إشكالات العلاقة بين الحكومة والمنظمات الدولية
|
حسن موسى الشفيعي |
حسن موسى الشفيعي
الشعور السائد لدى منظمات حقوق الإنسان وبعض الدول الغربية، هو
أن الحكومة البحرينية تتجاهل تلك المنظمات، ولا تعيرها اهتماماً، وأن
سوء العلاقة بين الطرفين له آثاره السلبية على الحكومة البحرينية سياسياً
وإعلامياً؛ وقد يتصاعد الضغط السياسي على الدول الحليفة للبحرين بسبب
نشاط تلك المنظمات وتنديدها المستمر بالإنتهاكات.
على صعيد الحكومة، فإنها طالما صرّحت، بأنّ تحسين العلاقة مع منظمات
حقوق الإنسان الدولية، مسألة مهمة، وتقول أنها انخرطت في هذا الإتجاه
لسنين عديدة، دون أن ترى فائدة تذكر. وتضيف بأنها أفسحت المجال لكل
الحقوقيين في العالم بالمجيء الى البحرين، وسهلت دخولهم، كما دأبت
على إطلاعهم بما لديها من معلومات وحقائق عن مجريات أحداث محددة. وبالرغم
من ذلك ـ وحسب الحكومة ـ فإنها لم تجد أي صدى إيجابي يعكس الخطوات
الإيجابية التي تقوم بها لمعالجة تبعات الأحداث الماضية، كما لا تعكس
حسن نيتها وتعاونها مع تلك المنظمات، الى الحدّ ان هذه الأخيرة لا
تشير الى أي عمل إيجابي قامت به الأجهزة الرسمية، ولا أظهرت أنها اكتشفت
شيئاً في قضية ما خلافاً للواقع، ولا هي بيّنت في تقاريرها وبياناتها
وجهة النظر الرسمية والمعلومات المقدّمة لها، بل لم تخفّف تلك المنظمات
من حدّة انتقاداتها، وبالتالي فتلك المنظمات الدولية ـ بنظر الحكومة
ـ تكرّر أخطاءها، وغير ذلك.
بمعنى آخر، فإن الحكومة البحرينية، تعتقد بأن ما تقوم به من جهود
لتحسين علاقاتها مع المنظمات الحقوقية الدولية يعتبر جهداً مهدوراً
لا فائدة منه، ولا يجب المضي فيه.
وبناء على المنهج الجديد في التعاطي مع المنظمات الحقوقية، والذي
شمل تحديد إجراءات السفر الى البحرين للناشطين الدوليين، وعدم الرد
على طلبات الزيارة للوفود، أو التأخير في ذلك وفي الرد على استفساراتها
أو حتى تجاهلها، فإن الذي حدث هو التالي:
ـ لم تتوقف عملية رصد الإنتهاكات، ولا إصدار البيانات والتقارير
عن البحرين. بل حدث في كثير من الأحيان، أن حدّة وتتالي النقد وإصدار
البيانات قد زادت.
ـ أنه مهما حوى الرأي الرسمي البحريني من صحّة حول الأخطاء التي
تقع فيها المنظمات الحقوقية الدولية في تغطيتها لأحداث البحرين، سواء
من حيث عدم التوازن، أو المبالغة، أو غيرها؛ فإن ما تسميه المنظمات
الحقوقية بسياسة التجاهل وعدم التعاون جعلتها تعتمد في مصادر معلوماتها
على طرف واحد من طرفي الأزمة، اي مصادر المعارضة فقط. كما أن تلك السياسة
ولّدت ضغوطاً سياسية مباشرة على البحرين وعلى الدول الغربية الصديقة
لها، والتي لا تستطيع أن تتجاهل حقيقة قوة تلك المنظمات وتأثيرها السياسي
والإعلامي الدولي.
ومن هنا، فإن استمرار التوتر بين الحكومة والمنظمات الحقوقية الدولية،
وعدم اطلاعها على المعلومات والتطورات في مجال حقوق الإنسان، لا يخدم
وجهة النظر الرسمية، ولا يعطي صورة متوازنة بالضرورة عن الأوضاع. ولذا
تبدو مراجعة هذه السياسة أمراً ضرورياً.
هناك مساران في العلاقة بين المنظمات الحقوقية الدولية، والحكومة
البحرينية:
المسار الأول: السلوك
ويتعلّق بطبيعة مفردات العلاقة والسلوك الذي يحكمها، فإذا كانت
مفردات السلوك طيّبة، نمت حالة الثقة، وخفّفت من حدّة الإختلاف في
العلاقة وحسّنت تقييم الأوضاع. أما إذا حكمت العلاقة سلوكيات الإهمال
والتجاهل والإتهام، فإن الثقة سريعاً ما تتقلّص وينعكس ذلك حتى في
تقييم الأمور الإيجابية التي قد تقدم عليها الحكومة في إصلاح الوضع
الحقوقي. إذ يظهر دائماً الشك، بأن هناك أمراً ما لا تدركه تلك المنظمات،
أو غير واثقة من النيّات التي تقف وراء الأفعال. وبسبب عدم الثقة قد
لا تؤخذ المعلومات الرسمية على محمل الجدّ، حتى وإن كانت صحيحة.
