|
حسن موسى الشفيعي |
البحرين: التقارير السوداء.. لماذا؟
حسن موسى الشفيعي
التقارير والبيانات الدولية التي صدرت خلال الأشهر القليلة الماضية
صورت وضع حقوق الإنسان في البحرين بسوداوية كبيرة، وأجمعت على أن هناك
تراجعاً في هذا المجال. هذا ما يمكن استخلاصه مثلاً من تقارير وبيانات
هيومن رايتس ووتش، وفريدوم هاوس، ومراسلون بلا حدود، وفرونت لاين وغيرها.
التقارير والبيانات الدولية التي صدرت خلال الأشهر القليلة الماضية
صورت وضع حقوق الإنسان في البحرين بسوداوية كبيرة، وأجمعت على أن هناك
تراجعاً في هذا المجال. هذا ما يمكن استخلاصه مثلاً من تقارير وبيانات
هيومن رايتس ووتش، وفريدوم هاوس، ومراسلون بلا حدود، وفرونت لاين وغيرها.
فريدوم هاوس تحدثت عن (أسباب تراجع نقاط البحرين) في تقريرها السنوي،
وقالت بأن السبب يعود الى (حملة القمع المكثفة في 2010) التي تقول
المنظمة بأنها شملت نشطاء حقوقيين وصحفيين، والى انتشار التعذيب.
ومراسلون بلا حدود عبرت في يناير الماضي عن قلقها بخصوص حرية التعبير
في البحرين.
وبغض النظر عن صحّة هذه المزاعم من سقمها، فإن هناك ثلاثة عوامل
أساسية أدّت الى ظهور صورة البحرين بشكل بالغ السوء والعتمة والسلبية.
العامل الأول ـ الأخطاء الحكومية،
والتي كان يمكن تفاديها بسهولة بالغة. تلك الأخطاء التي تم تسليط الأضواء
عليها من قبل الجهات الحقوقية تتعلق في مجملها بتوسعة الإجراءات الأمنية
ـ التي بدأت في أغسطس الماضي 2010 ـ والتي تزامنت مع: التشدّد في تطبيق
بعض القوانين التي توصف بأنها غير ملائمة للوضع البحريني والتطورات
السياسية والحقوقية.
من بين الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة: حلّ الجمعية البحرينية
لحقوق الإنسان؛ وإغلاق بعض المواقع الإلكترونية لجمعيات سياسية؛ ومنع
طباعة نشرات حزبية، وهو ما أشرنا اليه في العدد الماضي في مقالة تحت
عنوان (مع احترام القانون: ولكن مع حرية التعبير أولاً). هذه ـ إضافة
الى أمور أخرى ـ أصبحت الركيزة الأساس التي يعتمد عليها كأدلة في معظم
التقارير والبيانات والتي أدّت الى (تسويد) سجل البحرين في الأشهر
الأخيرة.
كان يمكن مواجهة دعاة العنف والشغب بدون هذه الإجراءات الأخيرة
التي لها سياقها المختلف حتى وإن كانت من أجل تطبيق القانون؛ أو على
الأقل كان يمكن تأخيرها الى مرحلة لاحقة، أو التغاضي عن التجاوزات
التي لم تكن تمسّ أمن الوطن والمواطنين، ريثما يصدر البرلمان القوانين
الجديدة المنظمة لعمل الجمعيات الأهلية، ولحرية التعبير.
زيادة على ذلك، فإن الحكومة كانت مقصّرة في التواصل مع المنظمات
الحقوقية الدولية، وإن كانت علاقتها بها قد تطورت إيجابياً في الفترة
الأخيرة. لكن هذه العلاقة لم تشمل كل المنظمات المعنيّة بحقوق الإنسان
المهتمة بالشأن البحريني، كما لم تكن كافية لتغطية الموضوعات التي
تثار بشكل مستمر حول العديد من القضايا. فالحكومة لازالت إما تتأخر
أو لا ترد على تساؤلات وبيانات وتقارير المنظمات الدولية. وهذا أدّى
الى أن تعكس تقارير وبيانات تلك المنظمات وجهة نظرٍ واحدة، اتسمت أغلبها
بالسلبيّة والسوداوية. ربما لهذا السبب بالذات، طلب كل من رئيس الوزراء
وولي العهد مؤخراً من المسؤولين في الدولة الحديث والتواصل المباشر
مع وسائل الإعلام الأجنبية والمنظمات الدولية، بحيث تزود الأخيرة بالمعلومات
والموقف الرسمي.
