جلالة الملك: لا خطوط حمراء أمام المؤسسة الوطنية
حسن موسى الشفيعي
|
حسن موسى الشفيعي |
لا يتوقع من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن يكتب لها النجاح
إلا إذا عمدت أجهزة الحكومة الى التعاون معها، باعتبارها المراقب الأمين
لسير تلك الأجهزة وأدائها في مجالات مراعاتها لحقوق الإنسان ومبادئه
العامّة، وتكفّلت الحكومة بتطبيقها حسب النصوص الواردة في الميثاق
الوطني، وفي الدستور، وفي الإتفاقيات الدولية التي وقعتها. والمؤسسة
الوطنية لا تستطيع أن تكون مجرد أداة (دعائية) أو أن تخدم أهدافاً
دعائية، إن كانت فاشلة في أدائها؛ فمجرد التأسيس لا يعني شيئاً كثيراً،
وهناك مؤسسات شبيهة في المنطقة المحيطة بنا، لا تتمتع باحترام محلي
ولا دولي، ولا تؤدي دوراً يحقق الغرض من تأسيسها، فضلاً عن أن تفيد
المواطن وتدافع عن حقوقه.
بمعنى آخر، فإن المؤسسات الحقوقية الوطنية التي تؤسسها الدول، يمكن
أن تكون مصدراً للدعاية السلبية ضد الحكومات المؤسسة لها، إن لم تؤدّ
واجباً، ولم تحقق منجزاً، أو إن أظهرت نفسها وكأنها مجرد غطاء لأخطاء
الحكومات. على العكس من ذلك، فإن أفضل دعاية لأية نظام هو أن يُنجح
مؤسسته الوطنية لحقوق الإنسان، حتى ولو لم يكن مقتنعاً أو حتى مؤمناً
بمبادئ حقوق الإنسان نفسها!
إذا كان تعاون الأجهزة الحكومية في البحرين يمثل ضرورة قصوى لإنجاح
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وإذا كان الغرض ـ كما نحن متأكدون
منه ـ هو تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وأن مسار البحرين الديمقراطي
والحقوقي يتكاملان مع بعضهما البعض.. فإن فرص نجاح المؤسسة في أدائها
أمرٌ ممكن جداً، بناء على حقيقة أن الملك، الذي يقف على رأس هرم أجهزة
الدولة، يريد لها النجاح. فقد تحدث ولمدة ساعتين، وفي اجتماع خاص،
ليس غرضه الدعاية ولا الإعلام، مع أعضاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان
في 7 يونيو الماضي ـ وكنت واحداً بين الحضور ـ تحدث بصراحة وحماسة
وأمل ورغبة في قضايا عديدة تمس بشكل مباشر المؤسسة الوطنية وأداء أعضائها،
ما يجعل المرء يميل الى الإعتقاد بإمكانية تحقق النجاح، وإن كان لا
يستطيع أن يقطع به، بالنظر الى حقيقة ان أجهزة الدولة نفسها قد لا
تؤدي الدور المنوط بها وفق الإرادة الملكية، وقد يكون هناك تقصير من
المؤسسة وأعضائها، ما قد يجعل النجاح محدوداً.
في اجتماعه مع الأعضاء، بيّن الملك مواقفه ورؤاه بصورة واضحة، فكان
من ذلك التالي:
لا خطوط حمراء والحلول بحرينية
قال الملك للأعضاء أن بإمكان المؤسسة الوطنية طرق كل الموضوعات
الحقوقية، وما يدخل في نطاق مهامها وصلاحياتها. وبصريح العبارة قال
(لا توجد خطوط حمر، ولا فيتو على أية موضوع يتعلق بحقوق الإنسان).
وأضاف بأن هناك مشاكل عديدة يجب أن نتعاون لحلها بطريقة مهنية وعلميّة،
مؤكداً أنه (ليست هناك حاجة للدعاية والزعم بأن لا توجد لدينا مشاكل.
فهذا الكلام غير معقول، ولا يصدّقه عاقل). واقترح الملك على الأعضاء
بأن يبيّنوا المنجزات، وأن يشيروا الى المشكلات ويعترفوا بها، وأن
يعرضوا الحلول لتلك المشكلات إذا ما سُئلوا عنها.
