حسن موسى الشفيعي

تشهير وتخوين بالجملة

موقف (مركز البحرين) من المؤسسة الوطنية

حسن موسى الشفيعي

قبل أن يصدر المرسوم الملكي بتأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، كانت منظمات المجتمع المدني البحرينية كما المنظمات الدولية تحث الحكومة على تشكيلها. وحين أعلن المرسوم الملكي بالتأسيس في 10/11/2009، ونشر قانون تأسيس الهيئة في الجريدة الرسمية، وجد ترحيب حذر من المجتمع المدني البحريني، في حين أن مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي كان في مقدمة الداعين الى تشكيل الهيئة والذي كان يعتبر عدم تشكيلها دليل على تراجع حقوق الإنسان في البحرين، التزم جانب الصمت المطبق. فمسؤولوه لم يقرأوا القانون، أو قرأوه ولم يعترضوا عليه باعتباره متوائماً مع مبادئ باريس، أو أنهم لم يشأوا أن يمتدحوا خطوة إيجابية تأتي من جانب الحكومة، فهذا ـ كما عوّدنا المركز ـ فعل محرّم وربما جريمة كبرى بنظر مسؤوليه!.. وتبيّن أن عدم إبداء الموقف والتزام جانب الصمت، إنما كان مجرد تأجيل بانتظار الفرصة لمهاجمة المؤسسة والتشهير بأعضائها.

وحين أعلنت أسماء أعضاء المؤسسة الوطنية في 25/4/2010، كانت ردود الفعل كما توقعتها في مقالة لي في ديسمبر 2009 تحت عنوان: (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في مواجهة التحديات) حيث كتبت: (حسب التجارب المتوفرة، فإن منظمات المجتمع المدني تبدي شكوكاً تجاه المؤسسات الوطنية الحقوقية، وهذا أمرٌ طبيعي، فهي مؤسسة من الحكومة، وميزانيتها منها، وبالتالي فإنها لا تمنح الثقة سريعاً وكاملاً للمولود الجديد الذي تنظر اليه وكأنه مخلوق حكومي، اللهم إلا بعد أن تتأكد من أن هذا المولود جاد وصادق وحيادي ومستقل في عمله ولا يغطّي الإنتهاكات والأخطاء التي تقع). وأضفت: (ومع أن كل المنظمات الأهلية في البحرين رحبت بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلا أنها ألمحت بصورة أو بأخرى الى خشيتها من أن تتحول الى “بوق حكومي” لا يفيد في تطوير مسيرة حقوق الإنسان).

الشيء الذي لم يكن متوقعاً هو حجم ردّة الفعل السلبية حين نشرت أسماء الأعضاء. ما يعني أن الهجوم الشرس الذي تعرّضت له المؤسسة الوطنية ولاتزال، لا تتعلق بأصل قانون عملها، ولا التشويه التي تتعرض له مبني على محاسبة لأعمالها ومحاكمة لأدائها، حيث أنها لم تبدأ العمل بعد.. إنما المسألة تتعلق بأعضاء المؤسسة ومن يديرها.

حسنٌ. يمكن أن تختلف وجهات النظر في تقييم الأعضاء من حيث كفاءتهم وتاريخهم.. لكن الذي رأيناه من إطلاق حملة تشهير وتسقيط منظم لمؤسسة لم تبدأ نشاطها، ومحاصرتها إعلامياً، وتسقيط أشخاصها، وقتل الأمل في نفوس محبّي الخير للوطن وأهله.. هذا الفعل أبعد من أن يفسر بمجرد اختلاف وجهة نظر في تقييم الأعضاء.

