|
حسن موسى الشفيعي |
في طريقها الى الإنحسار:
الطائفية مشكلة، وليست أزمة!
حسن موسى الشفيعي
ليس الطائفي من يمارس معتقده، ويعبر عن رأيه، وإنما هو من يعتدي
على أتباع المذهب الآخر، بحجة طائفية دينية، أو لأنه يعتقد بأن عقيدة
الآخر باطلة ولا تستحق الحياة، وأنه لا يجب السماح للمختلف بحرية التعبير
والممارسة الدينية التي يكفلها القانون.
وليس الطائفي من يحب أبناء طائفته، وإنما الطائفي هو من يكره أبناء
الطائفة أو الديانة الأخرى، بذريعة أن كراهية وازدراء الآخر واجبٌ
ديني أو عادة اجتماعية، أو هو مؤسس على أرضية أثنية أو لغوية وما أشبه.
وليس الطائفي من يساعد أبناء طائفته، وإنّما الطائفي هو من يساعدهم
على حساب الآخرين، ويجعل لهم الأفضلية التي تعني حرمان الآخر من حقوقه
كمواطن. الطائفي هو من لا يقبل بالمساواة والعدالة والإنصاف للآخر
المختلف.
وليس الطائفي من يتمنّى الخير لأبناء طائفته، بل هو من يتمنّى الشرّ
للآخر المختلف.
وليس الطائفي من يدافع عن حقوقه على أساس القانون والدستور وما
توفره المواطنة من مساواة بين الأفراد، بل الطائفي هو الذي يحرم الآخر
من حقوقه الدستورية.
وليس الطائفي هو المنغلق على نفسه في بيئته الخاصة، بقدر ما هو
ذلك الذي يعلن جهاراً أنه ضد التداخل والاندماج بين المواطنين ويمنع
تعزيز المصالح المشتركة والتزاوج العابر للمذاهب، ويعتبر ذلك ذنباً
دينياً وسياسياً.
* * *
التقرير الاستراتيجي البحريني لعام 2009م، أفرد مساحة مناسبة للموضوع
الطائفي، وناقشها بشجاعة، ووضع يده على نقاط الألم والضعف. لقد اوضح
التقرير بأن هناك مشكلة (وليس أزمة) طائفية، وأن هذه المشكلة يساهم
فيها كل الأطراف ومختلف الشرائح، وأن المرض الطائفي قد أصاب المؤسسات
كالوزارات والبرلمان ورجال الدين وحتى مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات
السياسية والخيرية وغيرها. المشكلة ـ كما يصورها التقرير ـ ممتدة عمودياً
كما هي أفقياً، وأن بعض مصادرها يمتد الى خارج البحرين نفسها.
قد يدهش الباحث من حقيقة أن المشكلة الطائفية قد ظهرت بشدّة الى
السطح في ظل المشروع الاصلاحي القائم. والسبب ـ إضافة الى الذيول الخارجية
للطائفية ـ يعود الى حقيقة ان المشروع الاصلاحي وفّر المناخ للحديث
عن المشكلة ومناقشتها بعد أن كانت مكتومة لعقود طويلة. المشروع الاصلاحي
خاصة في بعده السياسي ـ ورغم أنه المتضرر الأكبر من عملية التطييف
ـ منح دون قصد الاطراف السياسية (وعدد من قياداتها الوسيطة والعليا
متطيفيين) ولأول مرّة الأدوات التي بدل ان تستخدم في الدمج الوطني،
استخدمت في بعدها الطائفي، كما هو واضح في البرلمان ونشاطاته مثلاً.
في الحقيقة فإن المشروع الاصلاحي أخرج المكنون والمسكوت عنه، ولأن
التجربة وليدة، اندفعت بعض الجهات والشخصيات الى استثمار الموضوع الطائفي
سياسياً، وكان هذا أمرٌ اعتيادي، وإن كان غير محبّذ. ولذا يتوقع أن
ينخفض منسوب المشكل الطائفي وتمظهره في السنوات القادمة، وهذا أمرٌ
قد لاحظه التقرير الاستراتيجي من خلال مقارنته بين عامي 2007 و 2008
من جهة وبين عام 2009 من جهة أخرى.
