|
حسن موسى الشفيعي |
كي يتحقق الإصلاح العميق
الحوار.. الآن!
حسن موسى الشفيعي
مضى على البحرين عقد من الزمان والحديث عن المشروع الإصلاحي مستمر
في ميادينه المتعددة. ولا يكاد يمر أسبوع دون أن تسمع تصريحاً لمسؤول
كبير يؤكد فيه على حكم القانون، ومرجعية الدستور، واحترام حقوق المواطنين،
والتزام المعاهدات الدولية، والشفافية وحرية التعبير، واحترام المعارضة،
وغير ذلك. وكانت هناك منجزات واضحة على الأرض أيضاً مثل الإنتخابات
ومساحات واسعة من حرية التعبير، ومحاولات إصلاح الوضع الخدمي، كما
في الضمان الإجتماعي. ولكن وفجأة تأتي طلقات الرصاص لتصوب الى رأس
مشروع الإصلاح، أكثر مما صوّبت الى صدور المتظاهرين!
لقد قرأنا في أعين المواطنين وسمعناهم يتحدثون بعد سقوط الضحايا:
هذه ليست البحرين التي نعرفها. كان هذا الكلام تلقائياً. ولا يختلف
الحال عند المسؤولين، فقد أدركوا في اللحظات الأولى أن خطأ كبيراً
قد وقع، وما كاد الملك يبدي تعازيه مساء 15/2/2011 لسقوط مواطنين إثنين
قتلى، إلا وخطأ آخر أكبر يتلوه، ليشكل صدمة أكبر من سابقتها، عبّر
عنها مباشرة بعد أحداث (اللؤلؤة) ولي العهد حين توجّه الى مبنى التلفزيون
مساء 18/2/2011 وخاطب المواطنين قائلاً: (هذا أصعب يوم يمرّ علينا...
ما خسرناه في هذه الأيّام صعب استعادته، لكن أنا مقتنع بعمل المخلصين..
أنا لم أشعر أننا في البحرين، ولا توقعت أن نكون نحن في البحرين في
هذا الوضع). وأضاف: (نحن اليوم على مفترق طريق، أبناء يخرجون وهم يعتقدون
أن ليس لهم مستقبل في البلد، وآخرون يخرجون من محبة ومن حرص على مكتسبات
الوطن، لكن هذا الوطن للجميع ليس لفئة على فئة، لا هو للسنّة ولا هو
للشيعة، هو للبحرينيين). وقال للسي إن إن (19/2/2011): (هذه ليست البحرين
التي أعرفها، لم أكن أتصور أنني أعيش مثل هذا اليوم، وأن مثل هذه الأمور
ستحدث في البحرين).
من أهم أسباب الأحداث هو (عدم الثقة) وقد تعمّق هذا الشعور بين
المسؤولين والمعارضين بعد سقوط الضحايا. من الصعب جداً بناء نظام سياسي
مستقرّ دون توفير الحدود الدنيا من الثقة بين صانعي القرار واللاعبين
السياسيين الآخرين. ولي العهد كان مدركاً لهذه القضية كما الآخرون.
قال لسي إن إن في 19/2/2011: (مهمتنا تتمثل أساساً في بناء ما يكفي
من الثقة مع الأطراف المعتدلة في البلاد، حتى نتمكن من تجاوز هذه المشكلة..
كدنا نخسر أنفسنا وروحنا جرّاء ما حدث بالأمس. لقد كان يوماً عصيباً).
غير أن ما حدث من استخدام للقوة ضد المعتصمين وأدّى الى مقتل سبعة
منهم وجرح العشرات، وعدد من رجال الأمن.. له أسبابه الأخرى، وله تداعياته
ونتائجه التي ستكون إيجابية في النهاية. لا يمكن طيّ الأحداث، واعتبار
ما جرى أمراً سهلاً يمكن التغاضي عنه. ولي العهد قال بأن (هناك الكثير
من الغضب، والكثير من الحزن، وأودّ في هذه المناسبة أن أعبّر عن خالص
التعازي لجميع العائلات البحرينية التي فقدت أعزاء عليها، ولجميع العائلات
التي جرح ابناؤها، نحن آسفون جداً، إنها مأساة فظيعة للشعب البحريني).
واضح أن الحكومة البحرينية تعترف بأنها أخطأت، وعبّرت عن ذلك على
لسان وزير الداخلية، الذي اعتذر عما حدث عبر التلفزيون، ثم أعلنت الحكومة
يوم حداد وطني. ليس في وارد أحد تكرار الخطأ الذي نتج عن التخبّط بنظرنا،
ولهذا لا حلول للمشاكل عبر (العضلات) ولا (الشارع). لم يستوعب المسؤولون
ولا المراقبون حقيقة ما جرى من تجاوزات وتفاصيل الأوضاع، لذا كان تشكيل
لجنة التحقيق، وقد عبّر ولي العهد عن حاجته للوقت: (نحتاج فترة لنقيّم
ما صار) حسب قوله، أو قوله: (كيف حدث ذلك، سنناقش الأمر وندرسه ملياً
ونفهمه بعمق).
لكن الشيخ سلمان يدرك أن هناك أموراً عديدة تشكّل الخلفية غير المرئية
للأحداث. لم يندد ولي العهد بالمتظاهرين والمعتصمين، ولم يقل بأنه
لاحقّ لهم بالتظاهر، أو شكك في نواياهم. قال بأن (المتظاهرين يمثلون
شريحة هامة من مجتمعنا البحريني وقناعاته السياسية وسنحرص على سلامتهم).
وقال بأن نوايا حسنة كانت وراء انطلاق الأحداث، أي التظاهرات(19/2/2011).
