكافحة الارهاب على نطاق واسع لقمع المعارضة السلميّة، والسماح لأجهزة الأمن والشرطة والاستخبارات في تنفيذ الاعتقالات، واحتجاز الأشخاص في انتهاك لحقوقهم، وفي حالات كثيرة تعذيبهم أو إساءة معاملتهم في مناخٍ من الإفلات من العقاب.


ما هي المنهجية والمعايير المعتمدة لدى منظمتكم في تقييم مدى تطور حقوق الإنسان في الدول بشكل عام؟ وهل لديكم تصنيف منهجي للدول العربية من حيث الالتزام بالمعايير الدولية، أو من حيث التطور الإيجابي في سلوك الحكومات، ولو كان محدوداً، بعيداً عن التقييم الشامل للأمور؟


نحن ننظر إلى حقوق الإنسان في كل بلد على حدة مع الأخذ في الاعتبار الالتزامات بموجب معاهدات حقوق الإنسان التي دخلت فيها كل دولة من تلقاء نفسها ومدى مخالفتها لتلك الالتزامات؛ وحيث وافقت تلك الدول على تلك المعايير كقياس. هنالك أيضاً المعايير المنصوص عليها ضمن الإطار الأوسع للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، وأيضاً القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي للاجئين، والقانون الجنائي الدولي. ونحن ننـظر أيضاً إلى السياق السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي في كل دولة، ونسعى إلى تحديد ما هي المشاكل الحالية لحقوق الإنسان التي يجب التصدي لها، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها، وبواسطة أي جهة (في كثير من الأحيان بواسطة الحكومة ولكن في بعض الأحيان بواسطة عناصر أخرى)، ونسعى في بعض الحالات لمعالجة هذه المشاكل، وتقديم العون والعلاج لأولئك الذين يحرمون من حقوقهم. قد يقدم العون أو العلاج لأحد المعتقلين السياسيين الذين لم يحاكموا، أو لضحية للاختفاء القسري وأسرته أو أسرتها، أو لعائلة تحت التهديد بالترحيل القسري من منزلها، أو ربما لعاملة منزل مهاجرة تتعرض لسوء المعاملة من جانب رب العمل بسبب عدم توفـر الحماية الكافية لحقوقها بموجب قانون العمل والقوانين الأخرى، وكنتيجة لتمييز ثلاثي يُمارس ضدها لكونها: إمرأة ، وأجنبية، وعاملة مهاجرة.

الحكومات الغربية استخدمت (حقوق الإنسان) لأهدافها السياسية، وكانت انتقائية في نقد الأنظمة التي لا تروق لها

نحن معروفون ـ في الغالب ـ بنقدنا للانتهاكات التي تحدث، لكننا أيضاً نولي الكثير من الاهتمام لتطوير وتحسين أوضاع حقوق الإنسان التي تتم من قبل الحكومات وغيرها. ونحن نسعى دائماً لتشجيع مثل هذه التحسينات والإشادة بها، بما في ذلك على الملأ، حين يستوجب الأمر الإشادة. لكن أدوارنا الرئيسية تكمن في الوقوف مع أولئك الذين تـُنتهك حقوقهم الإنسانية للفت الانتباه إلى محنتهم إلى حدٍ ما، ولنكون بمثابة صوت لأولئك الذين صودرت أصواتهم جـرَّاء الانتهاكات التي يعانون منها.


يلاحظ أن العفو الدولية تركز على الإنتهاكات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية فحسب، لماذا؟ مع ملاحظة أنَّ طبيعة النظم السياسية ومدى انفتاحها يحددان مساحة تطور واحترام حقوق الإنسان. ومع هذا، فهناك اهتمام قليل بطبيعة النظم السياسية في المنطقة العربية خاصة؟


في الواقع، تعمل منظمة العفو الدولية ليس فقط في مجال الحقوق المدنية والسياسية، بل أيضاً من أجل حماية وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ونحن نعتبر أنَّ جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة. وبينما نستمر في إعطاء قدر كبير من الاهتمام لانتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، بدأنا في العام الماضي حملتنا تحت مسمى حملة (المطالبة بالكرامة)، وهي حملة دولية سوف تستمر خلال السنوات القليلة المقبلة وتركز على انتهاكات حقوق الإنسان التي تجبر الناس وتقودهم إلى الفقر، والتي تبقيهم في فقر. وعلى وجه الخصوص، نولي في هذه الحملة حالياً أكبر قدر من الاهتمام لحق الأفراد في توفير المأوى الملائم لهم ولأسرهم، ومعالجة المشاكل مثل عمليات الإخلاء القسري وهدم المنازل والتي تطال في كثير من الأحيان الشرائح الأكثر فقراً، كما نولي اهتماماً لقضية الوفيات أثناء الولادة وأسبابها ونتائجها المتعلقة بحقوق الإنسان. وترتبط هذه المسألة في كثير من الأحيان بالتمييز والعنف ضد المرأة ودورها الثانوي في كثير من المجتمعات، ومشاكل أخرى مثل الزواج المبكر والزواج القسري. إضافة إلى ذلك، نحن نولي اهتماماً في إطار حملة “المطالبة بالكرامة” بدور ومسؤوليات الشركات، والشركات الخاصة المتعددة الجنسيات، والتي تتسبب في بعض الأحيان أو تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في المناطق التي تعمل فيها من أجل مصالحها التجارية؛ وعلى وجهٍ خاص، نحن نبحث في دور الشركات العاملة في مجال التعدين واستخراج النفط والغاز وغيرها.

