سلمان المحفوظ

أمين عام الإتحاد العام لنقابات البحرين:

حقوق العمال خط أحمر لا نقبل بتجاوزه

يمثل الاتحاد العام لنقابات البحرين الجهة الأساس في الدفاع عن حقوق العمال. وقد لد الاتحاد بعد نضال عمّالي طويل استمر لعقود، وكان النضال يجري تحت مسميات مختلفة كان آخرها اللجنة العامة لعمال البحرين. وبعد اعلان المشروع الاصلاحي، تحولت اللجنة في 28 مايو 2002 الى الإتحاد العام لعمال البحرين. وفي 23 سبتمبر 2002 صدر المرسوم الملكي رقم 33 بشأن قانون تشكيل النقابات. وفي 2003م، تم تشكيل لجنة منتخبة لصياغة النظام الأساسي الجديد للإتحاد العام. وتشكل المؤتمر التأسيسي للإتحاد في يناير 2004 من أربعين نقابة من القطاعين العام والخاص، وذلك بحضور منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والأمين العام للإتحاد الدولي، واتحاد عمال النرويج، وغيرهم. لاستجلاء أوضاع العمل النقابي وحقوق العمال، التقت (المرصد البحريني) بأمين عام الإتحاد، فكان هذا الحوار.


بدايةً هل لكم أن تحدثونا عن أهداف الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والى أي مدى يمكن القول أنه يحقق أهدافه؟


أهداف الاتحاد تختصرها رسالته، وهي خلق عالم عملٍ تزدهر فيه العدالة الاجتماعية والحوار الاجتماعي، ويختفي فيه الإستغلال. بالطبع لا يمكن القول أننا نحقق أهدافنا جميعها، لكننا نعمل بشكل جيد لتحقيق هذه الأهداف. وقد تمكنّا بالفعل في بعض مواقع العمل من تحقيق اختراقات في أمور تتعلق بالحقوق العمالية والأجور والعلاوات. لكن في مسائل أخرى، ما يزال المشوار طويلاً لبلوغ ما نستهدفه.


ما هو تأثير المشروع الإصلاحي على أوضاع العمال فى البحرين، وفي أي اتجاه؟


قبل قيام المشروع الإصلاحي، كان العمال ينتظمون في (اللجنة العامة لعمال البحرين).. وبرغم القيود القانونية التي كانت تحصر نشاطه ليأخذ طبيعة استشارية، وبرغم قيود قانون أمن الدولة الذي كان يحدّ من تحركات المجتمع المدني.. إلا أن اللجنة ناضلت محلياً وعربياً ودولياً من أجل إطلاق حرية العمل النقابي، ورفع الصوت العمالي عالياً في المؤتمرات والمحافل العربية والدولية. وجاء قانون تشكيل النقابات العمالية رقم 33 لسنة 2002 تتويجاً لهذا النضال الطويل. أهمّ ما قدمه المشروع الإصلاحي هو قانون النقابات العمالية، الذي نعتبره أفضل قانون صدر في فترة المشروع الإصلاحي لجلالة عاهل البلاد، وما ذلك إلا لأن القانون خضع لتشاور عمالي حكومي مدة طويلة، دافع خلالها كل طرف عن وجهة نظره.

لكن، تمّ فيما بعد تعديل بعض مواد القانون فكان ذلك تراجعاً، مثل المادة 21 المتعلقة بالإضراب عن العمل. نحن مختلفون اليوم مع الحكومة بشأن حق تشكيل النقابات في القطاع الحكومي، في حين تصرّ الحكومة على حرمان ما يقرب من خمسين ألف عامل في هذا القطاع دون مبرر.


