حسن موسى الشفيعي

البحرين: المنظمات الحقوقية ومنهج
العلاقة مع الحكومة

حسن موسى الشفيعي

اعتادت المنظمات الحقوقية الدولية، مثل أمنستي، وهيومان رايتس ووتش، وغيرهما، التمييز في طريقة تعاملها مع دول العالم المختلفة. فمن جهة نجدها تتبنّى في علاقاتها مع بعض الدول أسلوباً يمكن تسميته بـ (التعاون والنقد البناء)، بينما تتعامل مع دول أخرى بأسلوب (المواجهة) المتضمن للتصعيد الإعلامي، وحشد الضغوط السياسية والشعبية، واستخدام اللغة الحادّة تجاهها.

اختلاف اللغة والخطاب وطبيعة العلاقة بين المنظمات الدولية والدول عامة يحكمها سجل الدول الحقوقي. فالدول التي تمارس قمعاً حادّاً، وسياسة تسلّطية صارمة، وسجلها الحقوقي يفيد بأن القمع سياسة منهجيّة، وأن القمع آخذ بالتوسّع، أو لا يبدو في الأفق أنه قابل للتوقّف ومن ثم التغيير ولو بشكل تدرجي نحو الأفضل.. فإن من رأي تلك المنظمات الحقوقية الدولية، وجوب اتخاذ الطريق الخشن مع مثل تلك الدول، وكذلك استخدام لغة التصعيد والمواجهة معها، ووضعها تحت الرقابة الشديدة، ومتابعة ما يجري فيها، والقيام بنشر التقارير والبيانات بصورة منتظمة عنها، وغير ذلك.

أما الدول التي تعتبر خروقاتها محدودة، أو تحاول إصلاح سجلّها، وتطوير تشريعاتها، ولا تسعى الى المصادمة مع معارضيها، وتبذل جهوداً في التقدّم بأوضاعها الحقوقية، عبر استحداث آليات، وسدّ الثغرات القانونية، وتلتزم بالحدود الدنيا من واجباتها في الميدان الحقوقي على الصعيد الوطني والدولي.. فإن المنظمات الدولية ـ وإزاء هذه الدول ـ تحاول تخفيف حدّة الصدام معها، ومراعاتها بالتشجيع والنصح من أجل تطوير موقفها وأوضاعها الحقوقية، دون أن يلغي ذلك النقد المحسوب والبناء، علنياً كان أو عبر المراسلات الخاصة.

هذا التصنيف في التعامل الذي يبدو وكأنه حسم بالنسبة للمنظمات الدولية، لازال يمثل خلافاً بين المدافعين عن حقوق الإنسان في البلدان العربية، كما في مصر والمغرب وتونس والجزائر وفلسطين المحتلة والأردن كما البحرين وغيرها.

وإذا كانت المنظمات الحقوقية المحلية قد حسمت خياراتها في بعض الدول العربية، من جهة استخدام أسلوب النقد البناء والتعاون من أجل تطوير سجل البلاد حقوقياً، كما في المغرب التي قطعت شوطاً بعيداً في التحوّل الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.. فإن منظمات أخرى في دول أخرى لاتزال مختلفة في التوجهات بين أسلوب المواجهة والتصعيد وبين أسلوب التعاون والنقد البنّاء.

أساس المشكلة فيما يبدو جاء من اختلاف تقييم تلك المنظمات الحقوقية لأداء النظام السياسي على الصعد كافة (السياسية والحقوقية والإجتماعية والتشريعية) وبالتالي الإجابة على سؤال مهم: هل سياسات النظام يمكن البناء عليها لتعزيز اتجاه الإصلاح والتطوير واحترام حقوق الإنسان، أم أن النظام موغل في مواقفه الخشنة ولا يريد التغيير والإصلاح، وبالتالي لا يمكن المراهنة على استخدام (خطاب ناعم) تجاهه لتغيير موقفه؟

في البحرين، اختلفت المنظمات الحقوقية ولاتزال في تقييم الوضع، ومن ثم اختلفت في تحديد طبيعة العلاقة بينها وبين الحكومة. في تقييمي، هناك مركز البحرين لحقوق الإنسان (المنحلّ) الذي يرى بأن شيئاً مهماً لم يتحقق على صعيد حقوق المواطنين السياسية والمدنية والإجتماعية، وهو يرى بالتالي أن لا مفر من مواجهة النظام والتصعيد في الخطاب الحقوقي والسياسي، وحشد الجمهور باتجاه المواجهة. وهناك في المقابل الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان التي تقيّم الوضع بشكل مختلف، وترى أن النظام السياسي الحالي ـ رغم قصوره وعيوبه ـ ليس هو النظام السياسي في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، فقد تطور النظام ذهنياً وواقعياً كما في التفكير والممارسة، وبالتالي لا بدّ من التعاون مع النظام، ونقده بشكل بنّاء، وتشجيعه ودفعه للقيام بإصلاحات أكبر، والإستفادة من هامش الحريات الموجودة في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، من أجل إحداث نقلات متقدمة أخرى في المستقبل.

نحن نعتقد بأن هناك ضرورة لمناقشة الإختلافات بين المنظمات الحقوقية البحرينية حول هذا الموضوع، حتى تتوحّد الجهود، حين تعتمد الأسلوب الأنسب للوضع البحريني. بالطبع هناك بين النشطاء من يعتقد بأن كلا الطريقتين صائبتين، ولكننا في مرصد البحرين لحقوق الإنسان، نعتقد بأن أسلوب الحوار البنّاء مع السلطة، واستخدام خطاب حقوقي متطور ومتوازن ومعتدل، هو السبيل الأكثر فاعلية في تطوير حقوق الإنسان ودفعها الى الأمام، كما في تطوير النظام السياسي نفسه.