نحن لا نخصص الكثير من الوقت أو الاهتمام لمحاولة تحليل النظم السياسية المختلفة، لأنَّ هذا هو دور الأوساط الأكاديمية والمعلقين السياسيين. لسوء الحظ، وجدنا فيما يقرب من 50 سنة، أي منذ تأسيس منظمة العفو الدولية، أنه لا يوجد نظام سياسي مثالي عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، حيث أنَّ تقاريرنا السنوية المنشورة تظهر كل عام أنه لا يوجد إقليم في العالم، ولا يوجد نظام سياسي في العالم، هو في مأمن من انتهاكات حقوق الإنسان.


تشتكي بعض الدول بأن المنظمات الدولية الكبيرة كمنظمة العفو الدولية تتناغم في أجندتها وأهدافها وتوقيت حملاتها الحقوقية مع الأجندة السياسية للدول الغربية الكبرى. وتضيف تلك الدول بأن كل حملة سياسية غربية ضد دولة ما يرافقها حملة حقوقية من تلك المنظمات عليها؟ ماذا تقولون حول هذا الزعم؟


نحن نرفض هذا الادعاء. بصراحة، يأتي هذا الإدعاء في كثير من الأحيان من جانب الحكومات التي ننتقدها أو يأتي من مؤيديها لخدمة مصالح ذاتية، ويأتي الإدعاء دون معالجة جوهر النقد. غير أنَّ الادعاء الذي يتكرر في كثير من الأحيان يتمثل في أنَّ حقوق الإنسان هي إلى حدٍ ما مفهوم غربي، ويجري فرضها على الحكومات والشعوب في منطقة الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم. ومع ذلك، في الواقع، لقد التزمت الحكومات بحرية تامة في منطقة الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم بترسيخ القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعايير حقوق الإنسان، وقبول حقيقة أنه يجب عليها أنْ تقدم تقارير دورية إلى المجتمع الدولي، من خلال الأمم المتحدة. بل الأهم من ذلك، يحتاج المرء للنظر في مضمون ما تعنيه مفردة (حقوق الإنسان). هل المسؤولين الحكوميين وغيرهم في الشرق الأوسط الذين يزعمون أنَّ حقوق الإنسان ما هي إلا اختراع غربي، هل بمقدورهم أنْ يمنعوا حق الناس في عدم التعرض للتعذيب، أو الحق في الحصول على التعليم، أو الحق في عدم التعرض للتمييز؟ أو أنْ يزعموا بأنَّ هذه الحقوق ليست متجذرة بالفعل في الثقافة والقيم المحلية؟ حقاً، أنا لم أسمعهم يقولون ذلك، أو أنهم أنفسهم وأسرهم لا يتمتعون أيضاً بهذه الحقوق، على الرغم من أنهم يرغبون في التأكيد على أنَّ حقوق الإنسان هي مفهوم أجنبي. بالتأكيد هي ليست كذلك.

بالطبع هنالك مشكلة واحدة هي أنَّ الحكومات الغربية قد استخدمت أحياناً مفاهيم حقوق الإنسان وضرورة حمايتها في سعيها لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة، وفعلت ذلك بشكل انتقائي لانتقاد الحكومات التي لا تروق لها على أساس انتهاكها لحقوق الإنسان بينما التزمت الصمت حول الانتهاكات من جانب حلفائها. يضر هذا بوضوح بحقوق الإنسان ويسهل كثيراً من مهمة الذين يرغبون في إضفاء سمعة سيئة على حقوق الإنسان.

الحكومات رمت بعيداً بكتاب القوانين واتبعت (الغاية تبرر الوسيلة) وصنعت شبكة قمع تحت مسمى مكافحة الإرهاب

من جانبها ظلت منظمة العفو الدولية منذ تأسيسها في عام 1961 مستقلة عن جميع الحكومات والأيديولوجيات السياسية، وسعت لتقييم سجلات حقوق الإنسان في مختلف الدول وفقاً لمعيار ثابت وفي إطار القانون الدولي - وهو عبارة عن مجموعة قوانين اخترعتها الحكومات، وليس منظمة العفو الدولية، لتنظيم سلوكها.

