الحياد الصعب

مقاومة الجذب السياسي

نشاط المنظمات الحقوقية مرتبط بشكل كبير بالأوضاع السياسية، فالمعتقلون السياسيون وسجناء الضمير والإعدامات وحقوق المرأة والطفل وغيرها، من الموضوعات ذات صلة وثيقة بالوضع السياسي، وهذا ما يجعل ميدان عمل المنظمات الحقوقية قريب ومتداخل مع الشأن السياسي. كما أن تلك المنظمات والعاملين فيها لا بد وأن يتأثروا بالأوضاع السياسية سواء في بلدهم أو في بلدان أخرى، ومن المستبعد أن يكون أولئك العاملون فارغين من المواقف تماماً، بحيث لم يشكلوا رأياً خاصاً بهم تجاه بلد معين أو قضية سياسية معينة.

ثم إن المنظمات الحقوقية ـ خاصة الدولية منها ـ تحاول الإستفادة من تناقضات الدول السياسية لتمرير رسالتها الإنسانية. لهذا، لا نعجب مثلاً إن وجدنا منظمات حقوقية دولية كبرى استفادت ـ مثلاً ـ من نشوب توتر في العلاقات بين أميركا من جهة والصين وإيران وسوريا من جهة أخرى لتركز على موضوع حقوق الإنسان في تلك الدول.

البعض يعتبر ذلك (انتهازية) وبعض آخر يعتبرها (تواطؤاً سياسياً).

في البحرين، كما في بلدان عربية أخرى، هناك اهتمام شديد بالشأن السياسي في الوسط الشعبي، وهناك حراك سياسي يستثير الجدل والنقاش والحوار، وهناك هامش معتبر من حرية التعبير.

بعبارة أخرى هناك أجواء سياسية ساخنة (بمعناها الإيجابي) تجذب الناشطين الحقوقيين للإهتمام بالأحداث السياسية ومتابعتها وتشكيل رأي خاص بهم تجاهها، وربما انخرط بعضهم في النشاط السياسي دون أن يشعر.

وبسبب الحراك السياسي الفاعل، هناك دفع قوي باتجاه (تسييس) كل القضايا الإجتماعية والثقافية والدينية والحقوقية والإنسانية، فضلاً عن وجود جذب قويٌ من الفاعلين السياسيين لجرّ المنظمات الحقوقية البحرينية الى دائرة السياسة.

أضف الى ذلك، توجد لدى بعض النشطاء الحقوقيين رغبة مكبوتة لممارسة السياسة، بالنظر لخلفياتهم السياسية المعارضة السابقة، بل لازال بعضهم يمارس السياسة ولم يطلقها حتى بعد أن نشط حقوقياً، كما أشرنا في العدد الماضي.

زد على ذلك، فمن المحتمل أن يكون قد حدث وأن غطّت بعض الجمعيات السياسية نشاطات حقوقية أو منظمات حقوقية بعينها كان للقائمين عليها علاقة سياسية سابقة بها.

وبالرغم من كل هذا، فإن كثيراً من الجمعيات السياسية البحرينية لاتزال تنظر الى منظمات حقوق الإنسان المحليّة كـ (طرف خارجي) ولم تمنحها إلا القليل من الثقة، بل وفي بعض الأحيان ترفض أن تتعاون معها أو مع بعضها. وبدلاً من ذلك، أو ما يعبر عن ذلك، أن عدداً من الجمعيات السياسية شكّلت لها لجان حقوقية خاصة بها، تتابع مسائل حقوق الإنسان.

وعلى الأرجح، فإن هناك دافعاً آخر وهو أن تلك الجمعيات السياسية وجدت في موضوع حقوق الإنسان إغراءاً لم تستطع ردّه أو تسليم ملفّه لجهة متخصصة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن الجمعيات السياسية البحرينية لا تزال في بداية عهدها وهي ليست حرفية، أي أن السياسي يمكن أن يمارس كل النشاطات الثقافية والدينية والسياسية والحقوقية، ويخلط فيما بينها لتحقيق غاية محددة.

إن منظمات حقوق الإنسان البحرينية مطالبة ابتداءً بمقاومة الجذب السياسي الحادّ، وبمراجعة مستمرة للمواقف والقضايا، والدفاع عن مصداقيتها وتأكيد حياديتها قدر ما تستطيع ـ إن كان الحياد المطلق غير ممكن.

كما أنها مسؤولة عن تطبيق المعايير المتعارف عليها دولياً في مضمار حقوق الإنسان، لا أن تبتدع لنفسها معايير خاصة، أو أن تحاول الإلتفاف عليها.

كما أنها من جانب آخر، ولكي تحافظ على ثقة الجمهور واحترامه، مطالبة بأن تراجع أولوياتها في العمل. فهناك مسائل تعتبرها الشريحة الأكبر من المجتمع مهمّة، في حين قد يتم التركيز على قضايا أقل أهمية ويتم إعطاؤها حجماً أكبر مما تستحق.