البحرين لا تمرّ بـ (أزمة طائفية) وإن سادتها روحٌ طائفية أججتها
مشاكل محلية قديمة، كما تأثيرات الأحداث الاقليمية. وما يجعلنا نؤمل
ذلك ونتوقعه، التالي:
1/ أن الحريات السياسية وارتفاع منسوب حرية التعبير بشتى أنواعها،
قادرة ـ مع الزمن ـ على امتصاص الفائض من العصبية الطائفية من جهة؛
وقادرة على ضبط الحراك والخطاب السياسيين. ومادامت القوى الاجتماعية
مندمجة في مشروع سياسي، فإن المخاطر تبدو أقل مما يروج وينشر. آخذين
بعين الاعتبار حقيقة أن توجه الدولة في إطاره العام، وإن تضمن بعض
الخروقات الطائفية، فإنّ أجهزتها وقيادتها تسير باتجاه عكسي ومتضاد
مع الطائفية.
2/ واحدة من أسباب المشكل الطائفي وانفجاره، هو الجهل بضرره، ولعلّ
استخدام بعض السياسيين للخطاب الطائفي، جاء من قناعة انه يخدم مصلحة
ما شخصية أو للجماعة المذهبية. لكن، وبعد تجربة السنوات الماضية، خاصة
تحت قبة البرلمان، فإن الجميع بدأ يكتشف أن الطائفية لا تخدم أهدافه
ومصالحه بالضرورة. فلا الحكومة، ولا المعارضة، ولا التيارات التي تزعم
وتزايد في ولائها للنظام يفيدها تأجيج المشكل الطائفي. لأن الطائفية
وإن خدمت في الوصول الى المنصب، فإنها لا تحفظه ولا توفر له الاستقرار،
وقد لا تفيد حتى في تحصيل منافع مؤسسة على خطاب طائفي. حتى المعارضة،
فإنها تطمح للمشاركة في بناء الدولة، ومن يدعو الى خطاب طائفي، تضعف
مكانته وأهليّته في المشاركة (سيقال ان هذا الفرد او تلك الجماعة ليست
مؤهلة لأن تتولى هذا المنصب أو ذاك بالنظر لعصبيتها الطائفية المنغلقة).
3/ وما يدعو الى توقع انخفاض منسوب المشكل الطائفي هو اتساع حرية
التعبير الديني/ المذهبي ـ خاصة لدى الشيعة. ففي كثير من البلدان تبيّن
ان تقليص مساحة حرية التعبير قد وفّر مادّة خصامية واستخدم كأداة في
الصراع السياسي بشكل حادّ ومتطرف.هناك فسحة هائلة من حرية التعبير
في البحرين، وهناك احترام، بل مبالغة في الاحترام أحياناً من قبل الدولة،
حيث مساعداتها المادية الكبيرة للمآتم الحسينية، وحضور بعض المسؤولين
وأمراء الأسرة الحاكمة لتلك المجالس، وبث النشاط الديني في القنوات
الرسمية. هذا الأمر ليس فقط يبعد الدولة، وقياداتها، عن دائرة الصراع
الطائفي ويحيّدها عن الاختلافات المذهبية، بل أن مساحة الحرية تفيد
في تنفيس الاحتقان المذهبي إن وجد.
4/ المسألة الأخيرة في هذا الأمر تتعلق بحقيقة ان المشكل الطائفي
وارتفاع منسوبه لا يتعلق بالبحرين فحسب بل بكل المنطقة. ولولا التغييرات
الإيجابية الكبيرة السياسية وغيرها، ولولا الجهود التي تبذلها الدولة
والقيادات الفاعلة في المجتمع، لدخلت البحرين في مشاكل لا تحمد عقباها.
السبب في هذا، أن النزعة الطائفية أصبحت جامحة إقليمياً، وقد اشار
التقرير الاستراتيجي الى تأثيراتها المحلية. ولأن هذه النزعة بدأت
تأخذ منحى تراجعياً في الدول المجاورة منذ نحو عامين ولاتزال تسير
في هذا الاتجاه.. فمن المتصور أن يساهم ذلك أيضاً في تراجع حدّة الخطاب
الطائفي في البحرين نفسها.
|