كيف تقيمون علاقة الأجهزة الحكومية مع الإتحاد، وتجاوبها مع القضايا التي ترفعونها، وهل هناك حوار قائم مع تلك الاجهزة؟


ليس لدينا صداقات ولا خصومات دائمة. من يعطي العمّال حقوقهم فنحن معه. من يتقدم لنا شبراً، خطونا باتجاهه ميلاً. حقوق العمال خطّنا الأحمر الذي لا نقبل بتجاوزه. نحن نلتقي بالمسؤولين الحكوميين من أعلى الهرم السياسي المتمثل في جلالة عاهل البلاد وصاحبي السمو الملكي رئيس الوزراء وولي العهد، كما نلتقي الوزراء كوزير العمل وغيره.. وفي حواراتنا لا نجامل ولا نخاصم أحداً. لكن هذه اللقاءات برغم بعض إيجابياتها الكبيرة، فإنها لا تغني عن إنشاء هياكل مؤسسية من أجل تفاوض حقيقي بين الطرفين الحكومي والعمالي حول رسم السياسة الاقتصادية في البلاد وعلى رأس أجندتها الأجور والأسعار والخصخصة والهيكلة وغيرها.


في مسألة القوانين والتشريعات، كيف تقرأون قانون النقابات العمالية الحالي مقارنةً مع المعايير والإتفاقيات الدولية الخاصة بالعمل والعمال؟


كما ذكرت، فإن قانون العمل كان من أفضل القوانين يوم صدوره. للأسف فإن الحكومة أدخلت تعديلات لم نُستشر بشأنها، اعتبرت تراجعاً. المرسوم 49 لسنة 2006 وفيما يتعلق بالمادة 21، أوكل مهمة تحديد القطاعات الحيوية التي يحظر فيها الإضراب للحكومة وحدها، وصدر على إثرها قرار من مجلس الوزراء رقم 62 لسنة 2006 بحظر الإضراب في اثني عشر قطاعاً بحجة أنها تمثل أنشطة حيوية، مع أنها ليست كذلك طبقاً لمنظمة العمل الدولية التي تحصر كلمة (حيوية) فيما يشكل توقفه خطراً على حياة الإنسان. وبالنسبة لحق تشكيل نقابات في القطاع الحكومي، تقول الحكومة أنه مقصور قانوناً على (الإنتماء) الى نقابة قائمة، وليس (التشكيل) لنقابة جديدة. نحن طبعاً لا نوافق على هذه التشريعات، ونعتقد أنها ظالمة لجزء أصيل من عمال البحرين. وقد شكونا الحكومة لدى منظمة العمل الدولية، ومنظمة العمل العربية، والإتحاد الدولي لنقابات العمال، وكذلك لدى اتحاد العمال العرب، مطالبين بإلغاء تعميم ديوان الخدمة المدنية رقم 1 لسنة 2003 سيء الصيت والذي لا ينسجم مع ميثاق العمل الوطني والدستور ومعايير العمل الدولية. وقد طرح الموضوع أثناء مناقشات لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل الدولية، كما خاطبت لجنة الحريات الحكومة وطلبت ردها على الشكوى، وقد فعلت. ونحن ما زلنا نتابع شكوانا إلى النهاية، حتى يتحقق منح عمال القطاع الحكومي حرية التنظيم النقابي.


الى أيّ حدّ تفاعل الإتحاد مع تداعيات الأزمة المالية العالمية الحالية وأثرها على العمال؟


كنّا أوّل من طالب بتشكيل لجنة وطنية لمكافحة تداعيات الأزمة المالية وقياس الخسارة الحقيقية من المدعاة، وهل يعاني صاحب العمل الذي يسرّح عمّاله فعلاً، أم أنه يستغل الوضع، وكيف ندعم أصحاب العمل المتضررين؟ لقد تمّ تشكيل لجنة فعلاً، ولكنها لم تباشر عملها حتى الآن، للأسف. لازالت عمليات فصل العمال عن وظائفهم جارية على قدم وساق تذرعاً بالأزمة المالية. وقد نظمنا مؤتمراً حول الأزمة المالية وانعكاساتها على دول مجلس التعاون، بمشاركة عمالية دولية وعربية، ورفعنا التوصيات إلى الحكومة والجهات المسؤولة، بل وإلى أمانة مجلس التعاون.