وبدا ولي العهد في مراجعة سريعة للوضع، وتقييم للماضي، حيث أوضح أسباب
التوتر والإصطدام والتظاهر والإعتصام في تصريحات مختلفة منها:
**تباطؤ الإصلاحات: في لقاء مباشر مع
التلفزيون الرسمي (18/2/2011) قال بأن عجلة الإصلاح كانت بطيئة: (طبعاً
بطيئة، ولو لم تكن بطيئة.. ما وصلنا إلى هذا الوضع، فيجب أن نراجع
ونسأل أنفسنا: ماذا سنفعل لتفادي وضع مثل هذا؟). وسُئل: لماذا وصلنا
الى هذه اللحظة؟أجاب: (الأسباب عديدة: نلخص الموضوع في عدم الاهتمام،
وتهميش بعض المطالب الأساسية، فنحن نريد أن نصلح هذا الوضع، نريد ألا
يتكرر هذا الوضع مرة ثانية). وقال ولي العهد لقناة العربية (19/2/2011):
(الشيء الأكيد هو أن ما تحقّق حتى الآن لم يكن كافياً، وأنه لابد من
إنجاز المزيد).
** التمييز: وهو سبب آخر تكمن خلفه
الأحداث، فقد سئل ولي العهد عن معالجة التمييز، فلم ينفه، وقال في
27/2/2011: (البحرين بلد متنوع، وذو مكونات مختلفة. ولكن القضايا والتحديات
بحاجة إلى معالجات مستمرة ولكنها تتطلب بعض الوقت). وقبل ذلك في 21/2/2011
قال بأن الخروج من الأزمة يتطلب فيما يتطلب: (إعادة النظر في طرق توزيع
التنمية لترتكز على التطوير السياسي والعدالة، وتعزيز الوضع الاقتصادي،
وتأكيد مواصلة الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وإسكان وسواها).
** الحاجة لإصلاحات عميقة: هناك إدراك
عام بأن تغييراً عميقاً في البنية السياسية صار مطلوباً، فمطالب الجمهور
تصاعدت بشكل حادّ، والأوضاع الإقليمية والدولية تدفع باتجاه إحداث
إصلاحات راديكالية في كل المنطقة، خاصة بعد الثورات المتكررة في تونس
ومصر واليمن وليبيا وغيرها. ثم إن المشروع الإصلاحي بحاجة الى تجديد،
وقد جاءت المناسبة ـ وإن كانت أليمة ـ للقيام بخطوات إصلاحية ودستورية
وإدارية واسعة.
لكن لا بدّ من بداية للقيام بهذا. الحكومة تؤيد الإصلاحات ولكن
عبر طاولة الحوار، وأعلنت أنها مستعدة لمناقشة كل الموضوعات بدون سقف،
أو حسب تعبير ولي العهد (27/2/2011): (جميع القضايا يجب أن تطرح على
مائدة الحوار الوطني، ليست هناك خطوط حمراء في الحوار بين البحرينيين
من خلال التوافق). بيد أن القوى السياسية وضعت شروطاً قبل الحوار،
ما أدّى الى تأجيله، فظهرت قوى تصلّبت في مطالبها رافضة فكرة الحوار
أصلاً، وهي تدفع باتجاه العصيان المدني، في حين أن أكثرية القوى السياسية
ترفع شعار إصلاح النظام، وترفض الصراع الطائفي، وتتجنب الإصطدام مع
قوى الأمن، وتعطيل المصالح العامة.
هناك خشية من فقدان السيطرة على الشارع من قبل المعارضة مثلما كان
الحال من قبل الحكومة. البيانات الأخيرة للجمعيات السياسية المعارضة
أخذت منحى التهدئة للشارع، وإدانة بعض التصرفات مثل منع الطلبة من
الذهاب الى المدارس، وما حدث في المرفأ المالي، وغيرهما. كانت الحكومة
تقول ممثلة في الملك (22/2/2011): (إن الميادين العامة ليست المكان
المناسب للحوار الوطني إنما المناسب هو الجلوس على طاولة الحوار الوطني).
وأما ولي العهد فقد دعا الى تهدئة الشارع فوراً، إذ (لا نستطيع ان
نعيش أياماً متتالية بهذه الطريقة وننزل في هذه الفوضى).. وعبر من
مخاوفه بالقول أن هناك (دولاً كثيرة دخلت حروباًأهليّة، ودولاً كثيرة
تفككت من الداخل لأنه لم يقف العقلاء وقالوا كفاية... البحرين ما عمرها
شافت روحها كدولة بوليسية، صارت أخطاء، صارت مزايدات، صلّحنا أنفسنا..
اليوم نحن على مفترق طريق، لا أقبل أبداً أن أبناء الوطن يتحاربون
بين بعضهم البعض)(18/2/2011).
لقد استخدمت القوى السياسية الشارع كقوة ضاغطة على الحكومة لتحقيق
بعض التنازلات السياسية، ويبدو أن الحكومة استجابت لذلك بقدر ما، لكن
الإستمرار في استخدام ورقة الشارع هذه قد تدفع بالوضع الى المزيد من
التردّي والخطورة، خاصة وأن شارعاً سنيّاً أخذ بالتشكّل، وعبّر عن
نفسه في الميادين والساحات العامّة.
حتى لا تفلت الأمور، وتضيع الفرص لإحداث تطور كبير في البناء السياسي
البحريني، ومنعاً للتصدّعات الإجتماعية والفتن الطائفية التي تطلّ
برأسها، نعتقد بأن توقيت الحوار الوطني المثالي قد آن، ونتمنى أن لا
يزف.
|