من وجهة نظر المنظمات الحقوقية الدولية، فإن هناك شبه انكسار في
الثقة بالطرف الرسمي، ومآخذها التي عادة ما تتكرّر هي كالتالي:
1/ أن حكومة البحرين تقدّم الكثير من الوعود والتعهدات تتعلق بسياسات
وخطط وبرامج مستقبلية (ستقوم) بها؛ في حين أن التنفيذ قليل ومحدود
وبطيء وتنقصه الشفافية. ووجهة نظر المنظمات تقول بأنها وبعد تجارب
عديدة، لا تستطيع أن تثق بالوعود الرسمية وجديّة تنفيذها. ولذا بات
من الضروري، أن يتم التركيز على ما يُنجز أو أُنجز بالفعل، لا على
أمرٍ قد ينجز في المستقبل بدون تقييد زمني، وبدون معرفة موقع الفعل
ضمن خارطة التحول الإيجابي في الميدان الحقوقي. أيضاً يمكن القول،
بأن من الضروري أن لا تقدّم وعود لا توجد القدرة على تنفيذها.
2/ تشكو المنظمات الحقوقية الدولية من أن بعض المسؤولين الرسميين
اعتادوا استخدام سياسة (النفي) في قضايا عديدة؛ وفي كل الأسئلة التي
تطرحها المنظمات مثل: هل هناك سوء معاملة للمحتجزين؟ هل هناك محتجزون،
وعددهم، ومدى قانونية التهم الموجهة اليهم؟ هل هناك تضييق على الناشطين
الحقوقيين؟ هل هناك استخدام مفرط للقوة؟ لماذا البطء في تطبيق توصيات
بسيوني؟ وغيرها، تكون الإجابة في الأغلب بالنفي. ما أعطى انطباعاً
لدى الرأي العام الدولي بأن (النفي) أصبح سياسة رسمية؛ مع أن الحكومة
اعترفت مؤخراً بحدوث تجاوزات لحقوق الإنسان في قض?يا عديدة، واتخذت
اجراءات لإصلاحها، ونشرت الكثير من البيانات في هذا الإتجاه.
3/ تشكو المنظمات الحقوقية بأن رسائلها التي تحوي استفسارات أو
طلبات زيارة يُتعمّد إهمالها، وعدم الرد عليها، أو يأتي الرد متأخراً
جداً بحيث تنتفي الفائدة منه. يضاف الى ذلك اعتماد أساليب التسويف
وعدم الجديّة في التعاطي مع الملف الحقوقي. وتعتبر المنظمات ما تسميه
بسياسة التجاهل الرسمية لها، أنها تحوي سوء تقدير لعملها ولأشخاصها
ولإطار المؤسسة الحقوقية نفسها.
4/ يضاف الى ذلك، تشكو المنظمات الدولية من أن الحكومة تتهمها بالمبالغة
وكذلك تتهم مصادر معلومات المعارضة بالمبالغة، ولكن الخطاب الرسمي
الحقوقي، من وجهة نظر المنظمات الحقوقية، يعتمد في أحيان غير قليلة
المبالغة في تقدير الإنجازات، وفي رسم صورة وردية لواقع حقوق الإنسان
في البحرين.
المسار الآخر: التجاوزات
ويتعلّق بأصل التجاوزات والإنتهاكات، وبديهي أن استمرارها يسبّب
قدراً من التوتر في العلاقات أياً كانت الدولة المنتهكة، حتى وإن كانت
دولاً غربيّة، ولا يتخفف الأمر إلا بعد أن تلاحظ المنظمات الحقوقية
تحسّناً في الأداء، وتوقّفاً عن الوقوع في ذات التجاوزات.
وكما ذكرنا، فإن الحكومة تقول بأن المنظمات الحقوقية الدولية لا
تنظر إلا للجزء الفارغ من الكأس؛ في حين ترد المنظمات بأنها إذ تقدّر
ما يُنجز حقوقياً، فإنها مهتمة في الأساس بتقليص حجم التجاوزات عبر
الضغط من أجل تحقيق المزيد من التحسّن في أوضاع حقوق الإنسان.
1/ أن الحكومة البحرينية ليس فقط لم تشرك الرأي العام المحلي فيما
تتخذه من خطوات، بل وأيضاً لم تشرك الرأي العام الخارجي الممثل بالمنظمات
الحقوقية الدولية. فالحكومة ـ من وجهة نظر المنظمات ـ لا تطلب رأيها
في السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان، ولا في تطوير التشريعات، ولا
تستمع الى توصياتها، ولا تشركها في ورش العمل الرسمية، ولا تسمح لها
بتطوير المجتمع المدني البحريني.
2/ أن مسار التطور الحقوقي بطيء، خصوصاً ذلك المتعلق بتنفيذ توصيات
تقرير بسيوني، وهو بطء تعترف به الحكومة كما لاحظته وفود غربية رسمية
زارت البحرين مؤخراً.
3/ ترى المنظمات الحقوقية الدولية أن الحكومة في البحرين لديها
فهم وتفسير خاص بها لبعض القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان يتعارض مع
المعايير الدولية المعتمدة والتي يفترض أنها ملزمة للبحرين.
مثل هذه الشكاوى والإشكالات تتطلب من البحرين الدخول في حوار حقيقي
وجدّي وشفّاف مع ممثلي منظمات حقوق الإنسان لمناقشة القضايا المختلف
بشأنها تفسيراً أو فهماً، وكذلك مناقشة القضايا المحورية التي تعيد
الثقة في العلاقة بين الطرفين، بشكل يخدم الوضع الحقوقي في البحرين،
ويعزز من مصداقية وسمعة البحرين الخارجية.
|