الشرطة وحماية حقوق الإنسان

لا يمكن تغيير نمط العلاقة بين القوى المعنية بنفاذ القانون وبين أفراد المجتمع على نحو إيجابي ما لم تتوافر عناصر أساسية أولية نعتقد أنها محورية:

اولاً ـ طبيعة القانون الذي يتم تنفيذه. فالقانون غير العادل الذي يطبقه رجل الشرطة، قد يدفع بالصدام مع المجتمع. وإنما نقصد بالقانون هو ذلك القانون العقلائي الذي يتماشى مع العدالة ومعايير حقوق الإنسان. لذا يجب تحديد ما هو القانون بالضبط، ونجيب على سؤال: ماذا يفعل رجل الشرطة إذا كانت فقرة ما من القانون تجيز له أو حتى تأمره بفعل شيء ما يراه العالم مخالفاً للعدالة. فالتظاهر والتجمع، حق معترف به دولياً، فإذا كانت الدولة تجيز ذلك، فإن رجل نفاذ القانون ليس لديه مشكلة. اما اذا كان عكس ذلك، وكانت التظاهرات محرّمة ـ مثلما هو في بعض الدول ـ فإن رجل الشرطة قد يقوم بفض المظاهرة، ولو بأساليب خشنة وربما اطلق على المتظاهرين الرصاص.

ثانياً ـ إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين المجتمع والشرطة، من ناحية نظرة كلّ منهما للآخر. في بعض الدول ينظر المجتمع او فئات منه الى رجل الشرطة كرجل فتّاك مخيف، يقوم بالإرعاب ودعم الإستبداد، وليس حماية أمن الأفراد والمصالح العامة، أو حماية حقوقهم وفق القانون والدستور. في حين ينظر الشرطة في تلك الدول الى بعض فئات المجتمع كمتهمين، تتلخص مهمته في إخضاعهم، ولا ينظر اليهم كمواطنين أصحاب حقوق، أو محتجين وفق القانون، بل كمتمردين ومجرمين يجب عقابهم على يديه، وليس عبر القانون والقضاء.

ثالثاً ـ في حال تمتع المواطنون بحقوقهم حسب القانون والدستور وبما لا يتعارض مع شرعة حقوق الإنسان، فإنهم بديهياً لن يضطروا الى التمرّد او اللجوء الى العنف، وإذا ما قام أحد بذلك، فإن الجمهور لا يغطيّه ولا يشرعن فعله، وفي هذه الحالة، ومع ادراك رجال انفاذ القانون لحقوق المواطنين التي يجب أن يصونوها ويحموها، فإنهم مطالبون بمواجهة من يخرق القانون من خلال العمل وفق القانون، لا بخرقة مقابل خرق الآخر. لأن في ذلك تعدّ على الأنظمة والقوانين المحلية والدستور وعلى حقوق الإنسان نفسها.

ذلك أن القانون يجب ان يحترم، ومهمة رجل الشرطة حماية القانون ومواجهة من يتجاوزه، ولأن معالجة الخطأ بخطأ مشابه، يؤدي الى مضاعفات سلبية جداً، حتى وإن لم يعاقب رجل الشرطة الذي يخرق القانون بحجة حمايته. إن مواجهة المخالفين للقانون او المتمردين عليه لا تتطلّب الخروج الجزئي أو الكلي على القانون، بل ان تجاوز حقوق الإنسان من قبل رجل الشرطة يزيد من صعوبة تنفيذ القانون.

ومن أهم المخاطر المترتبة على تجاوزات رجال الشرطة لحقوق الانسان التالي:

1/ أن تجاوزاتهم تشعل القلاقل المدنيّة بدلاً من أن تهدّأها، وتبعدهم عن المجتمع بدلاً من أن تقربهم منه، خاصة وأنه محتاجٌ لتعاون ومساعدة أفراد المجتمع في منع الجريمة من أجل المحافظة على السلم الأهلي. المجتمع يجب ان ينظر الى رجل الشرطة كحام لحقوق الإنسان، وفي حال تكررت التجاوزات، فإن نظرة أفراده اليه تتغير عكسياً.

2/ إن تجاوزات رجال انفاذ القانون أخطر من تجاوزات الأفراد العاديين، لأن من شأنها تقويض الثقة العامّة بأجهزة الدولة وتشويهها، واضعاف قدرتها على أداء مهامها، فتكون (العدالة نفسها) ضحية، بحيث لا يستطيع الضحايا الحصول عليها، وبحيث يصبح البريء مذنباً ويطلق سراح المذنب، وبحيث تتعرقل المحاكمات العادلة والفعالة، ولا يبقى هنالك احترام للقضاء ولهيبة الدولة.

إن احترام رجال انفاذ القانون لحقوق الإنسان، ليس فقط يجلب احترام المجتمع لهم، بل والفخر والإعتزاز الوطني ايضاً، كون أن القانون قد تمت صيانته وان الالتزام بحماية حقوق المواطن قد تمّ تطبيقها، ولأن الشرطة اندمجت بالمجتمع، وهي ليست تلك التي تفرض نفسها بوسائل قهرية وعبر التخويف، وإنما علاقتها بالمجتمع علاقة حب واحترام وتقدير للمهمة التي يقومون بها. وهم إذ يساعدون الشرطة في ذلك، شعوراً منهم بأن الجميع في مركب واحد، وأن هناك مصلحة في مكافحة الجريمة قبل أن تقع.