أمام المؤسسة الوطنية صنفان من القضايا، الأول له علاقة بالوضع
الحالي، حيث هناك مزاعم حول: (التعذيب، والإستخدام المفرط للقوة في
مواجهة العنف والشغب، والقيود على حرية التعبير) وما أشبه؛ والثاني
له علاقة بإرث الماضي: كالتمييز، وملف ضحايا التعذيب. وفعلاً، فقد
طُرح على الملك موضوع ضحايا التعذيب وضرورة وضع حلّ له، فقال بأنه
على استعداد لذلك، واشار الى ان الحكومة سعت بمبادرات عديدة في الفترة
الماضية (ويقصد: تشكيل لجنة المظالم في الديوان الملكي لحل تلك المشكلة،
وكذلك عبر قنوات وزارة التنمية الإجتماعية).. إلا أن الموضوع كلّه
ـ كما قال الملك ـ قد تمّ تسييسه وضاعت بسبب ذلك حقوق الضحايا. ومع
هذا، أشار الملك الى أن المؤسسة الوطنية يمكن لها أن تلعب دوراً محورياً
في إغلاق مثل هذه الملفات، وقال للحاضرين: لتقدم المؤسسة حلاً علمياً
ومعقولاً وستقوم الحكومة بإنجازه.
لكن الملك شدّد من جهة أخرى على صناعة تجربة بحرينية خاصة، تستفيد
من التجارب الحقوقية الأخرى، ولا تتقيّد بها، أو تستنسخها استنساخاً
أعمى. تجربة تراعي خصائص المجتمع ومعتقداته وقيمه ضمن سياق معايير
حقوق الإنسان سواء الدولية أو تلك التي جاءت بها الشريعة الإسلامية،
وفي إطار القوانين والمؤسسات الدستورية البحرينية. في هذا المجال قال
الملك بأن البحرين لديها الكثير من الكفاءات، و(لسنا بحاجة الى أن
نستورد تجارب من الخارج) منوهاً الى أن أعضاء المؤسسة الوطنية قادرين
بما هو متوفر من كفاءات بحرينية على أن يصنعوا تجربة البحرين الخاصة..
المهم أن يثقوا بأنفسهم وقدراتهم، وأضاف: (لكم مني كل الدعم والمساندة
والتعاون) وتابع: نحن كمسؤولين علينا واجب خدمة الناس، لأن (سيد القوم
خادمهم).
الملك ضامن لإنجاح المؤسسة
حسب المادة 4 من الأمر الملكي رقم 46 لسنة 2009 بإنشاء المؤسسة
الوطنية لحقوق الإنسان، فإن للملك والمؤسسات الدستورية حق إحالة موضوعات
وقضايا الى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان كيما تدرسها وتبدي رأيها
فيها. وفي المادة 14 فإن المؤسسة الوطنية ترفع تقريرها السنوي الى
الملك، تقدم فيه اقتراحاتها وتوصياتها وتحدد المعوقات التي واجهتها
وما تم اعتماده من حلول لتفاديها. وبناء على الصلاحيات الدستورية للملك،
فإن دعمه يمثل ضماناً لنجاح المؤسسة الوطنية. والملك من جانبه، في
اجتماعه الأول مع أعضاء وقيادات المؤسسة الوطنية، لم يعتبر نفسه حلال
المشاكل بدون تعاون المواطنين والمسؤولين. وقد أكد مراراً للأعضاء
بأنه بحاجة الى مساعدتهم في تعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام
حقوق الإنسان. وطالب المؤسسة بأن تساعده في ذلك؛ مضيفاً: لا أحد يستطيع
أن يقوم بعبء الإصلاح وتحسين الأوضاع لوحده.
أيضاً فإن الملك أعلن صراحه وبتواضع بأنه يضمن إنجاح وتنفيذ مشاريع
المؤسسة الوطنية حينما تحال إليه، وقال: (المؤسسة الوطنية قادرة على
تقديم مشاريع عملية ومهنية نابعة من الروح الوطنية البحرينية وأخلاق
المجتمع البحريني وتقاليده وعاداته المعروفة). وأضاف: (أنا سأضمن نجاح
وتنفيذ تلك المشاريع، وحل المشاكل التي تواجهنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان).
وقد طمأن الملك الأعضاء في جوانب عديدة. أولها في أهمية استمرار
التجربة الديمقراطية التي قال بأنها تضمن الإستقرار السياسي والإجتماعي،
ورأى ضرورة توفير عوامل النضج والنجاح للتجربة الديمقراطية. وأشار
الى مسألة الإلتزام بالمبادئ التي تحفظ حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية
والتي وردت في ميثاق العمل الوطني والدستور، مشدّداً على أهمية حرية
التعبير وتوسيعها كما توسيع الحريات الصحافية. وقال بأنه ضد حبس أي
صحافي لتعبيره عن رأيه. كما تحدث الملك عن سيادة القانون ونزاهته وضمان
مساواة الجميع أمامه. وأشار الملك بفخر الى حقيقة أن البحرين تضمن
حرية العقيدة والفكر وممارسة العبادة، وبهذا فهي متميزة خليجياً، مبيّناً
فوائد التعدد والتنوع الثقافي والمذهبي والديني، وقال بأن البحرين
هي الدولة الخليجية الوحيدة التي يوجد بها مجلس علماء للطائفتين الشيعيّة
والسنيّة.