فالأحكام التي أصدرها البعض على رئيس المؤسسة ونائبيه والأعضاء هي في الجملة أحكام (سياسية).. ولم يتورّع مركز البحرين لحقوق الإنسان عن وصفهم جميعاً بأنهم موالون للنظام، وهو تعبير مخفف لتهمة العمالة، ويمكن أن يضم الى هذه الفئة كل صاحب رأي مختلف، ولو في قضية جزئية وصحيحة مثلما حدث لعضو المؤسسة الوطنية، ورئيس منظمة الشفافية السابق، الدكتور جاسم العجمي الذي كانت جريمته حسب بيان مركز البحرين: (أخذ عليه موقفه المتسرع بالاعلان عن نزاهة الانتخابات عام 2006، كما أن جمعيته أصدرت بعد ذلك تقريراً عن الإنتخابات المذكورة - بالاشتراك مع الجمعية البحرينية لحقوق الانسان - اعتبرته المعارضة يصب في مصلحة السلطة ويغطي على تجاوزاتها). لا أحد شكك في انتخابات 2006، وأكثرية الشعب شاركت فيها، ولم يرفض المشاركة فيها سوى أقلية متشددة يمثلها مركز البحرين لحقوق الإنسان وحركة حق وحركة أحرار البحرين في الخارج. فهل القول بنزاهة الإنتخابات جريمة ودليل عمالة؟! وهل مثل هذه الشتائم الشخصية التي لم توفر أحداً، تمثل خطاباً حقوقياً؟ وهل المطلوب من نشطاء حقوق الإنسان تقمص دور المعارضة السياسية، واعتبار كل ما يأتي من الحكومة فاقداً للمصداقية، مجرداً من أية إيجابية؟!

تكشف حملة التشوية التي تشبه المحاكمة لأعضاء المؤسسة الوطنية ورئيسها، وبعضهم كانوا في المعارضة في السابق، ويمارسون العمل الحقوقي حتى يوم تعيينهم (كنائب الأمين العام السابق للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، ورئيس المؤسسة الوطنية الأستاذ سلمان كمال الدين؛ والدكتور عبدالله الدرازي، الأمين العام الحالي للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وأول رئيس لنقابات العمال في البحرين الأستاذ عبدالغفار عبدالحسين).. تكشف هذه الحملة عن نزعة تشدّد ذات دوافع سياسية، جعلت القائمين عليها غير قادرين على التمييز بين الألوان، حتى بين اللون الأسود والأبيض، بحيث حكموا على مولود حقوقي بالإعدام وهو في مهده، ولم يكونوا قادرين على رؤية شيء إيجابي رآه نظراؤهم الحقوقيون في منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثلما فعلت منظمة العفو الدولية التي قالت: (إن تعيين ناشطين من ذوي الخبرة الطويلة في مجال حقوق الإنسان لقيادة “المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان”، التي أنشئت حديثاً، خطوة تلقى الترحيب). وأضافت: (وتعتقد منظمة العفو الدولية أن تعيين ناشطين من ذوي السجل المتميز في مضمار حقوق الإنسان ينبغي أن يشد من أزر جهود حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في البحرين، طالما ظلت السلطات تسمح لهم بالعمل دون عراقيل). وتابعت: (وقد رحبت منظمة العفو الدولية بإنشاء الهيئة، ولاسيما بالنظر لرؤيتها بأن الأحكام التي حددها الأمر الملكي رقم 46 تتماشى بصورة عامة مع مبادئ باريس).

قارن هذا بلغة المركز في بيانه (29/4/2010): (إن تشكيل ما يسمى بالمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان، يهدف الى الدعاية السياسية للنظام واحتواء عمل المدافعين المستقلين). واعتبر المؤسسة مجرد (هيئة حكومية تتبع إرادة من شكّلها وعيّن أعضائها، الذين هم في معظمهم - إن لم يكن جميعهم - ممن ينتهجون الولاء السياسي للنظام، وبالتالي فهي ليست هيئة وطنية مستقلة لحقوق الانسان ولا تنطبق عليها مبادئ باريس. وبناء على ذلك ستتواصل المطالبة بتشكيل هيئة وطنية حقيقة ومستقلة لحقوق الانسان). وحرّض المركز الجمعيات الأهلية لتخلق فتنة داخل صفوفها فتزيح رؤساءها المشاركين في عضوية المؤسسة، وقد كانوا زملاء المركز بالأمس القريب، يقول المركز في بيانه: (ولا ينبغي لأي من الأعضاء الذين تم تعيينهم في هذه المؤسسة الحكومية أن يشغل منصباً قيادياً في أية جمعية غير حكومية، وإلاّ فقدت تلك الجمعية حيادها واستقلاليتها، ولن يكون لمثل هذه الجمعية أي مصداقية للقيام بأيّ دور رقابي سواء على الحكومة أو على المؤسسة التي انشأها النظام للدعاية له، ولخدمة أهدافه السياسية، وليس لتعزيز حقوق الانسان).