العامل الثاني ـ أخطاء المنظمات الحقوقية الدولية،
فمعظم هذه المنظمات هي ناقلة للمعلومة (وغالباً ما تأتي من
بيانات مصدر واحد: مركز البحرين لحقوق الإنسان)، كما أنها ناقلة للتحليل
وليست صانعة له. لذا، نجد أن هناك ما يشبه (القص واللصق) في العديد
من البيانات والتقارير الدولية، بل هناك من ينقل من المنظمات عن الآخر،
الذي معلوماته في الأساس مشوبة بالأخطاء الشديدة.
العامل الثاني ـ أخطاء المنظمات الحقوقية الدولية، فمعظم هذه المنظمات
هي ناقلة للمعلومة (وغالباً ما تأتي من بيانات مصدر واحد: مركز البحرين
لحقوق الإنسان)، كما أنها ناقلة للتحليل وليست صانعة له. لذا، نجد
أن هناك ما يشبه (القص واللصق) في العديد من البيانات والتقارير الدولية،
بل هناك من ينقل من المنظمات عن الآخر، الذي معلوماته في الأساس مشوبة
بالأخطاء الشديدة.
ولنضرب نموذجاً. كان التقرير السنوي لفريدوم هاوس لعام 2011 قد
حوى أقل من ثلاثة أسطر عن البحرين هي التالي: (تراجع مؤشر البحرين
الى الأسفل بسبب القمع المكثف في 2010 لعناصر من الأكثرية الشيعية
المسلمة، شمل اعتداءات واعتقالات لعشرات من النشطاء والصحفيين، بالاضافة
الى توارد التقارير عن انتشار تعذيب المعتقلين السياسيين على نطاق
واسع). يفهم من النص التالي:
■ أن هناك قمعاً مكثّفاً على خلفية طائفية، في حين أن الإعتقالات
جاءت على خلفية أمنية وبسبب الشغب وإشعال الحرائق وتهديد المصالح العامة
والخاصة.
■ وأن الإعتقالات جاءت بحق نشطاء يمارسون عملاً سلمياً مشروعاً،
في حين أن الأمر لم يكن كذلك أيضاً. فالذين اعتقلوا ـ على حد علمنا
ـ لم يعتقلوا على خلفية ممارساتهم لنشاطات سياسية أو حقوقية سلميّة،
بل لأنهم انخرطوا في التحريض على ممارسة العنف. ثم إن الغالبية الساحقة
من المعتقلين ليسوا نشطاء، وإنما أصبحوا نشطاء حقوقيين بمجرد أن تم
احتجازهم! وذلك بسبب أن مركز البحرين يعتبر كل محتجز ناشطاً حقوقياً!!
■ أن هناك معتقلي رأي بينهم عدد من الصحفيين. في حين لا يوجد صحفي
واحد قد تمّ اعتقاله، وهذه حقيقة لا تحتاج الى جدل كثير.
■ ان تقرير فريدوم هاوس ـ وفي موضوع التعذيب ـ اعتمد على تقارير
تقول بانتشاره. ونرجح أنه اعتمد على تقرير هيومن رايتس ووتش عن التعذيب
والذي حوى العديد من الأخطاء، وتعرض للنقد في الصحافة المحلية، وإن
كان ذلك لا يلغي حقيقة الحاجة الى تحقيق في مزاعم التعذيب.