إذا كان الملك قد ضمن الإستجابة الإيجابية للمشاريع الحقوقية العملية
والمهنية، التي تتقدم بها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؛ وأبدى استعداده
لتذليل الصعاب التي تواجه المسيرة الحقوقية والتعطلات التي قد تحدث
بسبب البيروقراطية وغيرها.. فإنه لا يسع المرء إلا أن يتفاءل بإمكانية
إنجاح المشروع الوطني الحقوقي.
العنف والقانون وحقوق الإنسان
العنف أمرٌ يقلق المراقب والمدافع عن حقوق الإنسان، واستمراره في
الشارع البحريني يمثل بحدّ ذاته انتهاكاً لحقوق المواطنين، واعتداءً
على حرياتهم، وتدميراً للممتلكات العامّة. والشغب والعنف القائم اليوم
يأتي عبر تحريض المراهقين والشباب لتنفيذ غايات سياسية؛ وعبره يتم
استثارة الجدل حول مزاعم الإنتهاكات الحكومية.
استمرار العنف والشغب في وجود عمليّة سياسية أمرٌ غير طبيعي. ولذا
توقع البعض بأن صبر الحكومة سينفذ وستعمد الى مواجهة العنفيين والزجّ
بهم في السجن، وفق القانون الذي بدا وكأنه غير مفعّل إلا في حدوده
الدنيا، حسب رأي البعض. رؤية الملك التي سمعها أعضاء المؤسسة الوطنية
مختلفة تماماً. فهو وإن أكّد على حقيقة قدرة الحكومة على فض العنف
في الشارع بالقوة عبر عزل بضع مئات من المراهقين أمنياً، إلا أنه أكد
على أن (الحكومة لن تستخدم القوة لفرض القانون، وإنما سعت وتسعى لتنفيذه
عبر الإقناع، والتدرّج، والرحمة، وزيادة الوعي لدى المواطنين). وتابع
بأن وفوداً من المواطنين تأتيه من القرى المبتلاة بالشغب والعنف تطالب
الحكومة باستخدام القوة لإنهاء ذلك، إلا أنه ما فتيء يوجّه المسؤولين
بأن هذه الطريقة ليست صحيحة لحل المشكلة.
وهنا شدّد الملك على أنه لا يسع الدولة إلا أن تقف على مسافة واحدة
من كل فئات الشعب، مضيفاً بأن (كل مناطق البحرين لدينا متساوية، لا
نفرق بينها ولا نميّز، ولا نضع فئة من الشعب في وضع أحسن حالاً من
الفئات الأخرى)، موضحاً بأن مبدأ المساواة وعدم التمييز يمثل أحد أهم
أركان المشروع الإصلاحي السياسي، الذي جاء ليعطي كل المواطنين حقوقهم:
فقراء كانوا أم أغنياء، نساء ورجالاً، أطفالاً وكباراً، وسواء كان
المواطن في الرفاع أو كرزكان، أو أي من القرى والمناطق والمدن في البحرين.
ملخص القول: إن أمام المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان فرصة كبيرة
للنجاح، كون البحرين تعيش تجربة ديمقراطية ناشئة في طريقها للترسخ،
وهذه التجربة توفر مظلّة حامية لحقوق الإنسان، هذا أولاً. وثانياً،
لأن القيادة السياسية تعي أهمية الموضوع الحقوقي في التنمية السياسية،
وهي تصر ـ كما هو واضح من حديث الملك مع أعضاء المؤسسة الوطنية ـ على
إنجاح المشاريع الحقوقية. وثالثاً، لأن أجهزة الحكومة ستجد نفسها ملزمة
بالتعاون مع المؤسسة الوطنية ومشاريعها. لكن كل العوامل المساعدة للنجاح
هذه، لا تكفي إن لم تستثمرها المؤسسة الوطنية وتعمد على وضعها في مشاريع
وخطط والدفع باتجاه تطبيقها.
هناك فرصٌ كثيرة لتطوير الأوضاع الديمقراطية والحقوقية في البحرين،
وهذه واحدة منها.
|