فهل هذا الخطاب حقوقي بالدرجة الأساس، وهل يخدم حقوق الإنسان في البحرين، أم أنه يعمل على ضربه من الأساس؟

لقد أقامت جمعية العمل الديمقراطي (وعد) ندوة حول المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، شارك فيها رئيس المؤسسة، السيد سلمان كمال الدين، والدكتور عبدالله الدرازي، وقد كانا زملاء لقيادة وعد في النضال السياسي.. ومع هذا، ونتيجة الأجواء المسمومة التي بثّها مركز البحرين لحقوق الإنسان، فإن الندوة بدت وكأنها محاكمة لهما بتهمة قبول عضوية ورئاسة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الى حدّ أن أمين عام (وعد) الأستاذ إبراهيم شريف وصف قبول رئاسة وعضوية المؤسسة الوطنية من قبل كمال الدين والدرازي بأنه (عمل منفرد) و(غير مقوّم للعمل الوطني، ويشكك في مواقفنا.. ويقوّض الأساس الذي نبني فيه شراكاتنا مع الآخرين).

هذا الموقف من جمعية سياسية لا يكشف عن نضج، ومثله موقف جمعية الوفاق التي رأت في المؤسسة الوطنية ممثلاً (للرأي الحكومي بشكل مطلق لا مكان فيه لحقوق الإنسان البحريني المنتقصة)! وحكمت ابتداءً عليها بأنها (ستتكفل بالتغطية والتسويق لمشروعات الحكومة وبرامجها)! مثل هذا الموقف (السياسي) يكشف عن ضعف الثقة في مشاريع الحكومة حتى وإن كانت في غاية الإيجابية، كما يوضح مقدار العجز وعدم النضج السياسي والحقوقي في مؤسساتنا الأهليّة.

الجدل حول المؤسسة الوطنية سابق لوقته. فالحكم على مدى استقلالها ونجاحها يعتمد على جهود رئيسها والأعضاء، وعلى تعاون المجتمع المدني ومؤسسات الدولة معهم. سننتظر الى أن تبدأ المؤسسة بعملها ونشاطها، وسنعرف الى أي مدى نجحت وحققت الأغراض الواردة في الأمر الملكي بتشكيلها. ولكن ما يمكننا أن ننصح به هو أن بعض مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات السياسية في البحرين، وبالرغم من تشكيكها المتوقع والسابق لأوانه، يمكن أن تغيّر من مواقفها، في حال أثبتت المؤسسة جدارتها وجدّيتها ونشاطها. ولكن على الأرجح، ستبقى الجهات المتشددة التي يمثلها مركز البحرين وحلفائه، على مواقفها بغضّ النظر عن التطورات، وذلك لأنها أحزاب معارضة تريد تغيير الوضع السياسي القائم برمّته.

من هنا، سيكون عمل المؤسسة ـ وليس أفرادها فحسب ـ تحت النظر والمراقبة المحلية والدولية، وهذا هو التحدّي الأكبر الذي يفترض فيها أن تنجح فيه، وأن تخلق مناخاً إيجابياً تعاونياً مع منظمات المجتمع المدني كافة، وكذلك مع الأحزاب السياسية، والمؤسسات الحكومية، وأن تحوز على مساعدتها وتعاضدها في تحقيق الغايات المطلوبة منها.