رسالتي الى المدافعين عن حقوق الإنسان

حسن موسى الشفيعي

حسن موسى الشفيعي

لم تعمر العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني في البحرين طويلاً.

فرغم انتعاش المجتمع المدني فور البدء بعهد الإصلاحات في عام 2000، وظهور مئات من منظمات المجتمع المدني في كل المجالات، بما فيها مجال حقوق الإنسان.. الا ان العلاقة سرعان ما انتكست، وكانت خيبة الأمل مشتركة.

الحكومة رأت أن المنظمات الحقوقية بالذات ابتعدت عن النشاط الحقوقي، واشتغلت بالسياسة، وانها سيّست العمل الحقوقي كثيراً. وزيادة على ذلك وجدت الحكومة ان المنظمات الحقوقية ـ حديثة الولادة ـ غير رشيدة، ولا تبحث عن تطور سياسي وحقوقي تدريجي، رغم علمها بأن النظام السياسي لا يستطيع ـ لظروفه الخاصة ـ أن يحرق المراحل.

ومن جانبها، فإن خيبة المنظمات الحقوقية كبيرة أيضاً، وهي تتهم الحكومة بأنها لم تكن جادّة في الإصلاح، وأنها تضيّق الخناق على نشاطاتها، وأنها لم تكن تبحث عن قطيعة مع إرث الماضي.

وفي نهاية المطاف فإن الصدام قد وقع بين الطرفين، في ظل أجواء سياسية، بل صراع سياسي حادّ، امتدّ الى الشارع. وكان الخاسر الأكبر هو البحرين: دولة ومجتمعاً ومؤسسات. لقد فشلت التجربة على يد المشاركين فيها؛ فتردّت أوضاع حقوق الإنسان، ولم تحقق المنظمات الحقوقية الا المزيد من الإنهاك، وهي اليوم تكاد تصبح منظمات سياسية، أو ملحق لمنظمات سياسية، اقرب من كونها منظمات حقوقية.

إنْ أردنا تطوراً لأوضاع حقوق الإنسان:

فلا بدّ من تجسير العلاقة بين المجتمع المدني البحريني والحكومة.

لا بدّ من تفهم كل طرف لطبيعة نشاط الاخر، ومخاوفه.

لا بدّ من الإحتكام الى قانون عصري يوفر المساحة اللازمة للمجتمع المدني كي يتنفس ويتطور.

ولا بدّ في نهاية المطاف من تعاون على الأرض، والإستفادة من الدرس القاسي الذي مرت به البحرين خلال السنوات الخمس الماضية، بما يفيد للمستقبل. أما المغالبة السياسية، فهي التي قادت أوضاع حقوق الإنسان الى الإنحدار.

وبقدر ما وجهنا رسائل الى الحكومة، تحضّها على أخذ زمام المبادرة، وإشراك المجتمع المدني في برامجها، وإعادة النظر في سياساتها وممارساتها المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن رسالتي هذه المرة موجهة الى المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين؛ وأقول لهم التالي:

  • ابتعدوا عن الأحزاب السياسية المعارضة. حتى لا تتهموا بتسييس الجانب الحقوقي، واستثماره سياسياً، وحتى تؤكدوا بأن أهدافكم حقوقية وليست سياسية. وحين تقيمون نشاطات حقوقية في الخارج، لا تقبلوا أن تكونوا جزءً رئيسياً من المعارضة، فتصبحوا وكأنكم وفدٌ واحد، يستخدم خطابا واحداً، ولغة سياسيةً وموقفاً واحداً.
  • من الضروري تهدئة الشارع، فالمدافع عن حقوق الإنسان ليس محرضاً سياسياً، ورسالته الحقوقية قد تتعرض للتشويه كثيراً، إنْ تحكّم به الغوغاء. الشارع الموتور، او جزء منه، غير مثقف حقوقياً، ورسالة الحقوقي قد تتعارض مع وسائل الشارع المتطرف سياسياً.
  • أدينوا العنف، وخطاب الكراهية والتطرف عامة. أدينوه عن قناعة ورؤية وبصيرة ـ لا رفع عتب. أدينوه لأنه لا يخدم البحرين وأهلها جميعاً. أدينوه من خلال تفكيك الخطاب التحريضي والدعوة الى السلم والخطاب الديمقراطي المعتدل، وترشيد الثقافة العامة السائدة، خصوصاً بين الشباب.
  • حاولوا أن تحلّوا المشكلات الحقوقية داخلياً، وذلك عبر التواصل والتعاون مع الجهات الرسمية المعنية. جرّبوا أن تحلّوا الأمور بهدوء، وبدون إثارات، وابتعدوا عن اعطاء أخبار حول خصوصياتكم للجمهور، لأنه في النهاية يضيّق عليكم هامش الحركة، ويضعف قدرتكم في الإستفادة من الحريات المتاحة داخلياً.
  • أنتم تعلمون أن الأوضاع الحقوقية في البحرين تحسّنت بصورة عامة، وبالتالي فأنتم ابتداءً مطالبون بالإعتراف بحدوث هذا التطور، ومطالبون ثانياً بالبناء عليه، والتفاعل معه، وأن تكون تقاريركم أكثر توازناً في عرض اوضاع حقوق الإنسان.
  • اعرضوا كما تفعل المنظمات الحقوقية الدولية، تقاريركم على الجهات الرسمية، قبل اصدارها، فلعل لديها رأياً او معلومة يصححونها لكم، أو ربما حلوا المشكلة قبل نشرها.
  • هناك مؤسسات حقوقية رسمية، ادخلوا فيها، وشاركوا، وفعّلوا عملها، وتعاونوا معها من أجل تطوير أوضاع حقوق الإنسان. فهذه منابر حقوقية، اعترف بها المجتمع الدولي، وانزواؤكم عنها، والتعرّض اليها بالنقد والشتم لا يخدم الرسالة الحقوقية النهائية، ولا يساعد في تطوير المجتمع المدني.