في مثال آخر، فقد قامت نشرة (المرصد البحريني) في العدد الماضي
بتغطية التقرير السنوي لـ (مراسلون بلا حدود) عن العام 2010. لكننا
فوجئنا فيما بعد، بأن تقرير (مراسلون بلا حدود) لعام 2009 لا يختلف
في حرف واحد عن التقرير الجديد، وكأن شيئاً لم يحدث خلال العام سلباً
أو إيجاباً. وللتأكيد يمكن مراجعة هذين الرابطين للتقريرين المذكورين:
http://arabia.reporters-sans-frontieres.org/article.php3?id_article=31644
http://arabia.reporters-sans-frontieres.org/article.php3?id_article=31616
فهل تقييم وضع دولة ما سيتسم بالعلمية والدقة والمهنية في مثل هذه
الحالة؟
نحن نقدر عالياً أي جهد يساهم في توسيع مديات حرية التعبير والصحافة
والحريات العامة في البحرين، ولكن أردنا هنا فقط التأكيد على أهمية
الدقة والموضوعية والمهنية. فإذا كانت مثل هذه الصفات مطلوبة في المنظمات
الحقوقية الناشئة في دول العالم الثالث، فإنها مطلوبة بدرجة أكبر بالنسبة
للمنظمات الدولية التي يمتد نشاطها وتأثيرها ليشمل كل دول العالم.
التساهل في متابعة أوضاع البحرين، وفي تقصي المعلومات الدقيقة عنها،
وعدم اعتماد المناهج العلمية في البحث، أدّى بصورة كبيرة الى أن تصبح
التقارير الحقوقية عن البحرين تميل الى السلبية والسوداوية.
العامل الثالث ـ أخطاء الجمعيات الحقوقية البحرينية.
فهذه الجمعيات على قسمين: قسم يروّج للأغاليط ويسيّس الموضوع الحقوقي،
ويقدّم معلومات وتحليلات مشوّهة وغير صحيحة بل وكاذبة. وقسم آخر لا
يفعل ذلك، ولكنه لا يقوم بدور التصحيح والترشيد للمسيرة الحقوقية البحرينية،
من جهة إيصال المعلومة الصحيحة للمنظمات الدولية، والتأني في اتخاذ
المواقف حتى يتم التأكد مما يروج له. ويعتبر مركز البحرين لحقوق الإنسان،
المصدر الأساس، وربما الوحيد، لكل المعلومات والبيانات المغلوطة والتحليلات
المشوهة التي تمزج الصحيح بالسقيم، والعنصر الوطني بالطائفي، والعنف
بالنشاط الحقوقي، والأهداف الحقوقية بالأجندات السياسية. ولا تخفي
المنظمات الدولية اعتمادها المباشر على هذا المصدر، وفي بعض الأحيان
يتم النقل مباشرة، وعلى أساسه يتخذ الموقف. وقد نشرنا كيف أدّى هذا
الى اتخاذ منظمات دولية مواقف تبيّن فيما بعد أنها مجرد مزاعم بنيت
على أخطاء ومعلومات مبالغ فيها أو كاذبة.
يمكن ضرب مثال أخير في هذا الجانب، فقد تم احتجاز المواطن محمد
علي الراشد في اكتوبر الماضي، وذلك على خلفية تهديده لصحفيين بحرينيين
في رسائل الكترونية بعثها اليهم ووقعها باسمه. وبدلاً من أن يصبح الصحافيون
ضحايا تهديدات الراشد، وتصبح حرية التعبير مهددة من أمثاله.. أصبح
الراشد هو ضحية حرية التعبير، وأن من اشتكى عليه متواطئ ضد الحريات
العامة والناشطين والصحفيين!!
مركز البحرين أصدر بياناً بتاريخ 21/1/2011، قال فيه بأن السلطات
البحرينية اعتقلت الراشد (انتقاماً منه على آرائه الصريحة)! و (على
خلفية ممارسة حقه المشروع في التعبير عن الرأي)، وحقّه (في نشر انتهاكات
حقوق الإنسان)! أي أنه أصبح ناشطاً حقوقياً أيضاً! واعتبر المركز ما
جرى قمعاً واستهدافاً للحريات العامة.