وهكذا، فإننا لا نسعى لتتزامن حملاتنا أو غيرها من الأنشطة مع المصالح السياسية للدول الغربية أو غيرها. في الواقع، إذا نظرتم إلى سجلنا سترون أنَّ الحكومات الغربية وغيرها من الحكومات أبدت في مرات عديدة امتعاضها عندما قمنا بحملة ضد الانتهاكات التي هي مسؤولة عنها، وبالتأكيد وجدت تلك الحكومات حملتنا غير مريحة.


أشارت التقارير الحقوقية الدولية الى انحدار مستوى احترام حقوق الإنسان في العالم خلال السنوات الماضية، وعزي الأمر في أحد جوانبه الى الخروقات الفاضحة لحقوق الإنسان التي تجري تحت مسمّى (مكافحة الإرهاب) الذي لم يحصل إجماع على تعريفه بين دول العالم فضلاً عن أنه مفهوم عائم. الى متى ستستمر هذه الإنتهاكات تحت هذه المظلة؟ وما هو موقف منظمة العفو الدولية من قوانين مكافحة الإرهاب التي تصدرها الدول المختلفة؟


نعم، لقد شهدت سنوات ما يسمى بالحرب على الإرهاب تآكلاً في مجال حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب. ومن الواضح أنَّ الحكومات تتحمل مسؤولية حماية مواطنيها وغيرهم من الخاضعين لولايتها من الإرهاب والجرائم الخطيرة الأخرى، ولكن عندما تفعل ذلك، يجب عليها أيضاً التقيّد بالتزاماتها بموجب القانون الدولي. يحدث هذا بنسبة كبيرة من عدد من الحكومات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، حيث انخفضت الحماية للبشر بشكل خطير، كما هو الحال مع غوانتانامو وعمليات الترحيل السري، كونهما المثالين الأكثر وضوحاً، رغم أنَّ هناك العديد من الأمثلة.

أساساً، ما حدث هو أنَّ الحكومات ـ وإلى حدٍ ما ـ رمت بعيداً بكتاب القوانين واتبعت نهج “الغاية تبرر الوسيلة”، إلى حدّ أنها جعلت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان أمراً ثانوياً بالنسبة للتحدي المتمثل في مكافحة الإرهاب. ولم يكن مدهشاً أنَّ النتيجة كانت المزيد من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، سواء من أولئك الذين يُـشتبه في ضلوعهم في الإرهاب، أو أشخاص آخرين مثل المدافعين عن حقوق الإنسان، أو منتقدي الحكومة والناس الذين يكشفون عن تجاوزات الحكومة. كل هؤلاء وُضِـعُـوا في شبكة قمع واسعة تم إنشاؤها باستخدام مفرط وتعريف فضفاض وغير دقيق لقوانين مكافحة الارهاب.

بطبيعة الحال، نحن ندين بأشد العبارات الممكنة الإرهاب، مثل استخدام القنابل وغيرها ومهاجمة المدنيين. ونطالب الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال بالكف فوراً عن ارتكابها، كما ونطالب بمثولهم أمام العدالة وفـقـاً لمتطلبات القانون الدولي. وفي الوقت نفسه، ندين الاعتقالات السريّة والاختفاء القسري والتعذيب. هذه الانتهاكات غالباً ما ترتكبها الحكومات بأنواعها ـ على حدٍ سواء ـ ضد أشخاص يُـشتبه بضلوعهم في الارهاب وغيرهم أيضاً. وفي هذه الحالة ندعو لمحاسبة المسؤولين وتقديمهم للعدالة. لا يمكن استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لتبرير انتهاكات خطيرة من هذا القبيل، وعندما يتم ذلك الاستخدام يتعرض الأمن العام لمزيد من التهديد.


ما هي المنهجية المعتمدة لدى المنظمة فيما يتعلق بالرصد والمتابعة لأوضاع حقوق الإنسان فى الدول العربية، خاصة الجزء المتعلق بمصادر المعلومات ومصداقيتها؟


نهجنا هو مراقبة جميع مصادر المعلومات العامة الممكنة بما في ذلك تقارير وسائل الاعلام، ونراقب أيضاً المعلومات التي تنشرها الحكومات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والأكاديميين والوكالات الدولية وغيرها. ونسعى أيضاً للحصول على المعلومات من مصادر أخرى شاملة، وعلى وجه الخصوص من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو أقاربهم أو شهود العيان. ونقوم أيضاً بزيارات ميدانية ـ عندما يتطلب الأمر ذلك ـ للتحقيق في أوضاع حقوق الإنسان على أرض الواقع، على الرغم من أنَّ بعض الحكومات، مع الأسف، وبينها إيران والسعودية، لا تزال ترفض السماح لنا بزيارة بلدانها لهذا الغرض.