الدكتور محمود مكارم

أمين عام المجلس القومي المصري

حقوق الإنسان تقدمت، ومصر تمرّ بتحوّل تاريخي

بعد مرور نحو سبع سنوات على تأسيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، لا يظهر للمراقب الخارجي أن تحوّلاً عميقاً في موضوع حقوق الإنسان المصري قد حدث. الى أي حدّ يقترب هذا التقييم من الصحّة؟ لقد طرحنا جملة من الأسئلة على سعادة السفير الدكتور محمود مكارم، الأمين العام للمجلس القومي، فكان له رأيه الخاص في تجربة المجلس، ويرى أنها إيجابية وهو يعتقد بأنها تسير الى وضع أفضل، وأنها قدّمت الكثير من المنجزات، رغم الصعوبات والعمر القصير للمجلس وحداثة تجربته. فيما يلي نص الحوار:


كيف يقيّم المجلس القومي منجزاته، خاصة وأنه وضع خطة عمل قومية لهذا الغرض؟


يتوجب الإنصاف في تقييم جهود المجلس، في مجتمع تراكمت فيه خلال حقبة طويلة سلبيات فاقمت من حالة حقوق الانسان. هذه التراكمات لا تشكل ذرائع تبرر بطء عملية الاصلاح الحقوقي في المجتمع. يدرك المجلس ما أحاط بمسيرة عمله في الفترة الماضية من ظروف ومعطيات على رأسها طبيعته الاستشارية التي لا تمنحه من السلطات ما يمكنه من تحقيق كل الآمال المعقودة عليه، وأنه وبحكم كونه مؤسسة جديدة لا سابق لوجودها كان يتعين عليه الاهتمام بمتطلبات تأسيسه، وإعداد لوائحه الداخلية، وإقامة بنيته الادارية، وتشكيل لجانه ووحداته، وإعداد خطة قومية شاملة لدعم وتعزيز حقوق الانسان، واستحداث فروع جديدة للمجلس في بعض المحافظات البعيدة عن العاصمة، والسعى لعقد شراكات مع مؤسسات حقوقية في الداخل والخارج. هذه الجهود والأعمال استنزفت جزءاً من وقته واهتمامه وكانت ضرورة لإرساء بنائه المؤسسي ووضع رؤية حقوقية استراتيجية للمستقبل بما يتيح له مواصلة العمل في اطار الصلاحيات التي أنيطت به في قانون إنشائه.

ومع هذا، فإن ما تحقق لقضية حقوق الانسان في مصر، يمثل خطوة هامة تحتاج الى مواصلة على طريق الإصلاح في بلد يخوض مرحلة تحوّل سياسي واجتماعي وثقافي هي الأهم والأدق في تاريخه الحديث. ما قد يحسب للمجلس من ايجابيات ومنجزات، وما قد يؤخذ عليه من سلبيات وإخفاقات، إنما هو جزء من حالة الحوار الحقوقي في المجتمع المصري، وهو حوار يرحب به المجلس ويستخلص منه ما يجدر استخلاصه من دروس ودلالات.

لقد أعدّ المجلس خطة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان في نهاية عام 2006 وذلك بهدف دمجها في الخطة الخمسية للدولة. وأنشأ المجلس وحدة لمتابعة وتقييم تنفيذ الأهداف الواردة بالخطة الوطنية وذلك بالتعاون مع الجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني. وخلال الفترة السابقة واصلت الوحدة مناقشاتها مع الوزارات والمؤسسات المعنية لمتابعة الخطط التي تقدمت بها الوزارات لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان ومناقشتها ومراجعتها لتدعيمها من خلال تضمينها مؤشرات للأداء، والبرامج الزمنية، والتعرف على معوقات العمل للنهوض.

وفي السياق نفسه عقدت الوحدة عدة لقاءات تشاورية مع بعض منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان من أجل مساهمتها في تحقيق أهداف الخطة، كما دعت الوحدة هذه المنظمات إلى مائدة مستديرة من أجل وضع إطار عمل للتعاون. ويجري الإعداد لتحديث وتطوير الخطة خلال العام 2010 بالتعاون بين المجلس وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبالتشاور مع مختلف القطاعات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة والخبراء.