مراسلون بلا حدود تبنّت بيان المركز وأشارت اليه في بيانها المؤرخ
في 24/1/2011، وخلصت الى التعبير عن قلقها بشأن حرية التعبير في البحرين،
وطالبت بإسقاط التهم الموجهة إلى الراشد، كونه قد أُطلق سراحه بكفالة
في الرابع من يناير الماضي بانتظار محاكمته.
فريدوم هاوس تلقفت أيضاً بيان المركز، وبناء على معلوماته أصدرت
بياناً بالمناسبة تحت عنوان (استمرار القمع السياسي في البحرين)، أي
أنها وسّعت القضية أكثر فأكثر، فأصبح الراشد مدوناً وناشطاً حقوقياً
وناشطاً سياسياً أيضاً، وكانت أول جملة في البيان: (أفاد نشطاء حقوق
الإنسان في البحرين..). وحسب علمنا، لم تصدر أية جهة حقوقية في البحرين
بياناً سوى مركز البحرين لحقوق الإنسان.
وزعم بيان فريدوم هاوس، بأن (جرائم السيد الراشد المزعومة تتضمن
نشر تفاصيل انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان ونشر بيانات المعارضة)!
فهل تحققت فريدوم هاوس من أن هذه هي التهمة فعلاً؟! ويمضي البيان في
حالة من التعميم، والتسطيح في التحليل ذي النكهة الطائفية: (الرقابة
والقمع من الأمور الشائعة في البحرين، وهي دولة استبدادية تحكمها عائلة
آل خليفة السنيّة، التي كانت على خلاف مع الأغلبية الشيعية في البلاد
لأكثر من قرنين من الزمان)!!
وهكذا، فإن هذه المنظمات الدولية التي نكنّ لها احتراماً، لم تبحث
في ملابسات الموضوع، ولم تسأل عن معلومات حول سبب الإعتقال، كما لم
تتابع حتى الصحافة المحلية التي تطرقت لهذا الموضوع، حيث نشر بعض الصحفيين
نماذج من نشاطات الراشد التي اعتقل بسببها، وهي عبارة عن رسائل الكترونية
مليئة بالشتائم والتهديد والإهانات للكتاب والصحافيين المخالفين له
في الرأي.
نحن في مرصد البحرين لحقوق الإنسان نحترم كل المنظمات الدولية،
ونتمنى أن تتعاون السلطات البحرينية معها، ونريد من تلك المنظمات أن
تسلط الأضواء على الخروقات التي قد تحدث في البحرين من أجل إصلاحها.
ولكننا لا نريد أن تتحول بعض تلك المنظمات الدولية الى أدوات في لعبة
سياسية لا تعرف أبعادها، اعتماداً على حسن النية في نقل المعلومات،
وعلى التحليلات المنحازة.
يمكن الإشارة أخيراً الى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وأنا عضو
فيها، والتي ـ رغم حداثة سنّها ـ قصرت الى حدّ ما في توضيح بعض الحقائق،
خاصة تلك المتعلقة بأسباب استقالة الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية السيد
سلمان كمال الدين في 6/9/2010. فالمنظمات الدولية (كما في التقرير
السنوي الأخير لهيومن رايتس ووتش) رأت أن سبب استقالة كمال الدين هو
(الإحتجاج على إخفاق المؤسسة في انتقاد الإعتقالات الأخيرة). ويحتمل
أن هذا التحليل قد تم تبنيه حينما نشرته بعض الصحف البحرينية. لكن
ما أعلمه وعدد آخر من الزملاء عن قرب، فإن سبب الإستقالة يعود الى
أمور شخصية، وبسبب الضغوط التي تعرض لها السيد كمال الدين من المنظمة
الحزبية السياسية التي ينتمي اليها (وعد)، ولم يكن للأمر أية علاقة
بموضوع حقوق الإنسان. والخطأ هو أن المؤسسة الوطنية لم تشأ أن توضح
للرأي العام المحلي والدولي الخلفيات الحقيقية للإستقالة.
|