حسن موسى الشفيعي

ماذا نخسر بسبب الإنتهاكات؟

حسن موسى الشفيعي

من البديهيات المعروفة أن الحفاظ على حكم القانون يمنع انتهاكات حقوق الإنسان. فإذا ما تمّ خرق القانون، جاء التعدّي والتجاوز، وحين يتمّ ذلك تندلع حالات الإضطراب، بحيث يمكن القول بأن انتهاكات الدول لحقوق مواطنيها ـ والتي تتم عادة بحجّة الحفاظ على الأمن ـ تكون نتيجتها عكسية تماماً، أي أنها تزعزع النظام والإستقرار والأمن، وتزيد من تدهور الأوضاع بدلاً من أن تبعث على الهدوء والسكنية.

إن الطريق التي يسلكها منتهكو حقوق الإنسان، لتحقيق الإستقرار والأمن، خاطئ. لهذا ليس صحيحاً الزعم بأن تطبيق القانون المتوافق مع المعايير الحقوقية الدولية، يؤدي الى تضعضع الأمن، أو أن تنفيذ القانون يتطلب خرقاً لحقوق المواطنين، اللهم إلا إذا كان القانون مستبدّاً. ولهذا أيضاً، حرصت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على تأكيد حقيقة أن تمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني يمنع البشر من اللجوء بشكل اضطراري الى التمرد على الطغيان والإضطهاد.

نعيد التذكير هنا بهذه الحقيقة، في ظرف يكثر فيه الجدل حول وقوع التعذيب في البحرين. إن إدراك حجم الخسارة في حال وقعت انتهاكات لحقوق الإنسان هو ما يجب التفكير فيه مليّاً. إن انتهاك حقوق الإنسان مكلفٌ لأية دولة، ولأية مجتمع يعاني منه. والمسألة هنا تتجاوز حدود الخسارة المعنوية، أي تلوّث سمعة الدولة في الخارج بين المنظمات الحقوقية.

لكي نكون واضحين فإن هناك تبعات كبيرة للإنتهاكات في حال وقوعها، من بينها:

  • إنها تضعف ثقة المجتمع بالحكومة وأجهزتها الأمنية، وتعيق تعاون المجتمع معها وتدفعه للنظر بسلبيّة تجاه مشاريعها. كما أن الإنتهاكات تشجّع بعض المواطنين على خرق القانون وعدم احترامه، وتخلق مشاعر عدائية تجاه الأجهزة الأمنية والقضائية.
  • إنها تزيد التوتر في الشارع، بدلاً من أن تعيد اليه الهدوء، وتوسّع من القلاقل وأعمال الشغب. فالإنتهاكات كما تدلّ تجارب التاريخ، تمثّل الوقود والمبرر للتشدد والتطرف. لهذا لاحظنا جميعاً لماذا تحاول الجهة المتشددة في البحرين جرّ رجال الشرطة الى المصادمات في الشارع، وتوفير البيئة لخرق القانون. إن احترام القانون من قبل الأجهزة الحكومية يساهم في تسوية المشاكل سلمياً، ويعين في فضّ الخلافات، ويعزز من مكانة النظام والقانون في نفوس الناس ويجعل منه أمراً مقدّساً.
  • إن الإنتهاكات تضرّ بسمعة القضاء حتى ولو لم يكن طرفاً مباشراً فيها. فالقضاء هو الملجأ للأفراد، وهو رمز تحقيق العدالة، وفي وجود الإنتهاكات يتساءل الناس: أين دور القضاء في تحقيق العدالة؟ بمعنى أن من ينتهك حقوق الإنسان يضرّ بالعديد من أجهزة الدولة، ويشوّه سمعتها، ويضعف مصداقيتها.
  • هناك محاولات جادة من قبل وزارة الداخلية لتقريب الشرطة من المجتمع لمساعدتها في مكافحة الجريمة ومنعها، عبر برنامج (شرطة المجتمع) الذي أُسس حديثاً. بيد أن الإنتهاكات إذا ما وقعت تعرّض هذا التعاون والجهود التقريبية للخطر، وتساعد في عزل جهاز الشرطة والأمن عن المواطنين.
  • إن الإنتهاكات تشوّه سمعة الدولة، وتوفّر أسباب انتقادها في المحافل الدولية الحقوقية، وفي وسائل الإعلام، وهذا ما يسعى إليه المتشددون. كما أنها تفضي الى ممارسة ضغوط سياسية على الدولة، وربما قد يجري استغلال ذلك لتحقيق أغراض تمسّ بسيادة البلاد واستقلالها.

نحن واثقون بأن هناك إرادة سياسية باحترام حقوق الإنسان في البحرين، وهناك إجماعٌ شعبي ورسمي في إدانة ممارسة التعذيب. والآن يجب أن نقول بأن هناك (مصلحة واضحة) في منع وقوع الإنتهاكات بشتى أشكالها. ولكن تبقى حلقة مفقودة وهي ضعف الشفافية فيما يتعلق بالتجاوزات التي تحدث، والتي هي فردية، وهذا أدّى الى تضخيم الموضوع وكأن التجاوزات التي تحدث حالة (منهجية). ولو كانت الشفافية موجودة بما فيه الكفاية، لربما تبيّن أن التجاوزات محدودة للغاية، وهي تقع في كل بلدان الدنيا، إذ لا سبيل الى منع وقوعها تماماً. نحن نطالب الأجهزة المعنية، بأن تمنع وقوع الإنتهاكات ابتداءً عبر خطوات وإجراءات وقائية. كما نطالبها بأن توسّع أفقها، وتفتح ملفاتها، فهذا هو السبيل الوحيد لتعزيز مصداقيتها وفرض احترامها داخلياً وخارجياً.