من الناحية الحقوقية نحن مع عدم قسر العامل على العمل لدى صاحب عمل معين، خاصة وأن الحكومة قد صدّقت على اتفاقيتي منع العمل الجبري 29 و 105. لكن فيما يتعلق بآثار قرار إلغاء نظام الكفيل، فنحن نقوم مع شركائنا بمعالجتها. لكن لا سبيل للتراجع عن هذا التشريع. إن موقفنا خاضع للمراجعة في ضوء قياس تطبيق حرية الإنتقال على الأرض، فإذا ما رأينا فيه ضرراً على العمالة البحرينية، فسوف نعيد تقييم الموقف من جديد. وقد يكون الحل في طريقة لا تصل إلى حدّ فرض العمل الجبري على العامل الأجنبي، وفي نفس الوقت لا تجعله منافساً للعامل الوطني.


الحديث عن بحرنة الوظائف لا ينقطع، مع أن بعض التقارير تشير الى تدني مستوياتها، ما هي معوقات ذلك، وما هو دور الإتحاد في هذا؟


نعتقد أن مشكلة البطالة ليست في سوق العمل، مع تقديرنا الكبير للمشروع الوطني للتوظيف، ومشروع توظيف الجامعيين. المشكلة برأينا تكمن في أن اقتصادنا لا يوفّر حتى الآن الوظائف الكافية التي تستقطب العمالة الوطنية. المشكلة الأكبر أنه حتى الشركات الكبرى ـ التي كان طموح كل بحريني العمل فيها ـ مثل بابكو وألبا وغيرهما، غير قادرة على توفير وظائف كثيرة، ناهيك عن خصخصة العديد من مؤسسات القطاع العام، الأمر الذي أفضى الى زيادة العمالة الأجنبية فيها. ومن معوقات البحرنة أن مجلس التنمية الاقتصادية يفرض اليوم سياسات بشكل أحادي دون شراكة مجتمعية، وهي سياسات تؤدي لإضعاف البحرنة عبر برامج الخصخصة وإعادة الهيكلة. نحن خاطبنا مجلس التنمية والسلطة التشريعية، وطالبنا بمقابلة صاحب السمو الملكي ولي العهد والذي هو المسؤول الأول في المملكة على الصعيد الاقتصادي، لمناقشة هذه الأمور.


حقوق المرأة العاملة، ومسألة مكافحة الإتجار، بالبشر قضيتان مثارتان وتدخلان في صميم عمل الاتحاد.. ترى ماذا عملتم تجاههما؟


لقد نظمنا عدداً من الورش والفعاليات بالتعاون مع المنظمات العمالية الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية حول العمالة المهاجرة والاتجار بالبشر، كان آخرها في نوفمبر الماضي، بالتعاون مع الإتحاد الدولي للنقابات (الآبرو). ونحن سعداء بالمرسوم الملكي رقم 1 لسنة 2008 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر، لكن الأهم مواجهة تجارة الجنس التي يرعبنا أن تحتل بلادنا فيها مركزاً متقدماً، وهذا عار، علينا جميعاً أن نخجل منه ونكافحه. نعتقد أن إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وعلى رأسها تجارة الجنس، أمراً ضرورياً. هناك بريئات يجلبن ويغرّر بهن بذريعة العمل الشريف ليكتشفن أنهن قد جيء بهن ليعملن في تجارة الجنس.

نحن وبالتعاون مع المنظمات العمالية الدولية، ومنظمات المجتمع المدني المحلية، سنتصدى بكل قوة لهذه الظاهرة. لقد سبق لنا أن وقفنا مساندين لمدّ مظلّة قانون العمل الجديد بشأن العمالة الأجنبية لتشمل (خدم المنازل) ومن في حكمهم، وذلك لحمايتهم من الاستغلال. وبالفعل فإن النص الموجود لدى السلطة التشريعية قد أضاف مواداً لتدخل ضمن المظلة القانونية التي تغطي خدم المنازل ومن في حكمهم.