هل نجح المجلس القومي في حثّ الحكومة لتقوم بمواءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق والإتفاقيات الدولية، وهو الأمر الذي يعتبر مقياساً لتطور حقوق الإنسان؟


حرص المجلس منذ بداية عمله على مراجعة الدستور والتشريعات المصرية ومواءمتها مع المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وقد قدم ستة مقترحات بمشروعات قوانين إلى السلطة التشريعية، تتعلق بتعديل أحكام الحبس الاحتياطى؛ وتعديل بعض نصوص قانون العقوبات بشأن مكافحة التعذيب؛ وإنشاء نظام قاضي الإشراف على تنفيذ العقوبات؛ وبناء دور العبادة الموحد؛ وكذلك مقترح مشروع قانون حماية تكافؤ الفرص ومنع التمييز؛ وتعديل بعض نصوص قانون العقوبات بشأن تعزيز حرية الفكر والتعبير. كما قدّم المجلس عدداً من الأبحاث والدراسات المتخصصة بشأن بنود القوانين التي تتطلب تعديلا ومراجعة لتتواءم مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان.


خلال لقائكم الأخير مع سفير الإتحاد الأوربي في 27 مارس الماضي، تم تناول موضوع نشر الثقافة الحقوقية والخطط الرامية إلى إدماج الخطة الوطنية لحقوق الإنسان ضمن خطط الدولة العامة. هلاَّ تفضلتم بإلقاء الضوء على ذلك؟


يدرك المجلس أن الاهتمام بحقوق الإنسان الثقافية وفي مقدمتها الحق في التعليم والمعرفة، ضرورة لا غنى عنها؛ وأن نشر ثقافة حقوق الانسان في المجتمع مهمة تنويرية وحاجة تنموية في آن معاً. لقد بذل المجلس جهوداً في إطار المشروع القومي لنشر ثقافة حقوق الإنسان، من إقامة الندوات والملتقيات الثقافية وورش العمل، وتنظيم المسابقات والأسابيع الثقافية، وإطلاق المشاريع البحثية لإدماج ثقافة حقوق الانسان في المقررات الدراسية، وإقامة عشرات الدورات التدريبية للفئات المعنية بتطبيق حقوق الانسان.

وفي الوقت الحالي يرى المجلس ضرورة اعتبار قضية محو الأمية أولوية، فنسبة الأمية في مصر هي الأعلى بين المجتمعات العربية؛ كما يؤمن بالبحث عن أفكار وبدائل ووسائل تمويل لوضع مبادرات تطوير التعليم وتحقيق جودته. ويعتقد بضرورة مكافحة الدروس الخصوصية التي تكاد تشكل تعليماً موازياً، وعبئاً اقتصادياً يرهق الفئات الاجتماعية الفقيرة، وإهداراً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.

ويعمل المجلس على إدماج ثقافة حقوق الإنسان في مناهج التعليم، وفي الخطاب الديني، ووسائل الاعلام، وضمن معايير تقييم الأداء المهني لرجال الشرطة وموظفي الدولة والنيابة العامة، وبصفة عامة لكافة الفئات المنوط بها تطبيق القانون وأداء الخدمات الادارية للمواطنين.


المجتمع المدني المصري له وجهات نظر تجاه المؤسسات الرسمية، وباعتباركم مؤسسة نشأت بقرار رسمي، هل أثّر ذلك على علاقتكم بها، والى أي حدّ أقنعتم المؤسسات الأهلية باستقلالية المجلس القومي؟


يحرص المجلس القومي لحقوق الإنسان على التعاون المستمر مع منظمات المجتمع المدني، من خلال تنظيم والمشاركة في الأنشطة التي تقيمها، وقد وقع عدداً من البروتوكولات وصل عددها 69 بروتوكولاً. لقد عقد المجلس خمسة ملتقيات مع منظمات المجتمع المدني برئاسة الدكتور بطرس غالي رئيس المجلس لتبادل الآراء والخبرات وبحث التعاون بين المجلس ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ولمناقشة آخر المستجدات على ساحة حقوق الإنسان في مصر ، وبحث معوقات العمل الأهلى في مصر في ظل القانون 84 لسنة 2002 الذى يحكم إنشاء وعمل الجمعيات الأهلية، وتقييم تجربتي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك لتطوير العمل المشترك بينهما. من بين الجمعيات الأهلية التي شارك المجلس في نشاطاتها: جمعية السلام القبطية؛ مركز الرجاء لرعاية الفئات الخاصة؛ البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان؛ مؤسسة عالم واحد للتنمية؛ الجمعية المصرية للمساواة؛ جمعية محبي مصر السلام؛ ماعت للدراسات الحقوقية؛ مركز بحوث ودراسات حقوق الإنسان التابع لجامعة أسيوط؛ النقابة العامة للمحامين وغيرها.


