المجتمع الحيّ ودوره في الشأن العام

من أبرز ملامح وصفات المجتمعات الحية والمتقدمة، نسبة مشاركتها في الشأن العام.

ونقصد بـ (الشأن العام)، تلك الشؤون التي تتعدّى المصلحة الفردية أو الذاتية؛ فكل ما يمثل همّاً جمعيّاً، ويشترك فيه أبناء الشعب، هو شأنٌ عام، سواء كان سياسياً، أم غيره من المصالح العامة.

بعض الدول، لا تريد انخراطاً لشعوبها في الشأن العام، وهي في الغالب دول تسلطية، حيث تبدأ هيمنتها على الشأن السياسي، وإبعاد المجتمع عنه، ثم تتمدّد هذه الهيمنة بالضرورة الى حقول أخرى، مثل النشاطات الاجتماعية والثقافية والرياضية والخيرية، وحينئذٍ لا يتشكل عملٌ جمعي شعبي، وتتفتّت الإرادة الشعبية، فلا تجتمع على موضوع واحد، ولو كان إيجابياً، حتى في الرياضة.

ولهذا نرى، انه في هذه الدول، يموت المجتمع المدني، بل يصعب تشكّله، فالنظام الاستبدادي لا يسمح بتشكيل مؤسسات يحتاج اليها المجتمع، والدولة معاً، مادامت تنطوي على مشاركة شعبية في صناعة القرار، ضمن ايّ مستوى كان.

وفي هذه الدول الديكتاتورية، تصبح المؤسسات البرلمانية ـ إن وجدت ـ مجرد هياكل فارغة؛ والمؤسسات ضعيفة؛ والرقابة الشعبية شبه معدومة، اللهم الا تلك الرقابة التي يصنعها النظام التسلطي لحماية نفسه.

والحمد لله، وخلافاً لما هو منتشر في المنطقة، فإن المجتمع البحريني، مجتمعٌ حيّ حقاً. وقد قابلته السلطة السياسية، فلم تخمد أنفاسه، بل سمحت بإنشاء مؤسسات مجتمع مدني، وشجعت على ذلك، وسمحت للإرادة الشعبية بأن تمثل نفسها سياسياً في الانتخابات البرلمانية، وايضاً ان تمثل نفسها خدمياً في الانتخابات البلدية.

ولهذا السبب، وأسباب أخرى، نرى أن المجتمع البحريني أكثر حيوية ـ وبما لايقاس ـ من شعوب مجاورة، من جهة مشاركته في الشأن العام.

النظام السياسي من جانبه، يدرك قيمة وأهمية مشاركة الشعب في الشأن العام، من جهة مساعدته في تحقيق التطلعات، ودوره في المحاسبة الشعبية، وفي مساعدة الدولة في النهوض بواجباتها، وفي كون المشاركة الشعبية جزء أساس في إطلاق الطاقات، وتوجيهها للبناء، وأيضاً هو يدرك أهمية كل هذا في تحقيق الإستقرار السياسي والأمني، وتعزيز شرعية النظام السياسي.

لكن ظهر ان هناك مشكلة في إدارة هذا المجتمع الحيّ، الذي يسبّب في كثير من الأحيان إزعاجاً وإرباكاً للسلطات نفسها. وفي ظني فإن المشكلة (إدارية بحتة)، إذ لا يمكن أن تدير مجتمعاً متعلّماً حيوياً لديه تراث في الخدمة المدنية والشعبية، بذات الأدوات التي تدير بها شعباً لا يتمتع بهذه المواصفات.

هذا المجتمع البحريني الحيّ، الذي راهنت الدولة على دوره في البناء والتنمية، وأفسحت المجال لاطلاق طاقاته في قنوات تنظيمية؛ يجب أن نراهن عليه مرّة أخرى، من جهة وصوله الى مرحلة الرشد. فهذا المجتمع سيصل حتماً الى الرشد السياسي والاجتماعي، لأن لديه الوعي المتراكم، وستزيده الخبرة والتجربة التي مرّ بها في تحقيق ذلك، وفي إصلاح بعض سلوكياته التي قد تخرج عن إطار القانون.

ومن هنا، فمن الضروري ان نساعد هذا المجتمع البحريني، على بلوغ تلك المرتبة من الرشد، من خلال توجيهه اكثر، ومن خلال زجّه أكثر في النشاط العام، وليس تقييده وكبح جماحه، فهذه الوسيلة قد تؤدي الى ضرر للدولة والمجتمع.