ما هي المنهجية المعتمدة لدى المجلس فيما يتعلق بالرصد والمتابعة لأوضاع حقوق الإنسان وشكاوى المواطنين، و ما هي الاَليات المتبعة في التعامل مع السلطات المختصة سعياً لحلّها؟


لقد أنشأ المجلس آلية دائمة ومنظمة لتلقي شكاوى المواطنين والتعامل معها والتنسيق مع المؤسسات والجهات المعنية في الدولة بهدف إيجاد حلول لها. لقد سعى المجلس الى تنويع مصادر تلقي هذه الشكاوى، فأنشأ خطاً ساخناً مجانياً لتلقّي الشكاوى، واستحدث فكرة مكاتب الشكاوى المتنقلة في الأماكن البعيدة والنائية.

هذه الشكاوى على كثرتها وتنوعها تمثل تشخيصاً هاماً ومفيداً لحالة حقوق الانسان في مصر، وهو تشخيص يجب أخذه في الاعتبار بشأن أية استراتيجية لدعم وتعزيز حقوق الانسان. الدراسة الاحصائية لهذه الشكاوى تكشف بأن أكثرها يتعلق بمخالفات لحقوق مواطنين الاقتصادية والاجتماعية على نحو ما أوردته بالتفصيل التقارير السنوية الصادرة عن المجلس.

أما مقدار إنجاز المجلس بشأن هذه الشكاوى، فيتوقف بالضرورة على مدى تجاوب السلطات والجهات المعنية في الدولة، وهو تجاوب وإن بدا ضعيفاً في السنوات الأولى للمجلس، إلا أنه آخذ في التغير إيجابياً في العامين الماضيين، وما زال المجلس يأمل من وزارات الدولة وسلطاتها المعنية ويهيب بها أن تزيد من تعاونها معه في هذا الخصوص، وأن تبدي درجة أكبر من الاهتمام بالتحقيق في هذه الشكاوى بما يستتبعه عند الاقتضاء من تدارك المخالفات ورد الحقوق لأصحابها.


أين وصل مشروع (إنسان) الذى تم توقيعه مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في ديسمبر 2009 والذي استهدف تعزيز قدرات المجلس، وما هي البرامج التي طبّقت لتحقيق تلك الغاية حتى الآن؟


استهدف مشروع (إنسان) دعم المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد شهور قلائل من تأسيسه كمؤسسة وطنية مستقلة تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان في مصر، وكآلية وطنية مخولة بتحقيق هذا الهدف. المشروع التقى في أهدافه مع أطر العمل والأهداف المقررة دولياً لعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في تسريع وتيرة (الحكم الديمقراطي)، وفي محوره الفرعي الخاص بدعم (العدالة وحقوق الإنسان).

الهدف المركزي للمشروع في تمكين المجلس القومي لحقوق الإنسان من تحقيق أهدافه من خلال تطويره مؤسسياً، ودعم قدراته، وتأسيس نظام إجراءات مالية وإدارية، وتأسيس حلقة اتصال قوية مع منظمات المجتمع المدني والمانحين. ويساعد المشروع المجلس في اقتراح الوسائل المناسبة لتطوير حقوق الإنسان، والعمل على متابعة تنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية ذات الصلة، وكذلك في تقديم المقترحات والتوصيات إلى السلطات لضمان التطبيق الفعال لها، والتعاون مع الهيئات والسلطات الوطنية والدولية؛ ونشر الوعي والثقافة من خلال المساهمة مع المؤسسات المتخصصة والسلطات المعنية في مجالات التعليم والتربية والإعلام والثقافة، والمساهمة مع الوفود المصرية في المنتديات والمحافل والاجتماعات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان، والتنسيق مع المؤسسات الدولية المعنية، وكذا مع المؤسسات المماثلة ذات الصلة مثل المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة والمؤسسات الأخرى ذات الصلة.